قال الأستاذ المشارك
في كلية العلوم السياسية، بجامعة سراييفو، حمزة كارجيك، إن
معاهدة لوزان التي مر
على توقيعها 100 عام، وتحل ذكراها، لا تزال مستمرة بتأثيرها على
تركيا، وتقدم درسا قويا في
التاريخ.
وأشار كارجيك في مقال له على موقع "
ميدل إيست آي" ترجمته "عربي21" إلى أن الدرس المستخلص من
لوزان، هو أنه لا المبادئ ولا الأعراف هي التي يحدد نتيجة المفاوضات الدبلوماسية، بل
الحقائق على الأرض.
ولفت إلى أن الدولة
العثمانية تلقت ضربة فتاكة، بمعاهدة سيفر، بعد الحرب العالمية الأولى، وأجبرت على
الموافقة على احتلال أراضيها، وتقسيمها، لكن مقاومة ذلك الواقع عسكريا، أفضى إلى
معاهدة لوزان.
وفي ما يأتي النص الكامل
للمقال:
يصادف يوم الاثنين
الرابع والعشرين من يوليو (تموز) ذكرى مرور مائة عام على توقيع ممثلين عن حكومة
أنقرة التركية وممثلين عن قوى التحالف، على معاهدة لوزان في سويسرا. بعد مرور مائة
عام عليها، فلا تزال المعاهدة نافذة ومستمرة في التأثير بقوة على تركيا وما يليها.
مع انتهاء الحرب
العالمية الأولى أواخر عام 1918، سعت القوى الأوروبية إلى توجيه ضربة فتاكة أخيرة
"للرجل المريض في مضيق البوسفور" – كما كان يشار إلى الإمبراطورية
العثمانية في أيام وهنها.
قضت اتفاقية الهدنة
التي وقعت في مودروس في جزيرة الليمون في الثلاثين من أكتوبر (تشرين الأول) من عام
1918 باستسلام الدولة العثمانية، ما مهد السبيل أمام الحلفاء لاحتلال الأراضي
العثمانية وتجزئتها.
وكانت تلك هي المرة
الأولى منذ أن فتح السلطان محمد الثاني القسطنطينية في عام 1453 التي تقع فيها
المدينة تحت الاحتلال الأجنبي، حيث زحفت القوات البريطانية والفرنسية والإيطالية
إلى داخل مدينة إسطنبول.
انطلاق المقاومة
بتوقيع اتفاقية الهدنة
في مودروس في الثلاثين من أكتوبر 1918 تحقق الاستسلام العثماني الذي مهد الطريق
لمجيء ما هو أسوأ. كما أنه تمخض عن ذلك انطلاق المقاومة الوطنية التركية ضد احتلال قوى
التحالف، ولم تزل تلك المقاومة مستمرة حتى تأسيس الجمهورية التركية.
قضت خطة قوى التحالف
بتقطيع أوصال ما تبقى من الإمبراطورية العثمانية من خلال معاهدة مذلة. فقد تم
إبرام
معاهدة سيفر سيئة الصيت في العاشر من أغسطس (آب) من عام 1920 التي وقعها
مبعوثون عن الدولة العثمانية وعن قوى التحالف، وهي المعاهدة التي تم بموجبها فرض
إجراءات عقابية استثنائية.
عدا عن تحقيق مصالح
الحلفاء، والتي تضمنت احتلال أي جزء من الإمبراطورية العثمانية، فقد استهدفت معاهدة
سيفر انتزاع السيادة التركية وترك أجزاء واسعة من أراضي الوطن التركي نهباً
للأطماع اليونانية والأرمنية والكردية.
وتتكون المعاهدة
التفصيلية من 433 مادة، وتعتبر بالمجمل وثيقة عار، القصد منها هو تجزئة الأراضي
العثمانية وفرض الهيمنة عليها، بل واستلابها.
بينما وقعت حكومة
إسطنبول على معاهدة سيفر، إلا أن حركة التحرير الوطني التركية بقيادة مصطفى كمال
باشا (الذي أصبح فيما بعد يعرف باسم أتاتورك) رفضتها. وتم في شهر أغسطس (آب) من عام
1920 رفض المعاهدة من قبل المجلس الوطني، الذي تأسس في الثالث والعشرين من إبريل
(نيسان) من عام 1920، والذي اتخذ من أنقرة مقراً له ولعب دوراً حيوياً في حرب
الاستقلال التركية، وبذلك لم يتم التصديق عليها بتاتاً.
