من أهم ما يميز البيت
المسلم طاعته لربه والعمل الصالح، يتعاون أهله على البر والتقوى والعمل الصالح، يقوم
على التعاضد والتناصر والتعاون والتناصح، وعلى الخير والتقوى، فكانَ رَسولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَإِذَا أَوْتَرَ، قالَ:
قُومِي فأوْتِرِي يا عَائِشَةُ (رواه مسلم). وفي الحديث أيضا: "رَحِمَ
اللَّهُ رَجُلاً قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ
فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ
مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي
وَجْهِهِ الْمَاءَ" (رواه أبود داود وغيره).
بل لا بد من اللحظة
الأولى تبنى البيوت على الطاعة، فقال صلى الله عليه وسلم: "إذا خطب إليكم مَن
ترضَون دِينَه وخُلقَه، فزوِّجوه؛ إلا تفعلوا تَكن فِتنة في الأرض وفَساد عريضٌ"
(رواه الترمذي وابن ماجة).
وجاء رجل إلى
الحسن بن علي يسأله: خطب ابنتي جماعة، فمَن أزوِّجها؟ قال: زوِّجها من التَّقي؛
فإنه إنْ أحبَّها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها.
في هذا الباب
أمامنا نموذج لأسرة مسلمة اهتمت بتربية النفوس فكان ثمرتها بناء أعظم البيوت (بيت
الله الحرام)، زوج وزوجة تعاهدا على الطاعة والسير علي الطريق، وأخذا بيد ابنهما
على الطاعة.
القائد المؤمن
أمامنا قائد أمين
أُوكلت إليه قيادة السفينة وكان أمينا عليها، كان حلمه الذرية الصالحة: "رَبِّ
هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ" (الصافات: 100)، وحينما رزق بها أخذها إلى الطريق
الذي تعاهد مع زوجته عليه، ولأنهما اجتهدا في هذا فكان ما سمعنا من حوار هادئ قيم
طيب، القائد الأمين نبي الله إبراهيم يشاور ولده وهو الواثق في إجابته: "يا
بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى"
(الصافات: 102) ، فكان ما أمل وتوقع، وكانت لحظة جني الثمار، "يا أبت افعل ما
تؤمر".
وهنا قد يقال: لماذا
لم يأمره إبراهيم ولده أهناك شورى في مثل هذا؟ ونقول: ما كان لبنى الله إبراهيم
مشاورة ولده في الطاعة ولكنه الواثق في غرسه وتربيته ولده.
الزوجة الراضية
وفي المشهد نرى
زوجة صابرة راضية تسعد بالعيش في كنفه وتتعلق بثيابه عندما يهمُّ أن يتركها في
الصحراء القاحلة، تطيعه بقلبها، رغم أن عينها لا ترى ما يصدق قلبها، فكان رضاها
مضرب المثل: إذا لن يضيِّعنا الله.
ونرى مواقفها التي
تظهر القلب الراضي الصابر الطائع، وأحسب أعظمها وأوضحها ما يروى أن إبليس أتاها قائلاً:
أتدرين أين يذهب إبراهيم بابنك؟ قالت: لا. قال: إنه يذهب به ليذبحه. قالت: كلا، هو
أرأف به من ذلك. فقال: إنه يزعم أن ربه أمره بذلك. قالت: فإن كان ربه قد أمره
بذلك، فقد أحسن أن يطيع ربه.
الابن البار
أما الابن البار فهو
الابن المشارك في هذا اللوحة الماتعة، الأسرة الطيبة الطائعة التي تجاوزت محنتها
لتفوز، جوابه الذي يدرس للأجيال اللاحقة دون تردد أو إحجام، المستعد للتضحية
والفداء بنفسه في سبيل الله: "يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي
إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ" (الصافات: 102).
ليس معنى أنه
يسمع ويطيع أنه قالب صلب لا مكان للإبداع في حياته، بل نحن أمام مبدع فهو أول من
روَّض الخيلَ وهذَّبَها واستعملَها لخدمة الإنسان في شئون الحياة، وكان ذا خبرة
بالرماية وبرميِ النبال والقدرة على الجهاد والانطلاق بأمر الله.
هذه الأسرة
الإبراهيمية باهتمامها ببناء البيت على طاعة ربه فكانت مؤهلة لبناء أعظم بناء
عرفته البشرية الكعبة المشرفة.