يوافق الخامس عشر من أيار/ مايو، الذكرى الـ75 لنكبة
شعبنا
الفلسطيني، نكبة لا تزال آثارها تأبى النسيان، 75 عاماً مضت على أبشع
مجازر التهجير
والقتل والتطهير العرقي المرتكبة على مرأى العالم وسمعه.. هجّر الصهاينة قسراً
خلال
النكبة قرابة 750 ألف فلسطيني، من أصل نحو مليون و400 ألف، وهم لا يزالون
لاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، وسيطر الاحتـلال خلال
النكبة على 774 قرية ومدينة فلسطينية، تم تدمير 531 منها بالكامل. وجرى توثيق
ارتكاب القوات الصهيونية 31 مجزرة مؤكدة، أخطرها مجازر: دير ياسين، واللد، ومجد
الكروم، وبعد عام 1948 ارتكبت دولة الاحتلال التي أضحت "الدولة العضو في
الأمم المتحدة" مجازر كفر قاسم، وقبية.
وبقوة السلاح سيطرت الحركة الصهيونية ومليشياتها الإرهابية
على القسم الأكبر من فلسطين، بدعم وتواطؤ من الدولة المنتدبة، بريطانيا، ثم أعلنت
تأسيس كيان دولة الاحتلال على أنقاض تاريخ ووجود الشعب الفلسطيني؛ الذي لا يزال
يقاوم النكبة وما نشأ عنها من قيام كيانات مؤقتة؛ جاءت خارج سياق التاريخ بتآمر
دولي وإقليمي. يعتبر الانتداب الذي عهدت به عصبة الأمم لبريطانيا اللحظة التاريخية
الحرجة في تطور الأحداث المتتالية للقضية الفلسطينية، فقد تعهدت بريطانيا العظمى
بممارسته "باسم عصبة الأمم" كما ورد في ديباجة الانتداب على فلسطين.
خانت بريطانيا هذه الأمانة (كما هي العادة)، وتواطأت مع العصابات الصهيونية في قتل وتهجير الفلسطينيين، وكانت سبب نكبتهم، ولا تزال ترفض الاعتراف بمسؤوليتها القانونية والأخلاقية عما يعانيه الفلسطينيين منذ 75 عاماً
وفي حين تتمثل المسؤولية الأساسية للدولة المنتدبة
بمساعدة الشعوب على تحقيق الحكم الذاتي الكامل والاستقلال الفعلي في أقرب وقت
ممكن، كما ورد في الفقرة (1) من المادة (22) من عهد عصبة الأمم: "رفاه وتطور
هذه الشعوب يشكلان أمانة مقدسة في عنق المدنية"، خانت بريطانيا هذه الأمانة
(كما هي العادة)، وتواطأت مع العصابات الصهيونية في قتل وتهجير الفلسطينيين، وكانت
سبب نكبتهم، ولا تزال ترفض الاعتراف بمسؤوليتها القانونية والأخلاقية عما يعانيه
الفلسطينيين منذ 75 عاماً.
النكبة والتطهير العرقي
تختزل النكبة مراحل التهجير والتطهير بعد طرد
الفلسطينيين وتدمير 531 من أصل 774 قرية ومدينة فلسطينية، غدت جزءاً من كيان دولة
الاحتلال، بينما قضى نحو 15 ألف فلسطيني نحبهم في سلسلة المجازر وعمليات التطهير
العرقي لكل ما هو عربي على أرض فلسطين. وعلى أنقاض البلدات العربية جرى بناء
المستوطنات والمدن اليهودية للمستعمرين والغزاة الجدد، وأعلن رئيس الوكالة
الصهيونية ديفيد بن غوريون إقامة دولة "
إسرائيل".
نهبت العصابات الصهيونية كافة الممتلكات والأموال
والحلي الذهبية، حتى المحاصيل الزراعية، كان الغرض من ذلك الحيلولة دون عودة
الفلسطينيين إلى قراهم وبلداتهم، حيث لم يعد لهم شيء فيها. وعمد بن غوريون إلى
السيطرة على كافة الممتلكات الفلسطينية الخاصة والعامة؛ في أكبر عملية سرقة وسطو
معاصر وثّقها المؤرخون.
كان المشروع الصهيوني تجسيداً لفكرة الكولونيالية الاستيطانية القائمة على الإبادة ذات البعد الأيديولوجي، وتحقيقاً لهذه الغاية كان لزاماً إجراء تغيير في التركيب الديموغرافي؛ لتمكين الحركة الصهيونية من أداء دورها متراساً لأوروبا كما تعهد هيرتزل
توالت بعد ذلك الخطط الصهيونية لتطهير أرض فلسطين من
سكانها، والاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأرض، فكان المشروع الصهيوني تجسيداً
لفكرة الكولونيالية الاستيطانية القائمة على الإبادة ذات البعد الأيديولوجي،
وتحقيقاً لهذه الغاية كان لزاماً إجراء تغيير في التركيب الديموغرافي؛ لتمكين
الحركة الصهيونية من أداء دورها متراساً لأوروبا كما تعهد هيرتزل، فكانت الرؤية
الصهيونية تعتمد على الركائز التالية:
1. الهجرة البشرية إلى المناطق المستهدفة والاستيلاء
على الأرض عبر القتل والقوة المسلحة.
