قالت صحيفة "
نيويورك تايمز"؛ إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي نبذه الغرب وتعرض لتمرد فاشل في بلاده، يحتاج إلى إظهار الحياة الطبيعية وحشد الدعم من حلفائه. لذا؛ فإنه يستضيف الخميس والجمعة القادة الأفارقة في قمة مبهرجة في سانت بطرسبرغ، كجزء من تواصله المستمر مع القارة التي أصبحت شديدة الأهمية لسياسة موسكو الخارجية.
وقالت
الصحيفة في تقرير لها ترجمته "عربي21"؛ إن القمة تأتي كجزء من تواصل
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المستمر، مع القارة التي أصبحت شديدة الأهمية لسياسة موسكو
الخارجية.
وأضافت
أن بوتين، الذي نبذه الغرب وتعرض لتمرد فاشل في بلاده، يحتاج إلى إظهار الحياة
الطبيعية وحشد الدعم من حلفائه.
منذ
غزو
روسيا لأوكرانيا، دعمت بعض الدول الأفريقية بوتين في الأمم المتحدة، ورحبت بمبعوثيه
وسفنه الحربية، وعرضت السيطرة على الأصول المربحة، مثل منجم ذهب في جمهورية
أفريقيا
الوسطى، الذي يقدر المسؤولون الأمريكيون أنه يحتوي على مليار دولار من الاحتياطيات.
ولكن
إذا سعى بوتين إلى الاقتراب من القادة الأفارقة بينما كان يواصل حربه، فإن الصراع المستمر
منذ 17 شهرا يؤدي إلى توتر هذه العلاقات الآن.
تأتي
القمة على خلفية التوترات المتصاعدة في البحر الأسود، بسبب قرار بوتين الأخير بإنهاء
صفقة تسمح لأوكرانيا بشحن
الحبوب إلى الأسواق العالمية. تسبب انسحاب روسيا في ارتفاع
أسعار المواد الغذائية، مما زاد من بؤس أفقر دول العالم، بما في ذلك بعض أولئك الذين
يحضرون القمة الروسية الأفريقية.
بينما
يستعد القادة الأفارقة للقاء بوتين، دمرت الطائرات الحربية الروسية ميناء أوديسا الأوكراني، الذي يعد نقطة توزيع رئيسية لصادرات الحبوب. وفي الأيام الأخيرة، حذر المسؤولون الأمريكيون
والبريطانيون من الإجراءات العدوانية المتزايدة لروسيا في البحر الأسود.
واحتجت
دول أفريقية على إنهاء صفقة الحبوب، ووصفت وزارة الخارجية الكينية القرار بأنه
"طعنة في الظهر"، ما وضع الزعيم الروسي في موقف دفاعي. وفي مقال استعرض القمة،
عرض تعويض النقص الذي تعاني منه الدول الأفريقية بتزويدها بالحبوب الروسية، حتى بالمجان.
في الوقت
نفسه، انتهزت الدول الغربية الفرصة لدق إسفين بين بوتين وضيوفه الأفارقة.
وقالت
باربرا وودوارد سفيرة بريطانيا لدى الأمم المتحدة يوم الثلاثاء: "يبدو أن الرئيس
بوتين مُصر على إحداث أكبر قدر ممكن من المعاناة حول العالم. روسيا تدفع أفريقيا إلى
الفقر".
في حين
أنه من المرجح أن تهيمن سياسات الحبوب على القمة على المستويين العام والخاص، فمن المتوقع
أن يضغط بعض القادة الأفارقة على بوتين بشأن مصير فاغنر، الجماعة شبه العسكرية التي
قامت بتمرد فاشل ضد قيادته العسكرية الشهر الماضي.
بينما
تشتهر فاغنر بالقتال في أوكرانيا، يتم نشر قواتها أيضا في دول أفريقية مثل جمهورية
أفريقيا الوسطى ومالي، حيث تستغل الذهب والماس مقابل دعم الأنظمة الاستبدادية الهشة.
وقالت
كاترينا دوكسي، المحللة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية غير الربحي؛ إن بوتين
في القمة يريد أن يؤكد شخصيا للشركاء الأفارقة المتوترين، أنه مهما حدث لفاغنر، فإن
شراكتهم مع روسيا "لن تنتهي في أي وقت قريب".
