التصريحات بشأن زيارة الرئيس أبو مازن للسعودية لا تبشر بالخير لمن استعجل الأمر، وتمنى لها أن تصب في ساقية
المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية لتغلق في النهاية دائرة المصالحة، فكل هذه التصريحات تشير إلى عدم وجود تخطيط أو نية أو تفاهم مسبق حول لقاء يجمع الرئيس أبو مازن أو قيادة السلطة مع إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس والوفد المرافق له، الذي يصادف وجوده في
السعودية مع وجود الرئيس أبو مازن.
كنا نأمل أن تستغل الرياض انفتاحها الجديد في العلاقات في المنطقة وتحسنها مع طهران وغيرها من دول المنطقة، وفي مقدمتها سوريا، للضغط من أجل ترتيب البيت الفلسطيني، وتستعيد تحركاتها ونفوذها في المنطقة بعد طول انتظار .
لا أؤمن بالصدف المفصلة على المقاس، ولكن في الوقت ذاته فإن السعودية ليست من البلدان المقامرة وتتحرك بحرص شديد، ولن تقبل أن تلدغ من جحر واحد مرتين، فقد لدغت مرة من عقرب المصالحة في 2007. ولا تريد أن تلدغ مرة أخرى، إلا إذا كانت الطريق سالكة لكن ليس هناك ما هو مضمون مئة في المئة في منطقتنا المتقلبة، ولكن أليس من الممكن أن يكون وجود الرئيس أبو مازن ووفد من
حماس في السعودية في الفترة نفسها، ضمن تحركات تمهيدية للسعودية تهدف لاستئناف جهود المصالحة من حيث انتهت في الجزائر في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وفي إطار المصالحة الإقليمية. انكوت السعودية بنار المصالحة أول مرة قبل بضعة أعوام. كما أن التجربة الجزائرية ليست ببعيدة ولا تزال حاضرة في الأذهان إذ لم يمر عليها سوى بضعة أسابيع. والأهم من ذلك، أن طرفي الخصام لم يغيرا ظاهريا من موقفيهما من العائق الذي يعترض طريق تحقيق المصالحة، أو هكذا يبدو، فحماس لا تزال ترفض تقديم تنازل الاعتراف بإسرائيل والتعاطي مع القبول بوجود دولة الاحتلال، في إطار تشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم بالقرارات الدولية وتحترم التزامات منظمة التحرير الفلسطينية الدولية، وهذا الشرط هو الذي تضعه منظمة التحرير، ولا أعتقد أن حماس التي تشعر بنوع من القوة المتصاعدة بعد الجولة الأخيرة من جولات /القدس والأقصى/، التي انتهت بإطلاق بضع عشرات من الصواريخ من جنوب لبنان وإصابة ثلاثة من مواطني إسرائيل، والرد الإسرائيلي المحدود عليها، ستقبل بذلك في نشوة ما تصفه بالانتصار.
وللتذكير فقط بما آلت إليه المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية الأولى تحت إشراف الملك عبدالله بن عبدالعزيز في 8 شباط/فبراير 2007، فبعد مداولات لمدة يومين في مكة المكرمة وبعد أداء الأطراف مناسك العمرة، تم الاتفاق والتوقيع على اتفاق لإيقاف الاقتتال الداخلي في قطاع غزة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية. وشارك في المداولات التي تمت تحت إشراف الملك عبدالله بن عبدالعزيز، العديد من قادة الطرفين، على رأسهم الرئيس أبو مازن والنائب محمد دحلان، الذي كان في حينها من المقربين من أبو مازن، قبل أن يفقد هذه الحظوة، ويختار اللجوء السياسي في الإمارات، وبحماية الشيخ محمد بن زايد، نائب رئيس الدولة.
