أقر كنيست الاحتلال الإسرائيلي، قانونا بالقراءة التمهيدية يقضي بمنع رفع
العلم الفلسطيني بشكل جماعي في
القدس المحتلة أو أراضي
الداخل المحتل، في تكريس لسياسته العنصرية والتهويدية للأراضي الفلسطينية.
القانون بصيغته الحالية يسمح لشرطة الاحتلال بقمع الاحتجاجات وتنفيذ اعتقالات وفرض عقوبة السجن على متظاهرين في حال رفعهم للعلم الفلسطيني.
مشروع القانون المقترح الذي قدمه عضو
الكنيست، ألموغ كوهين، عن حزب "عوتسما يهوديت"، أيده 54 عضو كنيست، مقابل معارضة 16 عضواً.
ويحتاج القانون لتمريره وإقراره نهائيا قراءات ثلاث، ويقترح منع رفع العلم الفلسطيني أو "أعلام معادية"، ويتيح تنفيذ اعتقالات وفرض عقوبة السجن على كل من يخالف ذلك.
وينص مشروع القانون بالإضافة إلى حظر الاحتجاجات التي يتم خلالها رفع العلم الفلسطيني من قبل 3 متظاهرين على الأقل، إلى فرض عقوبة السجن الفعلي لمدة تصل إلى عام، كما يتيح لشرطة الاحتلال تفريق هذه الاحتجاجات وتنفيذ اعتقالات.
قرار يدلل على الضعف
قرار صعب التنفيذ في مدن فلسطينية محتلة ما زال أهلها يحافظون على هويتهم الوطنية الفلسطينية رغم محاولات التهويد، ولكن مراقبين اعتبروا أنه قانون يعبر عن ضعف الاحتلال وليس قوته.
الناشط المقدسي ناصر الهدمي قال لـ "عربي21" إن الاحتلال يخاف من كل شكل ورمز من رموز الهوية الوطنية الفلسطينية، بل يرى فيها تهديدا وجوديا لأنها تنازع هويته وسيادته على الأرض الفلسطينية المحتلة وبالذات في مدينة القدس تلك المدينة التي يشعر فيها أنه ناقص السيادة والسيطرة فيها، لذلك يجد أن العلم الوطني الفلسطيني استفزازي فيها بالذات؛ فضلا عن الداخل الفلسطيني.
وأوضح أن الاحتلال ينظم مسيرة الأعلام التي أقيمت في المرة الأولى لتكون تعبيرا عن سيادته على العاصمة الموحدة التي احتل شطريها مع حلول عام ١٩٦٧، فأصبحت موحدة تحت الاحتلال.
هذه المسيرة التي نظمها لتكون رمزا لسيادته وسيطرته ووجوده في المدينة ولإظهار هويتها، اليوم يأتي من ينازعه ويرفع العلم الفلسطيني في وجه علم الاحتلال، ويظهر أن هناك من يصارعه ومن ينازعه ويقف في وجهه ويظهر هوية أخرى.
وتابع: "تلك هوية لها جذور وشعب واستطاعت أن تفقد الاحتلال سيطرته على ما يسميها بالعاصمة في أكثر من مناسبة وأكثر من مواجهة".
ورأى أن الاحتلال يسعى لأن يجعل قضية رفع العلم الفلسطيني جريمة يعاقب عليها القانون، ويجعل حق الشعب الفلسطيني في رفع علمه جريمة تتم عبرها ملاحقة أبناء الشعب الفلسطيني ومحاكمتهم والتنكيل بهم، مبينا أن هذا الواقع الذي يفرضه الاحتلال يعبر عن مأزق يعيشه وعن ضعفه.
وأضاف: "حين يجلب آلاف الجنود ليؤمنوا مسيرة رمزية تعبر عن السيادة والسيطرة، فإنها تعبر عن الضعف وفقدان السيطرة، لذلك هو يلاحق عناصر الهوية الوطنية الفلسطينية عبر تجريم رفع العلم الفلسطيني سواء في القدس أو الداخل المحتل".
رزمة عنصرية
على مدار سنوات الاحتلال حرصت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على سن قوانين وصفها الفلسطينيون بالعنصرية، حيث بدا من عناوينها أنها تهدف إلى إنهاء وجودهم في أرضهم وخاصة في القدس والداخل المحتل.
هياكل الائتلاف الحكومي المتطرف الحالي أجمعت على ضرورة تشريع رزمة قوانين وإجراءات عنصرية تهاجم الوجود الفلسطيني في تلك المناطق وتحاول سلخه عن هويته الأصلية.
