تحل الاثنين 14 آب/
أغسطس الجاري، الذكرى العاشرة لمجزرة فض اعتصام أنصار الرئيس
المصري الراحل محمد
مرسي، التي ارتكبها رئيس النظام الحالي عبدالفتاح
السيسي في ميداني "رابعة
العدوية"، والنهضة" عام 2013.
المذبحة التي وصفتها
منظمة "هيومن رايتس ووتش" بأنها "إحدى أكبر وقائع القتل الجماعي
لمتظاهرين سلميين في يوم واحد في تاريخ العالم الحديث"، جاءت إثر انقلاب
السيسي، ضد أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا في 3 تموز/ يوليو 2013، واعتصام أنصاره رفضا للانقلاب.
وبحسب وصف "هيومن رايتس
ووتش"، فقد قام "أفراد الشرطة والجيش، باستخدام ناقلات الأفراد المدرعة،
والجرافات، وقوات برية وقناصة، بالاعتداء على مخيم الاعتصام حيث كان متظاهرون،
وبينهم سيدات وأطفال، قد خيموا لما يزيد على الـ45 يوما، وفتحوا النيران على المتظاهرين".
وقالت إن ما حصل
"لم يكن مجرد حالة من حالات القوة المفرطة أو ضعف التدريب، بل كانت حملة
قمعية عنيفة مدبرة من جانب أعلى مستويات الحكومة المصرية".
تقارير سلطات الانقلاب
الرسمية قالت إن عدد قتلى عملية
فض رابعة والنهضة بلغ نحو 650 قتيلا، ونحو 4400
مصاب، بينما رفعت "هيومن رايتس ووتش" العدد لأكثر من ألف، فيما أكدت
جماعة الإخوان المسلمين أن العدد تجاوز الثلاثة آلاف قتيل وآلاف الجرحى والمصابين.
"عربي21"، تحدثت إلى إحدى نساء
المعتصمين في رابعة، وإلى اثنين من السياسيين والإعلاميين الذين عاشوا وقائع مجزرة
الفض بتفاصيلها القاسية وأحداثها المؤلمة والباقية في ذاكرتهم حتى بعد مرور 10
سنوات.
"البحث عن زوجي"
"أم عبدالله"، تقول في شهادتها
لـ"عربي21": "كنت أبقى في الميدان يوما كاملا ثم أعود إلى بيتي أنا
وابنتان لي في المرحلة الإعدادية وابن كان في الثانوية العامة حينها ومعتقل منذ
العام 2014- لكن زوجي –معتقل منذ 2013- لم يغادر الميدان منذ بداية اعتصام رابعة
العدوية وحتى يوم الفض".
وأضافت: "في هذا اليوم كان مقررا أن أعود لبيتي
وأولادي، وفهمنا مع خروجنا من الميدان أن الأمن يهجم على المعتصمين وأن الفض بدأ،
بعدما سمعنا طلقات الرصاص المرعبة، ومع ذلك قررت العودة بأبنائي إلى القرية،
والبقاء مع زوجي في الاعتصام".
وأشارت إلى أن خيمتهم كانت في مقدمة
الاعتصام، من ناحية النصب التذكاري، وهو أكثر الأماكن الذي تعامل فيه الأمن بوحشية
مع المعتصمين، وقتل فيه الكثيرون، مشيرة إلى أنها حاولت الوصول إلى زوجها، وسط
إطلاق النار الكثيف، والقنابل والفوضى، ومحاولات المعتصمين الدفاع عن أنفسهم
بالحجارة ورد قنابل الدخان.
وأضافت: "خوفي
زاد على زوجي، بسبب ضراوة الاشتباكات، وسقوط قتلى وجرحى، ولم أكمل البحث عنه،
بعدما طمأنني شباب من قريتي أنه على قيد الحياة، رغم شعوري أنهم لم يخبروني
بالحقيقة، لكن بعدما علمت بمقتل شاب من قريتي بالرصاص، جلست على الأرض مذهولة وفي
حالة صدمة مما يجري".
وقالت إن بعض
المعتصمين، طلبوا مني العودة إلى الوراء، والابتعاد عن الرصاص المتجه إلينا،
والذهاب نحو النساء، وعدت حزينة على الرجل الذي قتل من قريتنا، والذي رزق حينها
بمولودة، لم تكمل عامها الثاني، بعد أن حرم من الإنجاب سنوات طويلة.
ولفتت "أم عبد الله" إلى أنها علمت
من أحد المعتصمين، أن زوجها مصاب برصاصة، ونقل للمستشفى الميداني، وبعد معاينة
الإصابة تبين أنها سطحية في ذراعة.
وأشارت إلى أن المستشفى الميداني، ازدحم
بالجرحى وجثث القتلى، وقام بعض المعتصمين بحمل زوجي وتمكنا من الخروج من الميدان،
باتجاه القرية، لكن صوت الرصاص لم يفارق أذني بعد كل هذه السنوات.