وعن حماس قاد الوفد خالد مشعل رئيس الحركة في حينها ونائبه هنية الذي رأس الحركة لاحقا. ورغم أجواء التفاؤل الكبيرة التي رافقت التوقيع على الاتفاق، وتشكيل حكومة وحدة وطنية مشتركة برئاسة إسماعيل هنية، إلا أن التوتر بقي كامنا لينفجر في الأسابيع التي أعقبت التوقيع، وانهار الاتفاق باشتباكات مسلحة في منتصف حزيران/يونيو2007 بإيعاز من المندوب الأمني الأمريكي الجنرال كيث دايتون، وانتهت بهزيمة دحلان/ دايتون وأجهزتهما الأمنية وخروجها من القطاع، وأن تؤول السلطة بكاملها في غزة إلى حركة حماس. ومنذئذ لم تحرك الرياض ساكنا في هذا الاتجاه، لكن ذلك لم يمنع السعودية من توسيع دائرة انفتاحها على محيطها العربي، لتشمل حركة حماس بعد تركيا وإيران وسوريا. وكعادتها تتكتم حول مغزى دعوتها للرئيس عباس في الفترة نفسها التي يوجد فيها وفد من حماس، ولكن هناك من اعتبرها كسرا للجمود الذي كان يلف العلاقات بين الرياض وحماس على مدى السنوات السبع الأخيرة، بعد قطيعة استمرت لسنوات، اعتقلت خلالها السعودية، ودون مقدمات كل نشطاء الحركة في السعودية، وعودة كما يبدو لأداء دور أكثر نشاطا على الساحة الفلسطينية، ربما في تحرك ينسجم مع انفتاحها ومصالحتها مع دول المنطقة. البعض يرى في توقيت زيارة الوفدين صدفة، ولا أراها كذلك، بل بداية تحرك سعودي حذر جدا. فالسياسة السعودية لا تترك الأمور للصدف، ولا تعمل على أساس الصدف، فهي تخاف من الفشل فلها تجربة سابقة وذاقت طعمه. ولكن يبقى الأمل موجودا في أن تعود السعودية إلى أداء دورها القومي والإقليمي. ونبقي على تفاؤلنا.
وأخيرا، أثارت غضبي الشديد تصريحات لمسؤول كبير جدا في أحد فصائل المقاومة، أكد فيها أن المقاومة أوقفت اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك في العشر الأواخر من رمضان. وهذا طبعا تصريح وقول مبالغ فيهما، ورغم اعترافنا بأن المقاومة أدت دورا رادعا، لكن ليس بالحجم الذي تحدث فيه هذا المسؤول. فإسرائيل أوقفت اقتحامات القدس بالتوافق مع الأردن المسؤول عن المقدسات الإسلامية والمسيحية، بموجب اتفاق سلام وادي عربة. وحسب شخصية فلسطينية من مناطق 1948، فقد كان هناك تفاهم غير معلن بين حكومة الاحتلال والحكومة الأردنية على وقف الاعتكافات حتى الأيام العشرة الأواخر، وحاول الأردن إقناع المعتكفين والمتعبدين، بعدم الوجود في الأقصى، والسماح باقتحامات الأقصى التي ثبت فيها الاحتلال التقسيم الزماني كخطوة أولى نحو التقسيم المكاني.
وقال المسؤول الرفيع؛ «إن المقاومة أصبحت تشكل هاجسا كبيرا للعدو الصهيوني، وهذا صحيح، لكن أن تقول لي «إننا نملك المقاومة التي ستوقف العدوان وستحرر المسجد الأقصى»، فهذا قول مبالغ فيه. إذا كان هذا صحيحا فلم الانتظار، ولماذا لم نحرر المسجد الأقصى والقدس من قبلها، ألا يرى هذا المسؤول الكبير، أن في ذلك الكلام مبالغة، وأنه سيجعل ابن الشارع يتساءل إلى متى الانتظار؟ وإذا كان غير دقيق، فإنه سيجعل عدونا يسخر منا. وأشار إلى أن «كيان الاحتلال يعيش حالة من التنازع والانقسام لم يسبق لها مثيل، ويسير نحو التفكك الداخلي والزوال، ونتمنى لو كنا قادرين على مشاطرته هذا التفاؤل. وتابع هذا المسؤول القول؛ «إن المقاومة كانت واقفة وحاضرة للرد على العدوان على المسجد الأقصى، الذي لم يتوقف وبمواصلة ضرب المعتكفين والمرابطين ضربا مبرحا أمام أعيننا وأعين العالم ولم نحرك ساكنا.
وأختتم بالقول؛ إننا لن نتجاهل إرادة شعبنا الصلبة وعناده في الدفاع عن حقوقه وإصراره على سيادته على أقصاه وقدسه أيا كانت التضحيات وأيا كان الثمن. ونجح شعبنا ومقدسيونا في تحقيق مرادهم ومواصلة تحديهم للاحتلال ومحاولات فرض سياساته. ولولا هذا العناد والإصرار على مواجهة المستوطنين وجيش الاحتلال، لما جرت كما أراد ولما أُرغم أطراف على التراجع عن تفاهماتها السابقة مع حكومة الاحتلال.
(القدس العربي)