2. طرد السكان المحليين من ديارهم واستئصالهم وعزلهم
بعيداً عن المستوطنين الجدد.
3. تحطيم البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية
للسكان الأصليين المستهدفين.
قام المشروع الصهيوني على استئصال الفلسطينيين تمهيداً للاستيطان، واتخذ صور التطهير العرقي بهدف إبادة الآخر، وكانت الإبادة وتدمير الممتلكات مرجعية فكرية لدولة الاحتلال، وأقيم نظام فصل عنصري (الأبارتايد) فاق نظيره في جنوب أفريقيا. منذ 75 عاماً بدأ الاستيطان ومصادرة الأراضي والممتلكات الخاصة، جرى خلالها حصار الفلسطينيين في معازل خلف الجدار كنوع من تنظيم إدارة التسلط عبر القوة
قام المشروع الصهيوني على استئصال الفلسطينيين تمهيداً
للاستيطان، واتخذ صور التطهير العرقي بهدف إبادة الآخر، وكانت الإبادة وتدمير
الممتلكات مرجعية فكرية لدولة الاحتلال، وأقيم نظام فصل عنصري (الأبارتايد) فاق
نظيره في جنوب أفريقيا. منذ 75 عاماً بدأ الاستيطان ومصادرة الأراضي والممتلكات
الخاصة، جرى خلالها حصار الفلسطينيين في معازل خلف الجدار كنوع من تنظيم إدارة
التسلط عبر القوة.
جريمة الإبادة الجماعية في ظل المشروع الصهيوني
ظهر مصطلح "الإبادة الجماعية" أو
"إبادة الجنس" منتصف أربعينيات القرن الماضي لوصف جرائم النازيين، فظهر
مصطلح "Genocide"
(إبادة الجنس)، كلمة "Genocide" تتألف من شقين اثنين؛ "genus"
من اليونانية القديمة وتعني الجنس أو القبيلة، و"cide"
وتعني القتل، وهو ما تعرض له الفلسطينيون من جرائم إبادة جماعية على يد العصابات
الصهيونية.
ولا تعني الإبادة الجماعية بالضرورة تدمير كامل لأمة
معينة، بل تدل على تخطيط منسق من أفعال تستهدف تدمير قواعد الحياة الرئيسة لمجموعة
قومية بهدف إنهائها من الوجود. يسعى هذا المخطط إلى تدمير المؤسسات السياسية
والاجتماعية لمجموعة قومية، وتفتيت ثقافتها ولغتها ومشاعرها الدينية والقومية
وبنتيجتها الاقتصادية، وتدمير كرامة وحرية وصحة وأمن الأفراد المنتمين إلى هذه
المجموعة القومية. تجسيداً لذلك ارتكبت المنظومة الاستعمارية للمشروع الصهيوني
جرائم عديدة منها:
- القتل الجماعي.
- التطهير العرقي.
- الترحيل السكاني.
- إبادة المكان والجغرافيا.
- إبادة الذاكرة.
يُقصد بالذاكرة هنا الذاكرة الجمعية التي تعتبر الوعاء
الذي تحتفظ فيه الجماعة الإنسانية أو الأمة بذكرياتها عن ماضيها وسجلها التاريخي،
ويقصد بإبادة الذاكرة "Memorycide" الفعل العمد الذي يقصد مرتكبوه محو
جميع أو بعض ما يذكّر جماعة إنسانية بماضيها السياسي أو الاجتماعي أو الفكري أو
العقائدي، وتحقيقاً لهذا الغرض، تستخدم الأسلوبين التاليين في إبادة الذاكرة:
رغم جميع الجرائم التي ترتكبها دولة الاحتلال وعصاباتها الإرهابية منذ 75 عاماً، لا يزال الفلسطينيون صامدون على أرضهم؛ متمسكون بمقاومتهم لهذا المحتل الغاصب، في سعيهم نحو التحرر والاستقلال دون بديل
أولاً: تزييف التاريخ من خلال طمس تاريخ هذه الجماعة
وإحلال تاريخ آخر مكانه بعد الإبادة.
ثانياً: تدمير الآثار المادية التي تذكر بماضي
الجماعة، سواء أكان ذلك مكان عبادة، أم مبنى أثريا، أم مقبرة تعود إلى تاريخ تلك
الجماعة. وتعتبر إبادة الذاكرة صورة من صور الإبادة الجماعية أو إبادة الجنس، إذ
إن مصادرتها أو تزييفها إنما هو إعدام لهويتها التي تدل عليها، وفي الوقت ذاته فهو
تدمير عمدي لمكون أساسي من مكونات الأمة، بحيث يكون هذا الفعل تمهيداً لإبادتها
مادياً.
ورغم جميع الجرائم التي ترتكبها دولة الاحتلال
وعصاباتها الإرهابية منذ 75 عاماً، لا يزال الفلسطينيون صامدون على أرضهم؛ متمسكون
بمقاومتهم لهذا المحتل الغاصب، في سعيهم نحو التحرر والاستقلال دون بديل.