أصدرت حكومة إسطنبول
ما بات يعرف بفتوى إسطنبول، التي اعتبرت القوات القومية في الأناضول عناصر متمردة
تهدد الخلافة ويتوجب قتالها. إلا أن العلماء المسلمين والمسؤولين الذين وقفوا إلى
جانب القوات القومية أصدروا فتوى من طرفهم عرفت باسم فتوى أنقرة، موقعة من قبل
مفتي أنقرة رفعت بوركجي، الذي كان من أوائل الداعمين للمقاومة الوطنية، ولجأ في
الفتوى إلى الرد على الفتوى الأولى انطلاقاً من اعتبارات دينية، معلناً أن العاصمة
باتت تحت الاحتلال الأجنبي من قبل "أعداء المسلمين" وأن الخليفة لم يعد
في وضع يؤهله لإصدار الأحكام والقرارات.
توقع مصطفى كمال باشا
ما يلوح في الأفق قبل ذلك بوقت طويل، فاستقل قارباً من إسطنبول وأبحر عبر البحر
الأسود إلى بلدة سامسون في شهر أيار/ مايو 1919 حيث قاد حركة المقاومة الوطنية.
وفي الأناضول، وفر
القيادة والتنظيم والرؤية الاستراتيجية لمختلف فصائل المقاومة التي برزت حينذاك.
إرث دائم
وكانت حرب الاستقلال،
التي استمرت من مايو (أيار) 1919 وحتى أكتوبر (تشرين الأول) 1922، حدثاً هاماً في
تاريخ تركيا. فعلى أثر رفضها لمعاهدة سيفريز، شنت القوات القومية نضالاً من أجل
التحرير واسترجاع ديارها من قبضة القوات المحتلة. كانت النتيجة اتفاق هدنة تم
التوقيع عليه في مودانيا، بمنطقة مرمرة، في أكتوبر (تشرين الأول) 1922، كان هو
الذي مهد الطريق للتوقيع على معاهدة سلام جديدة في العام التالي.
عين مصطفى كمال باشا
عصمت إينونو، قائده العسكري الأعلى وخليفته في المستقبل، رئيساً للوفد التركي إلى
لوزان. بدأ المؤتمر في أواخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1922 واستمر بتقطع
حتى شهر يوليو (تموز) من العام التالي. كانت غاية أنقرة الأولى هي تحقيق الاستقلال
والسيادة لتركيا، بمعنى آخر أنها كانت تسعى لإبطال معاهدة سيفريز.
وأثناء المؤتمر توصلت
تركيا واليونان إلى اتفاق كانت له تداعيات بعيدة المدى.
اشترطت اتفاقية تبادل
السكان في مادتها الأولى ما يأتي: "ابتداءً من الأول من مايو (أيار) من عام
1923، سوف يتم تبادل قسري للمواطنين الأتراك من أتباع الدين اليوناني الأرثوذكسي
داخل الأراضي التركية وللمواطنين اليونانيين من أتباع الدين الإسلامي داخل الأراضي
اليونانية". والاستثناءات بحسب ما ورد في المادة الثانية كانت كالآتي:
"السكان اليونانيون للقسطنطينية" وكذلك "السكان المسلمون في منطقة
غرب تراس". ويقدر عدد من أخلوا بيوتهم وأعيد توطينهم في مساكن جديدة نتيجة
لهذا الاتفاق بحوالي مليوني نسمة.
كانت معاهدة لوزان
بمثابة الذروة من حرب الاستقلال التركية. ونظراً لأن الإمبراطورية العثمانية كانت
الطرف الخاسر في الحرب العالمية الأولى، فقد لجأت قوات التحالف إلى التجزئة والاحتلال.
أما معاهدة سيفر فغدت
رمزاً لم يزل حاضراً في النقاش الشعبي في تركيا حتى بعد مرور أكثر من مائة عام على
إبرامها. وفي الواقع، غدت "متلازمة سيفريز" معتقداً شعبياً في تركيا لوصف
ممارسات القوى الغربية من فرض للمعايير المزدوجة على تركيا والسعي للتدخل في
الشؤون الداخلية للبلد.
لم يتحقق إبطال معاهدة
سيفريز إلا بعد الانتصارات العسكرية التي أحرزتها حركة المقاومة الوطنية التركية في
الفترة من 1919 إلى 1922. وذلك هو الدرس الذي ما زال ماثلاً طوال مائة عام. ولا تقل
لوزان أهمية عن ذلك، كما أشار صحفي البي بي سي أندرو مانغو في كتابه "من
سلطان إلى أتاتورك" حين قال: "من كل المعاهدات التي أبرمت بعد الحرب
الكبرى، لم يبق على قيد الحياة منها سوى لوزان.".
بعد مرور قرن على
إبرامها، تقدم "لوزان" درساً بسيطاً ولكن في منتهى القوة. ليست المبادئ ولا الأعراف
هي التي تحدد نتيجة المفاوضات الدبلوماسية ومحتوى اتفاقيات السلام، وإنما الحقائق
على الأرض. كذلك كان الوضع في عام 1923 وكذلك يبقى حتى يومنا هذا.