أبرز هذه القوانين إلى جانب تجريم رفع العلم الفلسطيني في المؤسسات الممولة من قبل الحكومة الإسرائيلية، إتاحة سحب الجنسية الإسرائيلية أو الإقامة من كل فلسطيني أدين بـ"الإرهاب" وبالعمل ضد أمن دولة الاحتلال، وتغيير أنظمة وقوانين تفريق المظاهرات، وإلغاء ما عُرف بـ"استخلاص العبر" أو توصيات "لجنة أور" بعد أحداث هبة القدس والأقصى في عام 2000، والتي حثت شرطة الاحتلال على تخفيف سياسة "الضغط على الزناد"، وطالبت بدمج المواطنين العرب وسد الفجوات وتقليص الفوارق مع اليهود.
ويضاف إلى ذلك السماح لجهاز الأمن العام "الشاباك"، وتحت ذريعة مكافحة العنف والجريمة بالبلدات العربية داخل الخط الأخضر، بالتدخل في قضايا جنائية ومراقبة
الفلسطينيين وشبكات التواصل الاجتماعي، والاقتطاع من ميزانيات الخطة الخماسية المُخصصة للعرب وتحويل جزء كبير منها للشؤون الأمنية.
كما وضعت الحكومة اليمينية مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية لفلسطينيي 48 في دائرة الاستهداف؛ عبر فرض ضرائب على تمويل الجمعيات من خارج البلاد، وذلك بهدف تشديد الرقابة عليها وتجفيف مصادر تمويلها وتقويض حضورها وتأثيرها، كما سيتم تشريع قانون ينص على إقصاء وفصل المعلمين الأكاديميين في الجامعات والكليات، على خلفية آرائهم أو مواقفهم المناهضة لإسرائيل ودعمهم لما تسميه حكومة نتنياهو "الإرهاب".
حرب نفسية
السيادة في القدس تحديدا بات مصطلحا يصعب تحديد صاحبه، فالوجود الفلسطيني فيها والصمود على أرضها رغم كل التحديات والعراقيل يخترق محاولات الاحتلال لفرض سيادته عليها وصبغها باليهودية.
الباحث المقدسي فخري أبو دياب يرى في حديث لـ"عربي21" أن دولة الاحتلال تتخبط وهي تسعى لكسر شوكة ومعنويات الفلسطينيين، وأنها فشلت في كثير مما يسمى بالسيادة أو حتى حسم معركة معينة كما حصل في العدوان الأخير على قطاع غزة.
وبدأ الاحتلال يبحث عن محاولة معاقبة الشعب الفلسطيني عن طريق منع الرموز الوطنية له وخاصة العلم.
وأوضح أنه رغم إصدار ما تسمى بالمحكمة العليا الإسرائيلية قرارا بالسماح برفع العلم الفلسطيني وعدم اعتبار ذلك جناية بعد توقيع اتفاقيات أوسلو مع السلطة؛ والتي وصفها بالمصيبة التي وقعت على الفلسطينيين؛ إلا أن الاحتلال يحاول تركيع وتطويع الشعب الفلسطيني فيما اعتبرها مجرد حرب نفسية يحاول شنها عليهم.
الذي يقف خلف هذه القوانين العنصرية هو اليمين المتطرف وخاصة من طالب بتطبيق ما يسمى بالصهيونية الدينية لكسب رضا المستوطنين بعد فشلهم في أمور عدة والبحث عن أمور ليس لها قيمة كقانون، بحسب أبو دياب.
وأضاف: "هذا تخبط يدلل بشكل واضح على فشلهم، والدولة هذه ضعيفة جدا، رغم أنها تحاول إظهار أنها دولة قوية تملك الإمكانيات لكنها تركض وراء رفع علم أو اجتماع مجموعة معينة يتم معاقبتها، هذا يدلل على إفلاسها وأن أجهزتها الأمنية فشلت وأنها تحاول إيجاد السيادة أو الردع عن طريق منع رفع علم، وهو كذلك دليل ضعفهم وانهزام الروح الداخلية للمجتمع الصهيوني".
ويرى الباحث الفلسطيني، أنه "كلما منعوا شيئا يزداد الفلسطينيون التمسك به، حيث سيكون الرد بوضع الأعلام الفلسطينية في كل زاوية في القدس وسيبدأ الأطفال بطباعتها على قمصانهم وعلى كل ما يحملون من حقائب، ما سيقهر الاحتلال وسيظهر الفشل الذريع لهذه الدولة".