نشرت مجلة "+972" الإسرائيلية تقريرا تحدثت فيه عن الخطاب الذي ألقاه وزير القضاء الإسرائيلي، ياريف
ليفين، في الكنيست والذي أعلن خلاله عن خمسة قرارات حكومية تم حظرها لكونها "غير منطقية"، وكانت جميعها تتعلق بالفلسطينيين والاحتلال.
وقالت المجلة، في
تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن حركة الاحتجاج المناهضة للحكومة الإسرائيلية تلقت ضربة قاضية يوم الاثنين، حين نجح ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تمرير أول تشريع رئيسي لتقييد سلطة القضاء.
ويُلغي مشروع القانون هذا ما يُعرف بـ"حجة المعقولية"، وهو مفهوم قانوني غير محدد التعريف سمي بهذا الاسم لأنه مكّن المحكمة العليا من استخدام سلطتها التقديرية لعرقلة قرارات الحكومة والتعيينات التي تعتبرها غير معقولة.
وأوضحت المجلة أن مهندسي القانون، وعلى رأسهم ياريف ليفين، يدّعون أن إلغاء معيار المعقولية هو ضرورة ديمقراطية، وإخراج السلطة من أيدي قلة من القضاة غير المنتخبين وإعادتها إلى أولئك الذين وضعوا ثقتهم في الجمهور.
ومع ذلك؛ فإن خطاب ليفين نفسه قبل التصويت في الجلسة الكاملة للكنيست يوم الاثنين روى قصة مختلفة إلى حد ما؛ قصة تتمحور حول ترسيخ سيطرة "إسرائيل" على
الفلسطينيين والقضاء على المقاومة.
وفي منتصف خطابه الذي يشرح الأسباب الكامنة وراء مشروع القانون، قدم ليفين لزملائه المشرعين خمسة أمثلة استندت فيها المحكمة العليا إلى معيار المعقولية للتدخل في قرارات الحكومة، متسائلًا عن ما "إذا كانت الحكومة تريد حقًا أن يتمتع هؤلاء القضاة بالسلطة لتحديد الأمور المنطقية والصائبة التي ينبغي فعلها، بدلًا من تلك التي عهدها الجمهور"، على حد قوله.
لكن الأمثلة التي قدمها تثير قلق الفلسطينيين أو النشطاء الإسرائيليين المناهضين للاحتلال، ما يكشف بشكل صارخ عن القوة الدافعة الحقيقية وراء أجندة الحكومة.
وعرضت المجلة اثنين من الأمثلة المتعلقة بإلغاء قرارات منع الفلسطينيين من دخول "إسرائيل"، كما حدث أن مُنعت الطالبة الفلسطينية الأمريكية لارا القاسم، من الدخول من قبل وزارة الداخلية في نفس السنة بحجة أنها من مؤيدي حركة المقاطعة.
والمثال الثالث يتعلق بإلغاء قرار جيش الدفاع الإسرائيلي خلال الانتفاضة الثانية بطرد ثلاثة فلسطينيين من الضفة الغربية إلى غزة بعد أن ارتكب قريبهم هجومًا ضد إسرائيليين.
ويتعلق المثالان الآخران لـ ليفين بالإسرائيليين الذين سعت الحكومة إلى معاقبتهم على نشاطهم ضد
الاحتلال؛ إذ كان القرار الأول هو قرار المحكمة العليا بإلغاء محاولة وزارة التربية والتعليم حجب جائزة "إسرائيل" عن الفائز بجائزة 2021، البروفيسور أوديد غولدريتش، على أساس أنه يدعم المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل.
ويتعلّق المثال الأخير بطبيبة الأعصاب الإسرائيلية يائيل أميتاي، التي منعت الحكومة تعيينها في مجلس إدارة مؤسسة مانحة للأبحاث في سنة 2019، لأنها وقعت على عريضة لدعم الجنود الذين رفضوا الخدمة خارج الخط الأخضر، قبل أن يتم إبطالها من قبل المحكمة العليا.
