منذ أمس سعت
القوى السياسية
اللبنانية لمعرفة تفاصيل ما دار في اللقاء الذي جمعَ مرشح حزب الله
والنظام السوري سليمان فرنجية، والسفير السعودي في بيروت وليد البخاري، في منزل
الأخير، ودلالاته المحلية والإقليمية، بالتوازي مع محاولات لاستكشاف ما ستؤول إليه
التطورات الخارجية، خصوصاً قمة جدّة العربية التي دُعيَ إليها رئيس النظام السوري
بشار الأسد، وما سينجم عنها، في ظل الحديث المستمر عن قمة ستجمع الأسد وولي العهد
السعودي محمد بن سلمان قبل موعد القمة في 19 الجاري.
داخلياً، تتابع
الأطراف الجهود والمساعي الداخلية التي يقودها نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب، والخارجية التي تقودها دولة
قطر والتي تهدف إلى التوصل إلى تفاهم بين التيار الوطني الحر وحزبي القوات
اللبنانية والكتائب ونواب معارضين حول مرشح لدعمه في وجه فرنجية، في ظل تضارب حول
تقدّم في هذه المداولات وأن المفاوضات باتت حول عدد من الأسماء التي يُمكن أن
يُتفق على أحدها.
وبدا واضحاً أن
حركة دبلوماسية يقودها سفراء الخماسي وتحديداً واشنطن وقطر، إضافة للحركة الإيرانية
في لبنان وسوريا لمواكبة انعكاسات الاتفاق مع
السعودية في سوريا ولبنان، ما يعكس
محاولة جديدة لوضع الرؤى المتناقضة، المستمرة منذ ما قبل اجتماع باريس، على خط
النقاشات اللبنانية، فيما تعاطت القوى السياسية مع مواقف باريس والدوحة وواشنطن
والرياض وطهران من زاوية مصالح متناقضة.
والأهم من ذلك
وعلى وقع الحديث عن إمكانية موافقة الرياض على فرنجية، بدت المخاوف التي حملتها
الأيام الأخيرة لبعض قوى المعارضة من مؤشرات عن إمكانية مرشح الحزب والأسد، مع
الحضور الإيراني في بيروت ودمشق والانكفاء السعودي تحت ضغط التسوية مع طهران،
تقابلها مواقف مناقضة لقوى حزبية معارضة تبدو واثقة من أن انتخاب سليمان فرنجية
رئيساً، صعب وغير ممكن، انطلاقاً من الموقف المسيحي الموحّد حيال رفض وصوله، مع
سريان نظرية تشير إلى استحالة قبول رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل،
تحت ضغط موقفه المحرج داخل الشارع المسيحي، بانتخاب فرنجية. ويتعامل هؤلاء مع
مبادرة التسوية الفرنسية على أنها صارت من الماضي. وما يدور بين الخارجية الفرنسية
والإليزيه يساهم في ترسيخ قناعتها بأن باريس باتت قاب قوسين من نعي مبادرتها، بعد
ارتفاع الضغط السني- المسيحي، مع المرجعية الروحية، ضد إدارة ماكرون لملف لبنان.
في المقابل، فإن البيان
الأمريكي حول لبنان والذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية منذ أيام لم يكن هدفه
فقط توجيه ضربة قوية إلى المبادرة الفرنسية حيال الملف الرئاسي اللبناني، بل كان
يحمل أيضاً إشارة تُنبئ بالبدء باعتماد حركة ديبلوماسية أمريكية أوضح في اتجاه
لبنان، بعد انكفاءٍ بدأ منذ توقيع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. وهو
ما يعني بالتالي أنّ هذه الحركة ستتمظهر أكثر على أرض الأحداث والتطورات
اللبنانية، ولو أن ذلك لن يعني أنّ الحلول الرئاسية باتت في متناول اليد.
