أطلقت بعض القطاعات التجارية في
مصر حملة لمقاطعة شراء
الدولار من السوق السوداء بعد أن تجاوز سعره الـ41 جنيها مقابل 30.90 جنيه في البنك المركزي، أي بنسبة زيادة 33 بالمئة على الأقل؛ بسبب زيادة الطلب وشح المعروض.
الحملة التي روج لها الإعلام في مصر والحديث عن قيام الشركات بتدبير العملة الصعبة من السوق السوداء بشكل علني دون الخوف من المحاسبة، تؤكد سيطرة السوق وغياب دور البنك المركزي، وتراجع دور الدولة في ملاحقة تجار وسماسرة العملة على الرغم من القانون المصري الذي يجرم الاتجار العملة.
وفقا للقانون المصري، تنص المادة (126) من قانون البنوك رقم (88) على المعاقبة بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد على 10 سنوات وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تتجاوز 5 ملايين جنيه أو المبلغ المالي محل الجريمة أيهما أكبر كل من يتعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك المعتمدة أو الجهات المرخص لها بذلك.
وتنص ذات المادة على مصادرة المبالغ محل الجريمة، ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد على 3 سنوات وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تتجاوز 5 ملايين جنيه كل من خالف أيا من أحكام المادتين "113 و117" من هذا القانون.
البداية كانت بدعوة رابطة تجار السيارات، جميع المستوردين والوكلاء والموزعين المتعاملين في سوق السيارات المحلية، بالتوقف عن شراء الدولار من السوق السوداء، تحت شعار بعنوان "ادعم الجنيه عملة بلدك".
وطالبت الرابطة في بيان لها جميع التجار بعدم المساهمة في خلق حالة طلب على الدولار، والتوقف لمدة شهر عن استيراد السيارات والتعامل بالنقد الأجنبي من الفترة 15 أيار/ مايو 2023 حتى 15 حزيران/ يونيو 2023 حتى تستقر أوضاع البلاد
للسوق حسابات أخرى
يقول أحد المتعاملين في سوق العملة، ويدعى أبا طارق بأطراف محافظة الجيزة: "وكأنه الشيطان يعظ، المفارقة أن سوق السيارات في مصر واجه دعوات لمقاطعة شراء السيارات بعد المبالغة الكبيرة في أسعارها بما يتجاوز سعر صرف الدولار في السوق السوداء والبيع بـ"أوفر برايس" يصل إلى 15 بالمئة من ثمن السيارة لتوفيرها دون حجز وانتظار، ومطالبة بعض الوكلاء بدفع ثمن السيارة بالدولار".
وبشأن أسعار صرف الدولار مقابل الجنيه، أوضح لـ"عربي21" أنه "وصل سعر صرف الدولار إلى 42 و 43 جنيها في السوق الموازي ليومين قبل أن يتراجع لمستوى 38 جنيها، ولكن لا علاقة لهذا التراجع بتلك الحملة؛ لأن أزمة الدولار مستمرة ولم يجد جديد في الأمر، وفي عالم المال لا وجود لغة العواطف ودغدغة المشاعر الوطنية".
وتابع: "كل ما هنالك أن الدولار مثل الذهب كلما لامس أعلى نقطة تاريخية له يرتد للأسفل بنحو 10% لعدة أيام وربما بضعة أسابيع قبل أن يواصل الصعود كما حدث عند قمة الـ 20 جنيها، وقمة الـ30 جنيها، وهذه المرة عند قمة الـ 40 جنيها".
ونقلت مواقع محلية عن بعض القطاعات الأخرى أنها تدرس الانضمام للمبادرة، وإمكانية تحمل عدم الاستيراد لمدة شهر كامل في حال وجود مخزون من السلع يسمح بتوفرها في السوق الذي يعاني أصلا من ارتفاع السلع.
وعلق أحد تجار الأدوات الكهربائية بوسط البلد، ويدعى محمد حلمي، على الحملة بالقول: "السوق يعاني من نقص البضائع أصلا، وارتفاع الأسعار، والانضمام للحملة في قطاع الأدوات الكهربائية مثلا سوف يزيد من الغلاء في ظل عدم وجود مخزون يعوض السلع المباعة في الأسواق".
وتوقع حلمي في حديثه لـ"عربي21" أن "تكون الاستجابة محدودة لدعوة مقاطعة الدولار؛ لأنه في نهاية المطاف سيكون الإقبال على شراء الدولار بعد انتهاء المقاطعة مضاعف بسبب شح البضاعة، ومع زيادة التكالب عليه سيشهد ارتفاعا غير مسبوق لأن السوق السوداء أصبح هو المصدر الرئيسي لتوفيره".
دعوة لمجاملة النظام
قلل استشاري تمويل وتطوير المشروعات والأوقاف الاستثمارية، الدكتور علاء السيد، من أهمية وأثر تلك المبادرة.
وقال: "إن جاءك الغصب أفعله بجميله (مجاملة) مصر ليس فيها تجارة سيارات تقريبا وما نشاهده من توكيلات ومعارض لا تتناسب بالمرة مع حجم السوق المصري ولا تقارن ببلدان أقل منا عددا تصنع السيارات وتصديرها بأضعاف الأرقام الموجودة في مصر مثل المغرب وجنوب أفريقيا على سبيل المثال".
وقال لـ"عربي21": "ورغم الضعف الشديد في نشاط تجارة وتصنيع السيارات في مصر فإن البنك المركزي المصري والجهاز المصرفي المصري لا يستطيعان تدبير الدولارات لتغطية فواتير الاستيراد سواء للمنتجات التامة (السيارات) أو لمستلزمات الإنتاج وقطع الغيار للأسف الشديد، وإلا لماذا تراجعت مبيعات السيارات أكثر من 75 بالمئة في مصر.. أليس بسبب صعوبة الاستيراد؟".
ضررها أكثر من نفعها
بحسب علاء السيد، يؤثر ذلك سلبا بشكل كبير للغاية على النشاط الاقتصادي وتجارة التجزئة وقطاع التصنيع الغذائي والزراعة التي تعتمد على نقل مستلزمات الإنتاج والمنتجات تامة الصنع على أسطول النقل البري بالشاحنات التي إن توقفت إحداها لعطل ما لا تتوفر قطع الغيار لصيانتها لأن الدولة تعطي الأولية لتدبير الدولارات لاستيراد الغذاء والسلع الغذائية الاستراتيجية والتي تقوم الوحدات الاقتصادية التابعة للجيش باحتكارها تقريبا؛ وبالتالي فإن استيراد السيارات الجديدة تأخذ ترتيبا متأخرا في أولوية تدبير الدولارات.
واستدرك الخبير الاقتصادي "وبناء عليه فإن الحملة التي أطلقها تجار ومستوردو السيارات لمقاطعة الدولار في تقديري ما هي إلا تعبير متاح، وهو أقصى المسموح به للتعبير عن الغضب والرفض للسياسات النقدية والمصرفية الحكومية العرجاء التي تصيب قطاع استيراد وتجارة السيارات وقطع غيارها وصيانتها بالشلل".
واختتم حديثه بالقول: "في نهاية المطاف لا قيمة لما أعلنوه من مقاطعة ولا تأثير ولا أثر إلا تحويل الأنظار عن مسؤولية الحكومة ووزارة المالية والبنك المركزي والجهاز المصرفي عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد وندرة الدولارات في الأسواق".