انتهت الجولة
الأولى من
الانتخابات الرئاسية التركية، بنتائج كانت مفاجئة للجمهور المتابع، سواء
المؤيد للرئيس
أردوغان أو حتى المؤيد للمعارضة، وبالرغم من انتهاء هذه الجولة
بتقدم للرئيس أردوغان على منافسه كليتشدار أوغلو، إلا أنها حملت معها جملة من
الرسائل والخفايا التي لم تكن في الحسبان، وكشفت عن طبيعة المجتمع التركي الجديد.
لم تشفع كل
الإنجازات الكبيرة التي نفذها الرئيس أردوغان على مدار عشرين عاما، والتي شملت
جوانب مختلفة على المستوى الاقتصادي، نقل فيه المجتمع من حالة اقتصادية متردية إلى
مجتمع ينعم بوضع مادي مريح، حيث قفز الحد الأدنى للأجور في عصره من 120 دولارا إلى
ما يزيد عن 450 دولارا، فضلا عن التقدم الكبير في مجالات البنية التحتية والصناعات
الدفاعية والعسكرية وغيرها الكثير من التحول الحضري.
بالنظر إلى انتخابات الرئاسة عام 2018 وانتخابات اليوم، فإن هناك تراجعا في نتيجة الرئيس التي حسمها من الجولة الأولى سابقا وبصورة مريحة، حيث جاءت هذه الجولة الجديدة في ظل جملة من التغييرات التي شهدها المجتمع التركي أبرزها الاصطفاف الواسع من قبل المعارضة صفا واحد بهدف تغيير الرئيس، وانحياز الكتلة الكردية بصورة واضحة وللمرة الأولى ضد الرئيس وفي صف مرشح المعارضة، فضلا عن الآثار الاقتصادية
بالنظر إلى
انتخابات الرئاسة عام 2018 وانتخابات اليوم، فإن هناك تراجعا في نتيجة الرئيس التي
حسمها من الجولة الأولى سابقا وبصورة مريحة، حيث جاءت هذه الجولة الجديدة في ظل
جملة من التغييرات التي شهدها المجتمع التركي أبرزها الاصطفاف الواسع من قبل
المعارضة صفا واحد بهدف تغيير الرئيس، وانحياز الكتلة الكردية بصورة واضحة وللمرة
الأولى ضد الرئيس وفي صف مرشح المعارضة، فضلا عن الآثار الاقتصادية التي ترتبت على
ارتفاع التضخم لنسب قياسية مع تدني الليرة التركية وتجاوزها حاجز 20 مقابل الدولار
الواحد. وعلى الرغم من المعالجات المستمرة برفع الأجور، إلا أن المعارضة نجحت في
تأجيج الرأي العام بهذه القضايا.
كما أن الإعلام
الدولي وتقنيات التواصل الاجتماعي لعبت دورا مهما في دعم مرشح المعارضة بصورة
مباشرة وأخرى خفية، تقودها التقنيات التواصلية التي باتت تتحكم في الرأي العام
وثقافته وتوجهاته بصورة ناعمة وخفية.
بالرغم من كل هذه
العوامل التي قد تطرق لها البعض في تحليلاتهم، إلا أن هذه المقالة تقدم قراءة
مختلفة في عوامل أخرى ذات أهمية لعبت دورا مهما في النتائج المحققة، ومن أبرزها
الطبيعة الجديدة للجمهور التركي التي تبرز فيها المزاجية والبحث عن التغيير.
فالتغيير لدى
فئات واسعة هدف مرجو بالرغم من إقرارهم بإنجازات أردوغان ونجاحاته، وهذا بحد ذاته يعطي
تصورا عن شريحة
الشباب ذات الطبيعة المعاصرة والخاصة، والمتأثرة بالثقافة الرقمية
في طريقة تفكيرها، بمعنى أنها لم تعد تفكر بالطريقة التقليدية التي اعتاد عليها
الرأي العام في توجهاته، بل باتت متأثرة بثقافة السرعة والتغيير التي تميز مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في غلبة الفضول وحب المعرفة الجديدة، حتى إن سلوك مستخدمي
التواصل الاجتماعي يدفع بصاحبه إلى سرعة الانتقال من مادة إعلامية إلى أخرى حتى وإن
كانت المادة المشاهَدة ممتعة. وهذا السلوك الذي غرسته الطبيعة التواصلية لمواقع
التواصل الاجتماعي من الطبيعي أن يؤثر على سلوك المستخدمين الذين باتوا يبحثون عن
الجديد حتى في واقع بلادهم السياسي، فأردوغان الناجح ليس كافيا بالنسبة لفضولهم
وحبهم لتجربة الجديد.
تتعزز الرؤية
التحليلية في هذا المقال عند النظر المقارن بين النتائج الحالية ببعضها، فالتوقعات
كانت تعطي تفوقا للرئيس أردوغان بحكم طبيعة شخصيته المميزة على ما يمكن تحصيله على
المستوى النيابي لحزبه، وبالنظر إلى نتائج مدينة كبيرة مثل إسطنبول التي تفوق فيها
مرشح المعارضة على أردوغان في نسبة التأييد، نجد الأمر مناقضا لذلك في نتائج
البرلمان التي تفوق فيها
العدالة والتنمية بفارق جيد على حزب المعارضة، ومثلها
تماما العاصمة أنقرة، ما يحمل رسالة مفادها أن الجمهور مؤيد للحزب الحاكم وتمثيله
في البرلمان، فيما أنه لا يعطي ذات التأييد للرئيس أردوغان.
على الرغم من كل محاسن النظام الرئاسي، إلا أنه بات أكثر تهديدا للمنجزات التي حققها أردوغان وحزبه حتى الآن
هذه الرسائل التي
تستشف من النتائج ليس بالضرورة أن تظهر بصورة صارخة، حيث إن تشكّل المجتمعات بطرق
تفكيرها تأخذ وقتا لتصبح ظاهرة يحسب لها في تشكيل الرأي العام، لكنها مؤشر جديد، والزمن
كفيل بزيادته، لذا فالأجدى الاهتمام بتقديم وجوه جديدة للمجتمع في الانتخابات، وهو
ما بدأ تأثيره في انتخابات عام 2019 عندما فاز الوجه الجديد برئاسة بلدية إسطنبول.
وقد يقودنا هذا
إلى أهمية النظام البرلماني في تقديم وجوه جديدة وتبادل المواقع العليا في الدولة
بين وجوه مختلفة، حتى من داخل الحزب الحاكم نفسه، ما يعطي معالجة لهذه المعضلة
التي باتت تدق ناقوس خطر على استمرار حزب العدالة والتنمية في حكم
تركيا بعد ذلك. فعلى
الرغم من كل محاسن النظام الرئاسي، إلا أنه بات أكثر تهديدا للمنجزات التي حققها
أردوغان وحزبه حتى الآن.