جوهر مفقود
وبحسب المجلة؛ فإنها ليست المرة الأولى التي يكون فيها ليفين صريحًا بشأن دوافعه للإصلاح القضائي، وكما كتب مايكل شيفر عمر مان في مجلة "+972" في وقت سابق من هذه السنة، فإنه كان هوس ليفين السياسي على مدار العقد الماضي هو ضم الأراضي المحتلة، وكان دائمًا واضحًا بشأن الحاجة إلى تقليص سلطة القضاء من أجل تسهيل هذا الهدف.
ونقلت المجلة عن ليفين قوله في مؤتمر لحركة السيادة الإسرائيلية في سنة 2014: "لا يمكننا قبول الوضع الحالي الذي يخضع فيه النظام القضائي لسيطرة أقلية يسارية راديكالية ما بعد الصهيونية تنتخب نفسها خلف أبواب مغلقة، وتملي علينا قيمها الخاصة؛ ليس فقط بشأن الضم ولكن أيضًا في القضايا الأخرى".. مضيفًا أن "التغيير في النظام القانوني ضروري لأنه سيسمح لنا، وسيسهل علينا كثيرًا، اتخاذ خطوات ملموسة على الأرض تعزز عملية دفع السيادة في الضفة الغربية".
وحتى سنة 2023؛ سيقود ليفين المهمة للقيام بذلك بالضبط، وإلغاء معيار المعقولية ليس سوى البداية. فعلى سبيل المثال؛ أفادت التقارير قبل شهرين بأن ليفين رفع إلى مجلس الوزراء أنه يجب أن يكون هناك قضاة في المحكمة العليا "يفهمون" لماذا لا يكون اليهود الإسرائيليون "مستعدين للعيش مع العرب". ومما لا يثير الدهشة، أن أحد مشاريع القوانين التالية في حزمة الإصلاح الشامل ستعطي الحكومة سلطة أكبر في تعيين القضاة.
وأشارت المجلة إلى أنه تم اختيار أمثلة ليفين في قاعة الكنيست مع مراعاة اعتبارات أخرى أيضًا. وبالنسبة لليمين الإسرائيلي المتطرف، فإن تصوير المحكمة العليا على أنها مدافع عن الفلسطينيين هو وسيلة لوضع المحتجين المناهضين للحكومة ومعارضة الكنيست، الذين يسعون لحماية القضاء، في موقف غير مريح.
ولفتت المجلة إلى أنه بعد كل شيء؛ فقد أعلن بيني غانتس، من حزب أزرق أبيض اليمين الوسطي، وصوله إلى الساحة السياسية في سنة 2019 بشريط فيديو يتفاخر فيه بقصف غزة "بالعودة إلى العصر الحجري" خلال فترة توليه منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، كما أن يائير لبيد، رئيس حزب "يش عتيد" الوسطي، قدم دعمه الحماسي للهجوم الأخير للجيش الذي استمر يومين على مخيم جنين للاجئين، والذي أسفر عن مقتل 12 فلسطينيًّا وجرح المئات.
وأضافت المجلة أن المعارضة الإسرائيلية والمحتجين الرئيسيين لعبوا دورًا في مصلحة الحكومة. فلمدة سبعة أشهر، شنت الحركة المناهضة للحكومة حرب عصيان مدني عنيدة ومنسقة بدقة ضد الإصلاح القضائي، ما أدى إلى تصعيد تكتيكاتها في الأيام الأخيرة. ولكن من خلال تهميش أولئك الموجودين داخل الاحتجاجات الذين سعوا للتحذير من نهاية لعبة الإصلاح القضائي، ورفضهم الاعتراف بحملة الضم التي تدعمها.. فقد فقدت الحركة جوهر ما يحاول اليمين المتطرف تحقيقه؛ فلماذا يتحمل التحالف مثل هذا الضغط الهائل من أجل استكمال أجندته؟
واختتمت المجلة التقرير بالقول إنه طالما فشلوا في مواجهة هذا التوجه، فإن معارضي الحكومة في الكنيست وفي الشوارع سيكونون غير مؤهلين لمقاومة بقية الإصلاح القضائي، وبحلول الوقت الذي سينهضون فيه، فستكون هناك فرصة جيدة لكي يحول ليفين حلمه إلى حقيقة.