على خلفية
الاستثمارات الخليجية التي أعلنت عنها السعودية وقطر مؤخرا في
العراق، توعدت
مليشيات "أهل الكهف" المرتبطة بإيران بضرب أي مشاريع تنوي هاتان الدولتان تنفيذها على الأرض، ومواجهة أي وجود لهما بـ"الرصاص" و"الصواريخ".
وكانت السعودية وقطر قد أعلنتا بشكل منفصل خلال الشهر الجاري، عن إبرام اتفاقيات واستثمارات مع الجانب العراقي في مختلف المجالات بمبالغ مالية تتجاوز مجتمعة الـ10 مليار دولار أمريكي، وذلك خلال زيارات أجراها كبار المسؤولين في الرياض والدوحة إلى بغداد.
"ترسيخ الصورة"
وعن مدى تأثير هذه التهديدات على تنفيذ الاستثمارات الخليجية بالعراق، قال أستاذ الإعلام في العراق، الدكتور عقيل عباس؛ إن ما صدر عن هذه المليشيات كان متوقعا، وأن "أصحاب الكهف" هي واجهة، وليست حركة مستقلة بذاتها، وأنها مرتبطة بجماعات مسلحة أخرى مثل "عصائب أهل الحق".
وأوضح عباس لـ"عربي21" أن "هذه الجماعات المسلحة، منذ عهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، كانت تقف ضد الاستثمار الخليجي في العراق، وما حصل في بادية المساومة خير دليل".
وبيّن أن "حكومة الكاظمي كانت راغبة بمنح استثمار زراعي في بادية السماوة إلى السعودية، ثم تراجعت تحت ضغوط المليشيات، وكان وجه اعتراضهم حينها، أن الاستثمار السعودي يؤثر على المياه الجوفية في تلك المنطقة".
وتابع: "لكن هذا الاستثمار منح الكثير منه إلى شركة المهندس العامة التابعة للحشد الشعبي، ثم اختفى قلق هذه الجهات على المياه الجوفية، لذلك كان واضحا أن هدف الاعتراض سياسي".
وحول ما إذا كانت هذه التهديدات تعبر عن رفض
إيران للوجود الخليجي بالعراق، رأى عباس أنها "ما صدر عن المليشيات سيستمر، وليس بالضرورة وفق إرادات إيرانية، وإنما الاستثمار السعودي والقطري سيصنع صلات حسن نية بين هذه الشركات والسكان المحليين".
وتابع: "خصوصا عندما يكون الاستثمار في مناطق الوسط والجنوب، وهذا يغير الصورة السلبية التي حاولت هذه الحركات ترسيخها بخصوص أن دول الخليج وبالذات السعودية، معادية للتشيع وهي تستهدفكم".
وعزا عباس أسباب التهديدات إلى أن "مناطق وسط وجنوب العراق هي العمق الانتخابي لهذه الجماعات- رغم أنها ليس لها حضور شعبي حقيقي-، لكنهم يحصلون على ناخبين عن طريق استخدام موارد الدولة، لذلك فإن جمهورها يأتي منها وهي تريد أن تحتكره".
وأضاف أن "هذه الجماعات تريد أن تبقي في هذه المناطق ثقافة الارتياب من الخليجيين، وأن تفهمهم العالم العربي على أسس مذهبية وليست إنسانية، وهذه تعرضت إلى تصدع كبير مؤخرا، ولا سيما في بطولة خليجي 25، وكيف كان الاحتفال العراقي في الوسط والجنوب بالمواطنين الخليجيين".
وأعرب عباس عن اعتقاده بأن "هناك ما يشبه القرار بمنع وجود أي تأثير اقتصادي ينتج عنه تأثير اجتماعي؛ بسبب عمل شركات خليجية سواء سعودية أو قطرية أو إماراتية، وفي هذا الإطار تسقط هذه الجماعات ضد الاستثمارات الخليجية في هذه المناطق".
