على كازاخستان أن
تختار بين محور "الصين-
روسيا" أو "أمريكا-
أوروبا".. هذه
خلاصة ما أبلغه الغرب إلى أستانا، ونقله تقرير في موقع "تسار غراد"
الروسي قبل أسابيع.
التقرير نقل عن
"مصادر غربية" أنّ السلطات الكازاخية تعتزم منع الاستيراد الموازي إلى
روسيا، وكذلك عدم مساعدة موسكو في الالتفاف على العقوبات المفروضة عليها، متحدثاً
عن حضّ الغرب لكازاخستان على القيام بذلك.
في نظر تلك
المصادر، فإنّ الحفاظ على الروابط التجارية مع روسيا والغرب في آن واحد "يخدم
مصالح أستانا". فالجهات الغربية تريد من كازاخستان اختيار طرف واحد، وهذا
يعني أنّ الغرب يحاول إغراء كازاخستان من أجل سحب الدولة المترامية الأطراف بين
روسيا والصين، من محيطها إلى حضن المعسكر الغربي.
هذه الرسالة وصلت
إلى كازاخستان خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بداية العام
الحالي، وذلك بعد يوم واحد من إغلاق كازاخستان مكتبها التجاري في موسكو.
في حينه، شدد
بلينكن على ضرورة الامتثال للعقوبات المفروضة على روسيا. بعد زيارة كازاخستان ألغت دول
تدور في فلك الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، معاملاتها
مع البنوك الروسية التي طالتها العقوبات.
بريطانيا تدخل
على الخط
وبعد الحراك الأمريكي
بأشهر، جاء الحراك البريطاني في أستانا أيضاً، يوم حطّ وزير الخارجية البريطاني
جيمس كليفرلي في أستانا. كليفرلي في لقاءاته مع المسؤولين الكازاخيين، تحدث عن
كيفية تقليص التأثير السلبي للصراع في أوكرانيا على اقتصاد كازاخستان، ودعا إلى البحث
عن طُرقٍ بديلة لتصدير جميع المنتجات الكازاخية، من دون المرور عبر الأراضي
الروسية.
الوزير البريطاني
قال إنّ لندن "حريصة" على خلق طرق عمل عدّة بين أستانا وشركائها
الدوليين، وهي مستعدة لتقديم دعمٍ لكازاخستان اعتماداً على "التجربة
الاستثمارية البريطانية"، كاشفاً عن نقاش دار مع السلطات الكازاخية حول
الصعوبات الموجودة في نقل النفط والغاز، وعن تطوير مشروع "الممر الأوسط"
(ممر النقل الدولي العابر لبحر الخزر) كطريق بديل لنقل المنتجات الكازاخية، معلناً
في هذا الصدد عن قرب توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية مع أستانا.
ما هو الممرّ
الأوسط؟
والممرّ الأوسط
المعروف اختصاراً باسم "TITR"، هو واحد من بين 3 ممرّات للتجارة
العالمية، بين الصين من جهة، والدول الآسيوية والأوروبية من جهة أخرى. ويبلغ طول
هذا الممرّ 4256 كيلومترا براً و508 كيلومترات عبر البحر.
وينطلق هذا الممرّ
من مدينة كاشغر الصينية، ثم يخترق قرغيزستان، وأوزبكستان، ثم ميناء تركمانباشي في
تركستان، لينقل كل البضائع عبر حاويات إلى أذربيجان ومنها إلى جورجيا، ثم منها إلى
تركيا، فأوروبا وبقية دول العالم.
وبما أنّ الدول
الغربية تسابق الأيام من أجل سحب كل أوراق الضغط الاقتصادية والتجارية من يد روسيا
فقد أتى اليوم دور التجارة، بعد العقوبات على "سلاحي" الغاز والنفط. دول
القارة الأوروبية وعلى رأسها بريطانيا (وخلفها الولايات المتحدة)، تسعى إلى تعزيز
طريق تجاريّ يربطها بالصين من دون الحاجة إلى المرور عبر روسيا، التي تسعى كلّها
مجتمعة إلى تقويضها أكثر وأكثر.