وهناك من بات
يعتقد أن الحركة الأمريكية ستكون بالتفاهم والتنسيق مع السعودية وقطر التي أنجزَ
وفدها مهمته الرئاسية الثانية، قبل أن يعود في جولة ثالثة على الأرجح بعد انتهاء
أعمال القمة العربية، والتي ستخصّص لبنان ببنود رئيسية وواضحة. لكن قبل ولوج الملف
الرئاسي اللبناني، لا بد من قراءة متأنية للأوضاع الخارجية والإقليمية، خصوصاً أنّ
انسداد الأفق داخلياً يدفع للتعويل على إنقاذ خارجي له شروطه وتعقيداته المختلفة.
ومنذ أيام زار
مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان الرياض، على رأس وفد تقني واستخباري، ويبدو
أن الزيارة وصلت إلى تفاهمات واضحة المعالم مع الجانب السعودي حيال ملفات المنطقة،
وعلى رأسها تفعيل المشروع الاستراتيجي المتعلق بالربط ما بين الشرق الأوسط والهند.
وبات جلياً أن الولايات
المتحدة والسعودية يراقبان بكثير من الدقة وجود توجهات معارضة للاتفاق الإيراني-
السعودي لدى بعض مسؤولي الحرس الثوري، في مقابل تأييد خامنئي المطلق له. وهو ما يفسر
إيلاء خامنئي بعض المهمات للأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، انطلاقاً
من ثابتة إيرانية تقول إن خامنئي يريد تأمين استمرارية النظام القائم، وإعادة
تنشيط العجلة الاقتصادية لتهدئة الأوضاع وسحب فتيل الصراع الداخلي وخاصة مع الجيل
الإيراني الجديد، والتي شكّلت عصب التحركات الشعبية خلال الأشهر الماضية.
أضِف إلى ذلك أنّ
واشنطن خَفّفت من اهتمامها بالملف النووي على أساس أنّ إيران لن تكون قادرة على
استعمال القنبلة النووية؛ لا في الخليج بعد الاتفاقات التي حصلت ولا في إسرائيل
خشية أذية القدس أو المناطق الفلسطينية أو حتى جنوب لبنان. وتبقى التفاهمات
والتسويات في العراق قادرة على دفع الحركة الاقتصادية الإيرانية.
وهذا الأداء بات
ينعكس في السياسة الخارجية لإيران من خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير
عبد اللهيان الأخيرة للبنان وسوريا، أولاً من خلال الانفتاح على القوى السياسية
ودعوتها لحوار مع الضيف الإيراني، وثانياً من خلال ما أشاعه عن أن طهران لا تتدخل ولا
تدعم مرشحا على آخر.
وبالعودة للموقف
السعودي الذي يسعى حلفاء فرنجية لاستخدامه، هناك مؤشرات يمكن من خلالها معرفة
حقيقة الموقف السعودي الرئاسي. الأول يتعلق بمواقف المعارضين لفرنجية وتحديداً
جنبلاط وجعجع والجميل والقوى التغييرية، والمؤشر الآخر تلاقي الموقفين المصري
والقطري على الإتيان برئيس وسطي، وهذا السياق تُرجم بزيارات الموفدين المصري
والقطري، وهذه الجولات أكد الجانبان أنها بالتفاهم مع الرياض، وأنها هدفت إلى ملامسة
جوهر العقد الموجودة حيال الاستحقاق الرئاسي والأسماء المطروحة، وركّزت خصوصاً على
ضمان استمرار الاستقرار اللبناني وأهمية الجيش اللبناني في هذا المضمار وضرورة
مساعدته في مهمته.
والطبيعي أن
الوفد القطري، العائد بعد القمة يتحرك بدعم دولي وإقليمي وتحديداً واشنطن والرياض
دون استفزاز طهران، وعليه فإن استقبال فرنجية في دارة البخاري لا يمكن تفسيره سوى
في إطارات اللياقات الاجتماعية المتزامنة مع الانفتاح السعودي على إيران وسوريا.