تأتي
القمة في الوقت الذي يسعى فيه بوتين لإثبات أن روسيا لا تزال تتمتع بقوة السياسة الخارجية، على الرغم من عزلتها في زمن الحرب. منذ غزو أوكرانيا، كثف الكرملين جهوده الدبلوماسية
عبر البلدان النامية، في محاولة لكسب التأييد من خلال تصوير الصراع في أوكرانيا على
أنه رد فعل ضد الغرب الإمبريالي المتعطش لبسط النفوذ.
المؤتمر
يومي الخميس والجمعة هو الأحدث في سلسلة من الأحداث المبهرجة في عواصم العالم، بما
في ذلك بكين وبروكسل وإسطنبول وواشنطن، التي تستضيفها الحكومات التي تسعى إلى تعزيز
العلاقات مع أفريقيا. من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان القارة في ربع القرن المقبل، ولديها
احتياطيات كبيرة من المعادن اللازمة لصناعات المستقبل، مثل السيارات الكهربائية.
استضافت
إدارة بايدن قمتها الخاصة في كانون الأول/ ديسمبر، حيث رحبت بحوالي 50 من القادة الأفارقة
في واشنطن، وأعلنت عن مليارات الدولارات على شكل مساعدات واستثمارات. ومنذ ذلك الحين،
سافر سيل من كبار المسؤولين الأمريكيين إلى أفريقيا، بما في ذلك نائبة الرئيس كامالا
هاريس. وتقول الإدارة؛ إنها ساعدت في إبرام 75 صفقة تجارية بقيمة 5.7 مليار دولار.
كان
يُنظر إلى جهود واشنطن جزئيا على أنها رد على توسع موسكو الدبلوماسي في أفريقيا. منذ
شباط/ فبراير 2022، على سبيل المثال، زار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عشرات
البلدان الأفريقية، بما في ذلك حلفاء أمنيون للولايات المتحدة مثل كينيا.
في سانت
بطرسبرغ، ستتاح الفرصة لبوتين لإبهار ضيوفه الأفارقة بالجمال الفخم لمسقط رأسه. ستقام
القمة في مركز معارض بالقرب من اثنين من أفخم قصور الإمبراطورية الروسية.
يتم
نقل نجوم كرة القدم الأفارقة المتقاعدين جوا لحضور مباراة احتفالية يشارك فيها نخبة
من اللاعبين الروس السابقين. وستقوم شركة التصدير الدفاعية الحكومية الروسية Rosoboronexport بتشغيل كشك عرض في القمة.
ومع
ذلك، اختار عدد كبير من كبار القادة الأفارقة البقاء بعيدا. حضر 45 رئيس دولة أو حكومة
أفريقية القمة الروسية الأفريقية الأخيرة، في منتجع سوتشي الساحلي الروسي، في عام
2019. هذه المرة، أكد 21 رئيسا حضورهم، حسبما قال مستشار السياسة الخارجية في الكرملين،
يوري أوشاكوف، يوم الثلاثاء، إلى جانب دول أخرى يمثلها الوزراء أو كبار المسؤولين.
ألقى
المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، يوم الأربعاء باللوم في المشاركة المنخفضة جزئيا
على "التدخل الصريح والوقح للولايات المتحدة وفرنسا، وحكومات أخرى من خلال ممثليها
الدبلوماسيين في البلدان الأفريقية".
ومن
بين الحاضرين، رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، وماكي سال رئيس السنغال، والرئيس غزالي
العثماني رئيس جزر القمر، وهو الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي.
وكانوا
ضمن وفد من القادة الأفارقة الذين سافروا إلى أوكرانيا وروسيا في حزيران/ يونيو؛ في
محاولة للتوسط في إنهاء الحرب، لكنهم حققوا القليل من النتائج لجهودهم.
بعد
أن كان لها تأثير كبير في أفريقيا خلال الحرب الباردة، اختفت روسيا إلى حد كبير من
القارة في التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين. لكن بوتين شرع في إعادة تنشيط
تلك العلاقات في السنوات الأخيرة كجزء من جهوده؛ لإعادة تأسيس ما يعدّه مجد روسيا المفقود
على المسرح العالمي.
