لا
تتوقف دولة
الاحتلال عن التأكيد على تحالفها مع عدد من دول شرق البحر المتوسط،
لاسيما
اليونان وقبرص، باعتبارهما مثلثا يحقق مصالحها الاقتصادية
والسياسية في مواجهة عدد من الدول الصاعدة في المنطقة.
وقبل أن يتوجه رئيس
الوزراء بنيامين نتنياهو قريبا إلى
قبرص واليونان، لإنهاء الخلاف على خزان
الغاز
"أفروديت"، فقد خرجت أصوات إسرائيلية تطالبه بعدم التخلي عن أحد الأصول
الاستراتيجية للدولة، في محاولة للتذكر بأن هناك دولا أخرى مثل تركيا ولبنان وغزة.
المحامي
بيني شيفنييه الباحث المشارك بمركز السياسة البحرية، والبروفيسور شاؤول حوريف رئيس
مركز البحوث الاستراتيجية بجامعة حيفا، ذكرا أنه "من المقرر أن يقوم نتنياهو
بزيارة دبلوماسية إلى قبرص قريبًا، ومن القضايا التي سيتم الاتفاق عليها تسوية
النزاع حول خزان الغاز "أفروديت"، بعد أن بدأت شركة "نيو ميد إينرجي"
إجراء عمليات حفر تقييمية في
الخزان بعد سنوات من الركود، ويقدر حجمه بـ130 مليار
متر مكعب من الغاز (BCM)،
لكن 10٪ منه في المياه الاقتصادية لإسرائيل في خزان يسمى "ياشي".
وأضافا
في
مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21"، أن "الخلاف الإسرائيلي القبرصي يتركز حول مسألة من وكيف سيفتح الخزان
المذكور، مع أن الشركة القبرصية ستستخرج الغاز من خزان "يشي"، وتدفع
لصاحب الامتياز الإسرائيلي مقابل ذلك".
وفي الوقت ذاته، أعلنت "نيو ميد"
أنها تعتزم نقل الغاز الذي ستسحب من الخزان عبر خط أنابيب، وسيتم مدّه من الحقل
إلى مصر.
ويبدو أن هذا إنجاز مهم لجميع الأطراف: فالقبارصة سيكونون قادرين على
استخراج الغاز، والحصول على تعويض مالي منه، فيما ستحصل "إسرائيل" على توزيع نقدي
لحصتها، أما مصر فستحصل على حصتها في معالجة الغاز".
وأشارا إلى أن "الصورة أكثر تعقيدًا؛ لأنها ليست مجرد مورد اقتصادي، فطالما أصبحت
احتياطيات الغاز موردا استراتيجيا، وتستخدمه الدول أداة في سياستها الخارجية، فقطر
تصدر الغاز المسال لأوروبا، وروسيا تستخدمه لمعاقبة الدول التي تساعد أوكرانيا، ولذلك
فإن تنازل إسرائيل الطوعي عن السيطرة على احتياطيات الغاز لصالح قبرص ليس هيّناً،
حتى لو كانت حليفة، واحتياطيات الغاز في المياه الاقتصادية لدولة الاحتلال تعتبر أصولا
استراتيجية، ويجب استخدامها بطريقة مفيدة، حتى عندما يتم منحها امتيازًا لشركات
الطاقة الخاصة، فهي في الواقع الذراع الطويلة للدولة، وهي تحدد استراتيجية
استخدامها".
وأشارا إلى أنه "في الحالة اللبنانية، فقد كان الشرط الإسرائيلي لإنجاز اتفاق حول تطوير
خزان صيدا (قانا) هو إقامة حدود بحرية متفق عليها ونهائية بينهما، وفي هذه الحالة،
استفادت حكومة لابيد-بينيت من مواردها من الطاقة، وحققت إنجازًا سياسيًا هامًا
تجاه المجتمع الدولي، وفي حالة "أفروديت" القبرصي، يبدو أن إسرائيل قد
تتخلى عن سيادتها طواعية على جزء من الخزان، دون تعويض سياسي كبير، إضافة لمكاسب
مالية أساسية وفورية، ولذلك على إسرائيل أن تستغل الفرصة، وتنهي النزاع مع قبرص".
وأكدا
أن "إسرائيل مدعوة للاستفادة من ثلاثة اعتبارات مع قبرص: أولها أن تركيا قد تتحدى
الاتفاقية الناشئة على المستوى الاستراتيجي، لأنها تسيطر على الجزء الشمالي من
قبرص، وترى أن "أفروديت" تنتمي إليها، ومن دون تسوية القضية، قد تستخدم
تركيا في مواقف معينة القوة العسكرية ضد النشاط القبرصي، وستجد إسرائيل نفسها
متورطة في ذلك، لأن الحقل ينزلق لأراضيها، ما يستدعي تسوية الخلاف مع تركيا،
وإنشاء جبهة موحدة ضد التهديدات من جانبها".
وأشارا إلى أن "الاعتبار الثاني يتعلق بأن على إسرائيل أن تستغل الفرصة لإضافة لبنان لمنتدى
غاز الشرق الأوسط، وبالتالي ربطه بالاتفاقيات الإقليمية، لأن المنتدى المنشأ في
2019، ويهدف لتعزيز التعاون الإقليمي في مجال تطوير الغاز الطبيعي، ويضم إسرائيل
ومصر وقبرص واليونان وإيطاليا وفرنسا والأردن والسلطة الفلسطينية، بجانب الولايات
المتحدة والاتحاد الأوروبي كمراقبين، وسيكون المنتدى ركيزة أخرى لاتفاقها مع
إسرائيل، ولن يوفر لها فقط الإغاثة الاقتصادية، بل سيكون أيضًا عاملاً مقيدًا لحزب
الله وإيران، عندما يسعيان لتصعيد الصراع مع إسرائيل في البحر، ما سيؤدي لانتهاك
الاتفاقية الإقليمية مع الدول الأخرى في المنتدى".
وأكدا
أن "الاعتبار الثالث يرتبط بأن على إسرائيل أن تطالب بأن تتضمن الاتفاقية
تفاهمات مع قبرص ومصر بشأن تطوير خزان "غزة البحري" الواقع غرب ساحل غزة،
وقد أعلنت إسرائيل، التي ينصب اهتمامها الأساسي على خلق أفق اقتصادي - سياسي لقطاع
غزة، مؤخرًا عن قرارها بتعزيز تنميته الاقتصادية، من خلال خلق تفاهمات تشكل حافزًا
مهمًا آخر للسلطة الفلسطينية وحماس للتوصل لتسوية طويلة الأمد، وإحلال هدوء نسبي
في المنطقة، واستخدام الاتفاق مع قبرص لاتفاقيات مبدئية، حتى لا يتم تأجيل الأمر
كالعادة لموعد آخر".
تشير
هذه المعطيات إلى قلق إسرائيلي من التنازل عن ما يمكن اعتباره موارد استراتيجية
لدولة الاحتلال للقوى الأخرى في المنطقة، الحليفة مثل قبرص واليونان، أو المعادية
مثل حزب الله وحماس، ما يجعل من النظرة الإسرائيلية إلى حقل "أفروديت" القبرصي
بأنه قضية اقتصادية بحتة بين شركات الطاقة هي تعامي عن الفضاء البحري لدولة
الاحتلال، ومساهمتها في أمنها ومرونتها، ما قد يستدعي استخدام التقدم في
المفاوضات مع قبرص لتعزيز المصالح الاستراتيجية الإقليمية المهمة.