"ابتزازي للحكومة"
من جهته، قال المحلل السياسي العراقي، رعد هاشم؛ إن "هذه المليشيا وغيرها التي ظهرت مؤخرا، كلها تسميات وهمية؛ فهي غطاء لمليشيات عاملة على الساحة، بل متضررة من جراء استفراد أخرى على مجريات الحكم في البلد بالتنسيق مع رئيس الحكومة".
وأضاف رعد لـ"عربي21" أن "بعض المليشيات خسرت حضورها وتفاعلها وضخ الأموال لها التي كانت تحصل عليها عن طريق عقود كثيرة من الأعمال، ومن ثم حرمت الكثير من الموارد التي تديم عملها".
وتابع: "كذلك هذه التهديدات هي انعكاس لمخاض الخلافات المالية داخل طهران، وتحديدا بين الحرس الثوري والاطلاعات الإيرانية، إضافة إلى التباين في ما بينهم حول موضوع التهدئة والتصعيد في المنطقة، التي تتفق عليها الولايات المتحدة وإيران".
وأشار رعد إلى أن "هناك من المليشيات من خرجت عن دائرة الالتزام بالتهدئة، لذلك تلجأ إلى ابتزاز الحكومة العراقية عبر إحراجها بإطلاق مثل هذه التهديدات والبيانات، وذلك من أجل أن تخصص لهم الأموال".
وبحسب الخبير العراقي، فإن "بعض أطراف الحكومية تعمل على إسكات هذه المليشيات عن طريق إغراءات مالية؛ لأن بعضها لديه قنوات فضائية تنفق عليها ملايين الدولارات، لذلك فهذه المليشيات تعمل على ابتزاز ومساومة الحكومة للحصول على الأموال مقابل التهدئة".
وتوقع رعد أنه "إذا استمر هذا التهديد والإصرار على إحراج الحكومة، فإن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، سيضطر إلى تسمية الأشياء بمسمياتها وقلب حملة الابتزاز هذه وكشف حقيقتها، والضغط على الجانب الإيراني لحث هذه الجهات للإقلاع عن استفزازها".
ورأى أن "التهديدات لن تعطل شيئا من توجهات الدول العربية الاستثمارية، وخصوصا السعودية وقطر، وأن هذه البلدان حتما تراقب وتعبر عن قلقها مما يجري، لكنها قد تحصل على ضمانات من الحكومة بأن هؤلاء مجرد وهم، وليس لهم تأثير، وأنهم مسيطر عليهم".
وعن سبب عدم صدور أي تصريحات من السلطات حيال هذه التهديدات، أرجع الخبير العراقي ذلك إلى أمرين، الأول أن "الحكومة تعرف وهن هذه الجهات وتستكثر الرد عليها. أما الأمر الثاني، فإنها قد تعمد إلى إرضائها بالخفاء وحثها على الالتزام بوقف سقف التصعيد".
وكانت مليشيا تطلق على نفسها "سرايا أهل الكهف" أصدرت بيانا، السبت، قالت فيه؛ إن "إعادة مشروع التغلغل السعودي في العراق المسمى (استثمار الأراضي)، يعني إعادة انتشار مجاهدينا في كل الأراضي المستهدفة بهذا المشروع الشيطاني، كما أن التغلغل القطري الخبيث هو الآخر مرفوض وسنتعامل معه كاحتلال، وإن لم يكن عسكريا".
وتوعدت بالقول: "لن يلقى السعودي والقطري في العراق غير الرصاص والعبوات والصواريخ. والغيارى من أبناء المناطق المستهدفة، معنيين بالتصدي للأعداء ونقل المعلومات إلى إخوتهم في المقاومة الإسلامية".
ولم يصدر عن الحكومة العراقية حتى وقت كتابة هذا التقرير، أي تعليق على التهديدات التي أطلقتها هذه المليشيا التي تشكلت في كانون الثاني/يناير 2020، وأعلنت أنها ستثأر من الولايات المتحدة لقتلها قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي في العراق.
وفي 8 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أعلنت "سرايا أهل الكهف"، مسؤوليته عن مقتل مواطن أمريكي ستيفن ترول في بغداد؛ "انتقاما لمقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس".