أفادت إحصائية رسمية
صادرة عن الأمم المتحدة بأن
المستوطنين الإسرائيليين نفذوا 600 اعتداء ضد
الفلسطينيين
في الأراضي المحتلة عام 1967 خلال الأشهر الستة الماضية، بينما قالت إحصائية أخرى صادرة
عن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التابعة للسلطة، إن
الاعتداءات لامست في الحقيقة حدود ألف اعتداء خلال الفترة الزمنية المذكورة ذاتها.
لا شك أننا أمام منحى
تصاعدي لاعتداءات المستوطنين، التي تتم بحماية جيش الاحتلال، الأمر الذي أثار ردود فعل
دولية واسعة وصلت واشنطن وعواصم غربية أخرى، كما نيويورك حيث مقر الأمم المتحدة وبروكسل
عاصمة الاتحاد الأوروبي، بينما اهتمت وسائل الإعلام العبرية بالحدث من زوايا متعددة،
خاصة بعد الاعتداء الذي استهدف قرية برقة الأسبوع الماضي وأدّى إلى استشهاد الشاب قصي
معطان، حيث كتب المعلق المخضرم بصحيفة يديعوت أحرونوت، ناحوم برنياع، صباح الثلاثاء
عن حماية وتغطية رسمية من قبل الوزراء والنواب للمستوطنين، وضعف الجيش وقيادته أمامهم،
وهو ما تأكد مساء اليوم نفسه مع قرار المحكمة بالإفراج عن المستوطن المتهم بقتل الشهيد
عطان.
هذه القصة تكفي وحدها
لشرح المشهد، كون المستوطن المذكور عضوا في حزب القوة اليهودية" عوتسما يهوديت"
بقيادة المجرم المدان بالإرهاب والعنصرية، وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير، كما
عمل لفترة ناطقاً رسمياً باسم ليمور سون هار ميلخ، أحد نواب الحزب في الكنيست. وعليه
لم يكن مفاجئاً أن يعمل بن عفير على تحويل الملف إلى الشرطة الخاضعة لسيطرته، لتقصير
وتسهيل الإجراءات والإفراج عنه ضمن أقل مدة زمنية ممكنة.
يمكن الحديث عن منحى تصاعدي لاعتداءات المستوطنين ضد المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية خلال الشهور والسنوات الأخيرة، حيث يعبر الأمر بالعموم عن الانزياح إلى اليمين والتطرف في المجتمع الإسرائيلي، وهيمنة المستوطنين على الساحة السياسية خلال العقد الماضي، وصولا إلى الانتخابات البرلمانية الأخيرةـ التي يحاول الآن اليمين الأكثر تطرّفاً استغلالها؛ لفرض قبضته التامة على كافة السلطات
تاريخياً، بنظرة إلى
الوراء يمكن الحديث عن منحى تصاعدي لاعتداءات المستوطنين ضد المدنيين الفلسطينيين في
الضفة الغربية خلال الشهور والسنوات الأخيرة، حيث يعبر الأمر بالعموم عن الانزياح إلى
اليمين والتطرف في المجتمع الإسرائيلي، وهيمنة المستوطنين على الساحة السياسية خلال
العقد الماضي وصولا إلى الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي يحاول الآن اليمين الأكثر
تطرّفاً استغلالها؛ لفرض قبضته التامة على كافة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية
في إسرائيل.
تاريخياً أيضاً، كانت
الكيبوتسات بمثابة المستوطنات الأولى في الأراضي المحتلة عام 1948 -المزارع التعاونية-
وهي التي أسست الدولة العبرية، وقادتها لثلاثة عقود تقريباً، وانتمت بغالبيتها العظمى
إلى حزب ماباي -العمل فيما بعد، وهو يسار وسط بالمعنى الإسرائيلي- قبل أن تعيش الدولة
العبرية مرحلة انتقالية لثلاثة عقود ويقع التبدل والتحوّل الكبير، وتأخذ المستوطنات
مكان الكيبوتسات، وتفرض سيطرتها على الساحة السياسية، خاصة في العقد الأخير، عبر التحالف
الذي يصفه أعضاؤه بالطبيعي والراسخ بين الليكود والأحزاب المتدينة، وتلك التابعة للصهيونية
الدينية.
من هنا، يمكن القول
إن المستوطنين باتوا الذراع أو العمود الفقري لإسرائيل الجديدة أو الثانية، الأكثر
يمينية وتديّناً وتطرّفاً وإجراماً واستبداداً، بالطبع بعيداً عن مساحيق التجميل التقليدية
عن أكذوبة واحة الديمقراطية في الحوض العربي الإسلامي، والفيلا في الغابة حسب تعبير
رئيس الوزراء السابق الجنرال إيهود باراك.
