نشر
موقع "
أويل برايس" الأمريكي مقال رأي للكاتب سيمون واتكينز، حلل فيه التوقعات
المحتملة لاجتماع "
أوبك بلس" في حزيران/ يونيو، مشيرًا إلى إمكانية استمرار
التخفيضات في الإنتاج؛ بسبب حاجة السعودية والعديد من دول أوبك الأخرى لرفع
أسعار النفط
أكثر لتحقيق عائدات وفيرة.
وقال
الكاتب، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن التصريح الأخير لنائب رئيس الوزراء
الروسي والمفاوض الرئيسي في منظمة "أوبك بلس" ألكسندر نوفاك، بأنه لا يتوقع
أن تتخذ المجموعة أي قرارات جديدة في اجتماعهم المقبل المقرر عقده في 4 حزيران/ يونيو، غير مطمئن. وقد تزامن ذلك مع تحذيرات الحليف الرئيسي لروسيا في "أوبك بلس"
- المملكة العربية السعودية - للمضاربين بتوخي الحذر. في سياق متّصل، قال وزير الطاقة
السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، إن البائعين على المكشوف، ممن يراهنون على أن الأسعار
ستنخفض، سيبقون "متألمين"، ودعاهم إلى "الحذر".
كان
شهر نيسان/ أبريل الأقسى على البائعين على المكشوف، بعد أن أعلنت أوبك تخفيضات مفاجئة
أخرى في إنتاج النفط بحوالي 1.16 مليون برميل يوميًا. ومع ذلك، هناك نقطتان رئيسيتان
حول سعر النفط قبل التخفيض المفاجئ للإنتاج وبعده، التي يجب ملاحظتها بالنسبة لأسعار
النفط على المدى القصير والطويل. أولًا، من المحتمل أن تكرر "أوبك بلس" السيناريو
نفسه في حزيران/ يونيو، وللسبب نفسه. وثانيًا، هذا القرار لن يحدث فرقًا كبيرًا في المسار
الهبوطي المحتمل لأسعار النفط في الأشهر القليلة المقبلة، تمامًا كما حدث بعد التخفيض
المفاجئ للإنتاج في نيسان/ أبريل.
وأشار
الكاتب إلى أن السبب الرئيسي لاستمرار "أوبك بلس" في إجراء تخفيضات إضافية
في إنتاج النفط هو ببساطة أن السعودية والعديد من دول أوبك الأخرى بحاجة إلى ارتفاع
أسعار النفط للبقاء والازدهار. من الناحية النظرية، تمتلك السعودية سعر تعادل مالي
للنفط يبلغ 78 دولارًا أمريكيًا للبرميل في سنة 2023. ولكن من الناحية العملية، فإن
سعر التعادل المالي للنفط هو الحد الأدنى لسعر البرميل الذي تحتاجه الدولة المصدرة
للنفط لتلبية احتياجات الإنفاق المتوقعة. ومن المرجح أن يكون سعر التعادل المالي الحقيقي
للنفط في السعودية أعلى بكثير من ذلك.
وذكر
الكاتب أن متوسّط تكلفة استخراج برميل واحد من النفط في المملكة العربية السعودية، وفي
إيران والعراق تتراوح بين دولار ودولارين فقط. وبإضافة نفقات رأسمالية حقيقية، فإن
تكلفة استخراج كل برميل تكون في حدود 6-8 دولارات. ويعتمد الفرق بين هذه التكلفة الفعلية
وسعر التعادل المالي الرسمي للنفط السعودي فقط على تقديراتها الخاصة للإنفاق التي يمكن
أن تتغير بشكل كبير من شهر إلى آخر حسب أهواء كبار المسؤولين السعوديين وحجم تمويلهم
للمشاريع التي يرغبون في إنجازها.
ومن
الأمثلة البارزة على ذلك الميزانية المتزايدة باستمرار لـ "مشروع نيوم" في
المملكة العربية السعودية المقدر في الأصل أن تكلفته 500 مليار دولار أمريكي، لكن يعتقد
مصدران مطلعان على المشروع أنه سيكلف على الأقل ضعف ذلك. وهذا النوع من الإنفاق المتهور،
المموّل بشكل كبير من إيرادات أرامكو السعودية، مثّل سببًا رئيسيًا آخر لعدم رغبة المستثمرين
في الغرب الارتباط بالطرح العام الأولي الكارثي لشركة أرامكو السعودية.