نظرا
للعقوبات الدولية وتقلص الاقتصاد، لم يستطع الزعيم الروسي إنفاق الكثير: لم ترسل موسكو
أي مساعدات إنسانية تقريبا إلى أفريقيا، وتراجعت تجارتها مع القارة إلى حوالي 18 مليار
دولار لسنوات، على الرغم من وعد بوتين في عام 2019 لزيادة المبلغ إلى 40 مليار دولار.
بالإضافة
إلى ذلك، تقدم روسيا القليل من المساعدة أو لا تقدم أي مساعدة في المجالات التي تهم
معظم البلدان الأفريقية، مثل تغير المناخ وتخفيف عبء الديون والتكنولوجيا.
ومع
ذلك، لا تزال الروابط التعليمية التي تعود إلى الحرب الباردة قوية. ووفقا للكرملين،
يدرس ما لا يقل عن 35 ألف أفريقي في روسيا، أكثر من 6000 منهم على منح حكومية. وأثبتت
القارة أنها سوق قوي للأسلحة والمرتزقة الروس.
من
2018 إلى 2022، حلت روسيا محل الصين كأكبر مورد للأسلحة إلى أفريقيا جنوب الصحراء،
حيث قدمت 26% من جميع واردات الأسلحة إلى المنطقة، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث
السلام. وفي الوقت نفسه، انتشر مرتزقة فاغنر في جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا ومالي
والسودان.
وسع
بوتين تلك العلاقات بعد غزو أوكرانيا، واحتضن الدول الأفريقية بالسرعة التي نبذته بها
الدول الغربية.
بالإضافة
إلى الدبلوماسية النشطة لوزير الخارجية لافروف، فقد سمح قادة جنوب أفريقيا، الذين ما
زالوا ممتنين للدعم السوفياتي في النضال ضد الفصل العنصري، لروسيا بإجراء مناورات عسكرية
مشتركة مع الصين قبالة سواحلها في شباط/ فبراير.
برزت
أفريقيا باعتبارها الكتلة الأكثر تعاطفا مع روسيا في الأمم المتحدة، في تصويت في شباط/
فبراير، دعا روسيا إلى الانسحاب من أوكرانيا، امتنع 22 من أعضاء الاتحاد الأفريقي البالغ
عددهم 54 عن التصويت أو لم يصوتوا. صوتت إريتريا ومالي ضد القرار.
المحكمة
الجنائية الدولية، التي أصدرت مذكرة توقيف بوتين في آذار/ مارس الماضي، عقّدت تقاربه
مع أفريقيا. اضطر بوتين إلى إلغاء رحلة مقررة إلى جنوب أفريقيا لحضور القمة السنوية
الشهر المقبل لكتلة الدول النامية، المعروفة باسم بريكس. أنقذ ذلك المسؤولين في جنوب
أفريقيا من مشكلة شائكة؛ بصفتهم أحد الموقعين على المحكمة الجنائية، سيكونون ملزمين
قانونا باعتقاله.
توترت
العلاقات الأمريكية مع جنوب أفريقيا منذ أيار/ مايو، عندما اتهم السفير الأمريكي حكومة
البلاد بشحن أسلحة إلى موسكو.
في مقاله
الذي يستعرض القمة، صور بوتين نفسه على أنه بطل النضال الأفريقي للتخلص من "الإرث
المرير للاستعمار والاستعمار الجديد". ودعا إلى تمثيل أفريقي أكبر في الهيئات
العالمية؛ مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والبنك الدولي.
أصدر
الرئيس بايدن نداءات مماثلة، وأدانت العديد من الدول الأفريقية العدوان الروسي في أوكرانيا.
تمتلك فاغنر قوات على الأرض في أربع دول فقط في أفريقيا (على الرغم من أن نفوذها، من
خلال حملات الدعاية الموالية لروسيا، يمتد إلى عشرات البلدان).
لكن
بالنسبة للعديد من القادة الأفارقة، قد يكون السؤال الرئيسي، هو ما إذا كان بوتين سيظل
الرجل القوي الذي لا يمكن المساس به كما سوّق نفسه لفترة طويلة، خاصة بعد التمرد الذي
قوض سلطته في الداخل وفي أفريقيا؟