قال برنياع في مقاله
إن المستوطنين يتمتعون بحماية من المستوى السياسي عبر وزراء ونواب كثر خاصة بعد نجاحهم
في إيصال ممثليهم إلى قمة هرم السلطة، مع تولّي زعيم حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل
سموتريتش منصب وزير بوزارة الدفاع، وتحكمه بملف الاستيطان، وتولّي حليفيه إيتمار بن
غفير وزارة الأمن القومي وفرض قبضته على الشرطة المعنية أيضاً بملف المستوطنين. منذ
تسلم الحكومة الجديدة مهام عملها بداية العام الجاري جرى إطلاق يد المستوطنين عبر بناء
آلاف الوحدات السكنية وشرعنة بؤر عشوائية -11 ألفا- ضمن تطبيق خطة سموتريتش الهادفة
إلى السيطرة على كامل الضفة الغربية والتي يريد فرضها بالقوة الجبرية والقهرية على
الشعب الفلسطيني، وتخييره بين الاستسلام أو التهجير أو القتل والاعتقال.
برنياع أشار كذلك
إلى ما أسماه ضعف الجيش أمام المستوطنين وتحاشي قيادته الاصطدام معهم في ظل الحماية
السياسية الرفيعة لهم، هذا مع عدم تجاهل حقيقة أن الجيش هو حامي المشروع الاستيطاني
بما في ذلك البؤر العشوائية نفسها وغير الشرعية حتى وفق قانون الإسرائيلي نفسه.
في السياق، قال الناطق
باسم جيش الاحتلال دانييال هغاري الاثنين الماضي إن اعتداءات المستوطنين ضد الفلسطينيين
إرهابية ولا يمكن تسميتها بغير ذلك، ونفس الشيء كان قد قاله قادة الأجهزة الأمنية في
رسالتهم إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مع تحذير من تداعيات الاعتداءات على صورة
الدولة العبرية في الخارج، كما من رد الفعل الشعبي الفلسطيني عليها مع وصمها بالإرهاب
أيضاً، علماً أن هذا غير صحيح كون الفلسطينيين يملكون الحق بالمقاومة المشروعة حسب
المواثيق والشرائع الدولية في مواجهة إرهاب المستوطنين والدولة ككل؛ بما أنهم محميون
من أعلى الهرم السياسي في السلطة وتحديداً في وزارتي الدفاع والأمن الداخلي.
إلى ذلك، يعبّر انفلات
المستوطنين عن تراجع مكانة الدولة العبرية وفقدان أسباب قوتها ولو بشكل تدريجي، كما
رؤية العالم إليها مع تحذير السفير الأمريكي في تل أبيب توم نيدس المستمر من تداعياتها،
كما النقاشات
في واشنطن التي امتدت لتشمل العلاقة نفسها مع الدولة العبرية والمساعدات
الأمريكية السنوية الهائلة المقدمة لها.
فيما يخص التصدي الفلسطيني لاعتداءات وجرائم المستوطنين، فلا بد من فعل ذلك بحزمة أدوات وأساليب سياسية وإعلامية وقانونية وميدانية عبر التأكيد الدائم على أن المستوطنين يعبّرون عن القيادة الرسمية ومحميون منها، مع جهد إعلامي مواز لتكريس حقيقة أننا أمام إرهاب دولة موصوف لا يمكن طمسه أو إخفاؤه
وكما يقال في الإعلام
الغربي وحتى العبري، فقد زاد الموضوع عن الحد ولا يمكن تجاهله بعد ذلك لتداعياته السلبية
والهائلة على الصورة التي تم ترويجها لعقود عن إسرائيل كقاعدة متقدمة للغرب المتنور،
والتي تنسفها مشاهد عصابات المستوطنين المعربدين والهمجيين المحميين من الحكومة والجيش
والشرطة والسلطات الرسمية بشكل عام.
وفيما يخص التصدي
الفلسطيني لاعتداءات وجرائم المستوطنين، فلا بد من فعل ذلك بحزمة أدوات وأساليب سياسية
وإعلامية وقانونية وميدانية عبر التأكيد الدائم على أن المستوطنين يعبّرون عن القيادة
الرسمية ومحميون منها، مع جهد إعلامي مواز لتكريس حقيقة أننا أمام إرهاب دولة موصوف
لا يمكن طمسه أو إخفاؤه.
وعلى المستوى القانوني
لا بد من المطالبة بالمحاسبة وإحالة جرائم المستوطنين إلى المحكمة الجنائية الدولية،
بما في ذلك الاعتداءات الجماعية الأخيرة مع تخلي سلطات الاحتلال عن واجباتها حسب معاهدة
جنيف الرابعة، كما العمل المثابر على إخراج حزبي بن غفير وسموتريتش عن القانون وإدراجهما
ضمن اللائحة الدولية للتنظيمات الإرهابية.
في النهاية، وقبل ذلك
وبعده، لا بد من التصدي للمستوطنين ميدانياً وجماعياً، بتعميم نموذج المقاومة الشعبية
كما نراه في مدن وبلدات وأحياء برقة وبيتا وكفر قدوم وبلعين ونعلين وبيت دجن والشيخ
جراح وسلوان والقدس، والضفة الغربية بشكل عام، مع القناعة التامة الراسخة والعنيدة أن
حق المقاومة مكفول للفلسطينيين فردياً وجماعياً، لكن تبقى المقاومة الشعبية الجامعة
أكثر جدوى وفاعلية بالتأكيد.