يواصل الكتاب الإسرائيليون مناقشة مسار تطبيع العلاقات المرتقب مع
السعودية، في ظل جهود أمريكية مبذولة لإنجاح الاتفاق.
وبحسب محافل إسرائيلية، فإن قائمة مطالب المملكة من الأمريكيين طويلة ومهمة، رغم أن اتفاق
التطبيع مع المملكة ودول أخرى في العالم الإسلامي سيعطي شرعية أكبر لعلاقاتها مع دولة
الاحتلال، بزعم أن السعودية لديها مصلحة بتحسين العلاقات، لكن كل ذلك يستدعي من دولة الاحتلال التمسك بجملة من المسائل، وعدم التخلي عنها.
اتفاق قبل الخريف ومطالب عديدة
يوئيل غوزانسكي، الباحث بقضايا الخليج في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، ذكر أن "إدارة الرئيس بايدن وضعت لنفسها هدفًا طموحًا إلى حد ما، وهو تحقيق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، والنية على ما يبدو هي التوصل إليه قرب فصل الخريف، قبل الدخول في الحملة الانتخابية لرئاسة الولايات المتحدة".
فيما حدد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ذات الهدف في أول اجتماع لحكومته الحالية، لأن لديه مصلحة واضحة بتعزيز العلاقات مع المملكة، وإبرازها، لكونها الدولة العربية الرائدة اليوم، وبسبب مكانتها "حارسة الأماكن المقدسة للإسلام".
وأضاف في
مقال نشرته القناة 12، وترجمته "عربي21"، أن "التقديرات الاسرائيلية تشير إلى أن اتفاقًا مع السعودية سيمنح دولًا أخرى في العالم الإسلامي، مثل إندونيسيا، شرعية أكبر، وإن لم تكن مطلقة، لإقامة علاقات مع إسرائيل، ما يطرح تساؤلات حول ما الذي ستكسبه السعودية من الاتفاق، وتحديدا من الولايات المتحدة، رغم أن العلاقات المستقبلية بين المملكة وإسرائيل التي ستكون قائمة، ستختلف عن نموذج باقي اتفاقيات التطبيع مع الدول الأخرى، وستتقدم العملية بوتيرة أبطأ، ومعايير مختلفة عن سواها مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين، في ظل الحساسيات المحددة والخصائص الفريدة للمملكة".
وأشار إلى أن "السعوديين يجرون منذ فترة محادثات مع الأمريكيين بشأن مطالبهم من الولايات المتحدة مقابل التحرك تجاه إسرائيل، وتشمل ضمانات أمنية أمريكية، والتوصل لاتفاقية دفاع رسمية بينهما، يريدونها بشدة، كما قدموا للإدارة "قائمة تسوق" للأسلحة الأمريكية المتقدمة، تشمل الطائرة المقاتلة المتقدمة إف35، ومساعدة أمريكية بإنشاء بنية تحتية نووية مدنية تتضمن القدرة على تخصيب اليورانيوم، ولا مانع لتل أبيب من اتفاق دفاعي بين واشنطن والرياض، بل إن لديها مصلحة بأمن المملكة، وزيادة الالتزام الأمريكي ببناء تحالفها في المنطقة".
وأوضح أنه "فيما يتعلق بتوريد الأسلحة الأمريكية المتطورة للسعودية، على إسرائيل التأكد أنه ليس تآكلًا حقيقيًا لميزتها العسكرية النوعية، ولمواجهة أي ضرر عليها أن تطلب ترقية لقدراتها، وهي القضية الأكثر حساسية، فدخول السعودية للنادي النووي ليس هيّناً، وله تداعيات بعيدة المدى على توسع الانتشار النووي في المنطقة، ولو كان مدنياً وبإشراف أمريكي، فقد تطالب دول أخرى بذات القدرة، وحتى من تخلت عن هذه القدرة، مقابل المساعدة في المجال النووي، كالإمارات، كما أن للسعوديين ماضيا إشكاليا في المجالات النووية والصاروخية، ويمكنهم تأميم مصنع التخصيب المشترك كما فعلوا في الماضي مع شركة أرامكو".
وأشار إلى أن "المطالب السياسية السعودية لإنجاز التطبيع تتعلق بتحقيق تقدم ما على صعيد القضية الفلسطينية، لأنها لا تزال مركزية لقدرتها على المضي قدمًا، وكسب الشرعية العربية والإسلامية لخطوتها التطبيعية، وعلى عكس ما تأمله إسرائيل، سيطالب السعوديون بخطوات عملية لصالح الفلسطينيين، لكنها ستواجه صعوبة بذلك بتشكيل الحكومة الحالية".
ألغام تعترض التطبيع
بدورها، استبعدت صحيفة "هآرتس" ما يشاع عن قرب التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات مع السعودية.
وأوضحت "هآرتس" في تقرير أعده أمير تيفون، أن "العناوين في الصحف الإسرائيلية بالغت في الخيال مؤخرا، بعد ما نشر عن الاتصالات لاتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية".
رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وعد بإقامة خط قطار بين "إسرائيل" والسعودية، وهو وعد -بحسب الصحيفة- "استقبل بالضحك على خلفية صعوبات الأداء اليومي لقطار إسرائيل، الذي يجد صعوبة في ربط بئر السبع وحيفا مع تل أبيب في أيام معينة".