مولدوفا وجورجيا
على الخارطة البريطانية
خلال شهر آذار/ مارس
الفائت، قامت الدبلوماسية البريطانية بزيارات عدة إلى دول مثل مولدوفا وجورجيا، إلى
جانب تلك الزيارة إلى كازاخستان. في الدولتين، ناقش ممثل بريطاني قضايا التعاون في
مجال الدفاع والأمن السيبراني، وهو ما يكشف اهتمام لندن المتزايد في مجال الأمن
عموماً والسيبراني خصوصاً، وذلك في محاولة إضافية، ظاهرها تنسيقي لكن باطنها يرمي
إلى فرض مزيد من الهيمنة على تلك المجالات داخل الدول التي تحظى موسكو فيها بتأثير سياسيّ.
أكثر من ذلك، فقد
كشفت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس، في حديث مع صحيفة "ذا تلغراف"
البريطانية قبل أسابيع، أنّ لندن ترغب في إرسال أسلحة حديثة إلى مولدوفا، لحمايتها
من "خطر الاجتياح" الروسي.
وبحجة إعفاء
تلك الدول مما تسميه بريطانيا "الأنشطة الروسية الضارة"، أعلنت لندن أيضاً
عن تخصيص نحو 10 ملايين جنيه إسترليني لمولدوفا وجورجيا، وذلك تحت مسمى
الإصلاحات الاقتصادية والإدارية، بحيث تكون تلك المساعدات عاملَ جذبٍ للدولتين المذكورتين،
بدافع نقلهما إلى الضفة الغربية تحت مسميات "الإصلاح"، الذي يستهدف
المجتمعات الناطقة باللغة الروسية ضمن الاتحاد السوفييتي السابق، ولضمان قربها مع
الوقت من القيم البريطانية والأوروبية.
وكل هذا تؤكده
الوثائق التي سُرّبت قبل سنوات على يد مجموعة من "الهاكرز" (Anonymous)،
وكشفت في حينه تفاصيل عن أنشطة الأجهزة البريطانية داخل آسيا الوسطى ودول البلقان.
تلك الوثائق أظهرت محاولات تسلل لندن إلى دول أوروبا الشرقية وبعض دول آسيا الوسطى،
تحت ستار "البرامج الثقافية" من أجل إرساء المزيد من السيطرة، لكنّ تلك
الوثائق بقيت في الظلّ ولم تأخذ حقّها كما يجب في الإعلام الغربي.
"نوڤا
ألبيون" شرقي جديد؟
الحراك الغربي
تجاه كازاخستان ومولدوفا وجورجيا، وخصوصاً الحراك البريطاني، يأتي كمحاولة لخلق ما
يشبه "نموذجا استعماريا جديدا"، ربّما تستطيع بريطانيا من خلاله مواصلة
أنشطتها الحكومية للتوسع الاقتصادي الخارجي، الذي يتضمن فرض نسخة خاصة من التنمية
على البلدان الأخرى.
يذهب بعض
المراقبين أعمق من ذلك، محاولين الغوص في التاريخ البريطاني، ومشبّهين ما تقوم به
اليوم لندن في الدول الثلاث، بمشروع "نوڤا ألبيون" (Nova
Albion) لكن بنسخة جديدة وظيفتها الاستيلاء على دول الشرق بدل الأراضي الأمريكية
قبل قرون. أمّا الغرض من ذلك كلّه، فهو محاولة إحياء "إمبراطورية
جديدة"، تكون قادرة على تغيير الأنظمة السياسية في تلك الدول النامية بشتى
الوسائل، حتى لو كان ذلك عبر ممارسة
الضغوط أو عبر تأليب الشعوب ضد حكّامها.
ونوڤا ألبيون، هو
اسم منطقة شمال المكسيك، طالب بها السير فرانسيس دريك لصالح بريطانيا عندما هبط
على الساحل الغربي للقارة الأمريكية الشمالية عام 1579. هذا الادعاء أصبح لاحقاً حُجةً
للمواثيق الإنجليزية من أجل السيطرة على ساحل المحيط الأطلسي، وقد أدى مع الوقت
إلى مطالبة بريطانيا بتلك المناطق ضمن القارة ثم ضمّها لاحقاً تحت مسميات
الاستعمار.
بهذه الطريقة،
تحاول بريطانيا توسيع جهودها داخل الدول التي تحدّ روسيا الاتحادية، من أجل بسط
سيطرتها ونفوذها في أراضي ما بعد الاتحاد السوفييتي، على حساب النفوذ الروسي.