وأورد
الكاتب أنه بينما السعودية وحلفاؤها في أوبك بحاجة إلى رفع أسعار النفط قدر الإمكان
لتمويل هذه النزوات المتهورة، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها الرئيسيين في الغرب والشرق
لا يدعمون مثل هذه القرارات. وتعتبر هذه البلدان مستوردة صافية للنفط والغاز على نطاق
واسع، لذا فإن أسعار النفط المستديمة فوق 80 دولارًا أمريكيًا لخام برنت، وارتفاع أسعار
الغاز الطبيعي يعني أن التضخم سيظل أعلى لفترة أطول، مما سيبقي أسعار الفائدة أعلى
لفترة أطول، وبذلك سيزيد حجم الضرر الاقتصادي.
أما
بالنسبة للولايات المتحدة، فسيكون لارتفاع أسعار النفط تداعيات اقتصادية وسياسية. على
الصعيد الاقتصادي، كل تغيير في سعر النفط الخام بمقدار 10 دولارات أمريكية يؤدي إلى
هامش زيادة بين 25-30 سنتًا في سعر غالون البنزين. ومقابل كل سنت لارتفاع متوسط سعر
الغالون من البنزين، يتراجع الإنفاق الاستهلاكي أكثر من مليار دولار أمريكي سنويًا.
على الصعيد السياسي، ووفقًا لإحصاءات المكتب الوطني الأمريكي للبحوث الاقتصادية، فإن
حظوظ أي رئيس للفوز بولاية ثانية تكون أوفر في حال كان الاقتصاد الأمريكي مزدهرًا، والعكس
صحيح.
وأكد
الكاتب أن هذه الأسباب الرئيسية التي تقف وراء سعي الولايات المتحدة منذ فترة طويلة
إلى فرض نطاق سعري صارم لسعر خام برنت يتراوح بين 40-45 دولارًا أمريكيًا للبرميل كأدنى
حد (السعر الذي يمكن لمنتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة الازدهار وتحقيق أرباح
جيدة) إلى سقف سعري يتراوح بين 75-80 دولار أمريكي (السعر الذي يصبح بعده التهديد الاقتصادي
واضحًا للولايات المتحدة وحلفائها، والتهديد السياسي الذي يلوح في الأفق لرؤساء الولايات
المتحدة الحاليين).
في عهد
الرئيس السابق دونالد ترامب، عندما كانت السعودية (بمساعدة روسيا) ترفع أسعار النفط
إلى ما يزيد على 80 دولارًا أمريكيًا في النصف الثاني من سنة 2018، وجّه ترامب تحذيرًا
واضحًا إلى الرياض للتوقف عن القيام بذلك. وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/ فبراير
2022، قررت الولايات المتحدة وبعض حلفائها الرئيسيين في الناتو وضع حد لن يتسامحوا
بعده لأي تقدم روسي إضافي.
لكن
هذه المرة، على عكس ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية في سنة 2014، كان الحلفاء
مستعدين لتحمل تداعيات قصيرة الأجل لفقدان إمدادات النفط والغاز الوفيرة والرخيصة من
روسيا لتحقيق مكاسب على المدى الطويل تتمثل في إعادة تنشيط حلف الناتو الأمني بجميع
أشكاله.
وأشار
الكاتب إلى أن تحفيز هذا الانقسام بين الولايات المتحدة وحلفائها الأمنيين من جهة والتحالف
الروسي الصيني من جهة أخرى، وما ترتب عن ذلك من مناورات من اللاعبين الرئيسيين في مجال
النفط والغاز في الشرق الأوسط، هو عنصر أساسي في النظام العالمي الجديد لسوق النفط.
ومن جهتها، تريد روسيا من أعضاء أوبك دفع أسعار النفط إلى أعلى مستوى ممكن، حتى تتمكن
من تخفيض أسعارها عن الأسعار المحددة والرسمية لبيع النفط.
هناك
الكثير من المشترين الراغبين في الحصول على سعر مخفض للنفط الروسي، سواء كان عند أو
أعلى من الحد الأقصى لسعر البرميل البالغ 60 دولارًا أمريكيًا. وتعتبر الصين والهند
من المشترين الرئيسيين، وكلما رفعت أوبك أسعار النفط، كان سعر النفط الروسي المنخفض
أكثر جاذبية. ومن المؤكد أن الصين والهند لا تهتمان على الإطلاق بالعقوبات الحالية
التي تقودها الولايات المتحدة ضد روسيا.
وفي
الختام، أوضح الكاتب أن الولايات المتحدة نفسها لا تأبه لبيع النفط بأسعار مخفضة لمستويات
أوبك؛ لأن لهذا تأثيرا مباشرا على خفض أسعار النفط عمومًا داخل سوق النفط العالمي.