وذكرت أنه "في عالم الواقع، وقع حدث نهاية الأسبوع يعطي صورة أكثر واقعية للعلاقات بين إسرائيل والعالم العربي في هذه الأيام، وزير الخارجية إيلي كوهين، بعد جهد كبير، كان من المفترض أن يسافر إلى البحرين، وهي زيارة تمتعت بأولوية كبيرة لدى وزارة الخارجية، وبعد اقتحام الوزير إيتمار بن غفير للمسجد الأقصى، تأجلت زيارة كوهين، وسبق أيضا أن أحبطت زيارة نتنياهو للإمارات بسبب بن غفير، وإلى الآن لم يتم تحديد موعد بديل".
وقالت الصحيفة: "هذه القصة تفسر بشكل جيد؛ لماذا المنشورات الأخيرة في موضوع السعودية أكدت على أن التشكيلة اليمينية المتطرفة لائتلاف نتنياهو هي لغم، في واشنطن يعتقدون أن السعودية ستجد صعوبة في الإعلان عن اختراقة تاريخية أمام إسرائيل، في الوقت الذي فيه الدول المجاورة لها، التي سبق ووقعت على اتفاقات مع اسرائيل في 2020، تجد صعوبة حتى في استضافة نتنياهو ووزير خارجيته".
وأشارت إلى أن "الإدارة الأمريكية سبق أن حذرت نتنياهو من أن البناء الاستيطاني والتصريحات المتطرفة لعدد من وزرائه تضر بإمكانية توسيع دائرة التطبيع، ومثال أولي على ذلك؛ إلغاء لقاء "منتدى النقب"، الذي كان من المفروض أن يعقد في المغرب الشهر الماضي، وتشارك فيه الولايات المتحدة، والمغرب، ومصر، والإمارات، والبحرين وإسرائيل".
ونوهت "هآرتس" بأن "العديد من التصريحات الرسمية السعودية تؤكد طوال الوقت على الحاجة إلى التقدم في الساحة الفلسطينية، وحتى لو تعلق الأمر فقط بضريبة كلامية، للسعودية والإدارة الأمريكية، يوجد سبب آخر للتصميم على القضية الفلسطينية، وهو مرتبط بإجراءات المصادقة على أي اتفاق مستقبلي في الكونغرس الأمريكي".
تخوف من ابن سلمان ونتنياهو
ونبهت الصحيفة بأن "الخوف الأكبر في الإدارة الأمريكية وفي المملكة، يأتي من معارضة حازمة للسيناتورات في الحزب الديمقراطي الأمريكي لاتفاق في إطاره تعطي واشنطن هدية دبلوماسية لشخصين مكروهين بشكل خاص على قاعدة الديمقراطيين، نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان؛ فالأول يعتبر التطبيع مع السعودية حبل نجاة من الأزمة الكبيرة التي خلقتها حكومته في الأشهر الأخيرة داخل إسرائيل؛ والثاني، قدم للإدارة الأمريكية قائمة طلبات غير مسبوقة تشمل اتفاق دفاع مشترك ودعما أمريكيا لبرنامج نووي (مدني) في السعودية".
وتابعت: "لتليين انتقاد الحزب الديمقراطي، تعتقد الإدارة أن أي اتفاق يجب أن يشمل عنصرا فلسطينيا مهما، عنصرا تجد الحكومة اليمينية المتطرفة برئاسة نتنياهو صعوبة في الموافقة عليه، والسيناريو المتخيل للكاتب الكبير توماس فريدمان عن انضمام غانتس ولابيد لحكومة نتنياهو، يبدو أنه رأي شخصي له".
ولفتت "هآرتس"، إلى أن "أي تقدم في هذا الموضوع يحتاج إلى أشهر من العمل؛ طلبات الرياض من واشنطن ضخمة، وبعضها يثير التخوفات في جهاز الأمن الإسرائيلي"، منوهة بأن "القطار السعودي يمكن أن ينطلق في نهاية المطاف، لكن في هذه الأثناء على الأقل الاتصالات ما زالت تنشغل بمرحلة إقامة المحطة".
صورة غامضة
بدوره، أوضح السفير الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة مايكل أورن، في مقاله بصحيفة "إسرائيل اليوم"، أن "النظر في الوضع الحزبي والسياسي في إسرائيل يكشف عن صورة غامضة للغاية".
وقال: "في أمريكا عشية انتخابات 2024، يجد الرئيس جو بايدن نفسه في وضع سياسي داخلي متردٍ، ويحتاج أن يتصدى لآثار محكمة الفساد لابنه، كما أن دعمه لأوكرانيا يبعث على اعتراض متزايد بين الجمهوريين، وفي الشرق الأوسط أدارت السعودية له الظهر، وتوجهت إلى الصين لتتوسط بينها وبين إيران، وعليه، بايدن بحاجة إلى إنجاز سياسي مبهر".
ورأى أن "مثل هذا الإنجاز كفيل بأن يأتي في شكل إقامة علاقات بين السعودية وإسرائيل، وتغيير جوهري في الشرق الأوسط، وبحسب الرئيس، فقد تحقق تقدم ذو مغزى نحو إمكانية أن تخرج هذه المبادرة حقا إلى حيز الفعل بالمدى الزمني المنظور".