وقالت إن الأمن لم يترك زوجها رغم إصابته،
وقام باعتقاله، واعتقال ابنها منذ ذلك اليوم وحتى الآن.
"فض بشع"
أحد شهود يوم مجزرة
الفض النائب البرلماني السابق طارق مرسي، قال في شهادته لـ"عربي21":
"كنت بالميدان منذ بداية الاعتصام حتى يوم الفض، ووصلتنا بعض الأخبار قبل
الفض بيوم أو ليلة الفض تقول إنه سيحدث هجوم من قوات الأمن على رابعة، لكن الخبر
لم يكن مؤكدا وقلنا إنه يمكن أن يكون مسربا عن طريق الشؤون المعنوية للقوات المسلحة".
وأوضح أنه مع ذلك
"قام المعتصمون ببعض التجهيزات داخل الميدان حيث وضعت كل خيمة برميل مياه
أمامها على أساس ما ظنناه أن يتم الفض بالقنابل المسيلة للدموع وعلى أساس أي قنبلة
تضرب يتم وضعها في المياه حتى لا يختنق المعتصمون، ولم يكن يتوقع أحد أن يكون الفض
بهذه الطريقة البشعة".
وأضاف مرسي: "لكن
كانت المفاجأة في الساعة السابعة إلا ربعا صباحا، حيث وجدنا قوات الأمن من الجيش
والشرطة تحاصر ميدان رابعة من جميع الاتجاهات، وللأسف وبدون أية مقدمات وبجميع
أنواع الأسلحة من قنابل مسيلة للدموع وبالرصاص الحي بدأوا بضرب المعتصمين من جميع
الاتجاهات".
وتابع: "للأسف
إلقاء بعض الحجارة هو ما كان المعتصمون قادرين على فعله، ولكنهم لم يستطيعوا
الصمود كثيرا بسبب قوة ضرب النار من جميع الاتجاهات، بل وفوجئنا بعد ذلك بوجود
طائرات، وبدأ الضرب من الجو، بجانب القناصين الموجودين على بعض أسطح المباني".
ويؤكد أنه "تم الضغط على المعتصمين حتى وصل أغلبهم إلى منطقة المنصة الإعلامية للاعتصام، والمستشفى
والمسجد الذي يحمل اسم رابعة، وفي هذا الوقت سقط شهداء كثيرون ومصابون بأعداد
كبيرة جدا، وعدد الأطباء لم يكن كافيا لمحاولة إنقاذ كل المصابين".
ولفت إلى أن أولوية العلاج كانت بحسب نوع الإصابة، وكان الأطباء يتعاملون مع
من أصيب بطلق ناري في قدمه بربط الجرح ووقف النزيف مرحليا، حتى يباشروا الحالات
الأخرى الأخطر المصابة بطلقات في البطن وغيرها.
ويواصل سرد شهادته:
"بقيت في هذا المنطقة القريبة من المنصة حتى الساعة الـ10 ونصف صباحا، وكان ابني
معي وهو في عمر الـ15، ولكن للأسف غاب عني من قوة الضرب وكثرة القنابل وأصبح في مكان
وأنا في آخر، لكن ظللت أتابع معه بالهاتف، حتى وجدته وثلاثة من الشباب يحملون مصابا هو
جارنا حتى أدخلوه المستشفى الميداني".
وأضاف مرسي:
"صعدت حتى الدور الرابع من المستشفى الميداني، وما رأيته من مصابين وشهداء
شيء صعب جدا، حتى رأيت الشهيدة أسماء البلتاجي نجلة القيادي في جماعة الإخوان محمد
البلتاجي، يحملونها وهي مضروبة بالنار، ولما دخلت المستشفى لم يطل الأمر وتوفيت أمامنا".
وتابع: "بعد ذلك
جاءني هاتف من أسرتي يقول، إن ابن عمي الدكتور خالد كمال وهو من الإخوان المسلمين،
ومقيم في حدائق حلوان بالقاهرة، استشهد في رابعة، وهنا بدأت النزول والسؤال عنه
بجميع الطوابق، فوجدت بعض الشهداء الذين تمت كتابة أسمائهم والبعض الآخر لم يتم بعد".
وقال مرسي: "ظللت أبحث في كل طابق في جثامين الشهيد عن
ابن عمي، حتى نزلت إلى البدروم، ووجدت فيه عددا كبيرا من الشهداء والمسنين والشباب
والأطفال والنساء والبنات، وفي كل الطوابق لم أجد ابن عمي، وابني بالطابق الرابع
مع جارنا المصاب"، وفق مرسي.
وأشار إلى أنه فوجئ
بأن الجيش والشرطة بدأوا الهجوم على المستشفى، وضرب مداخله من الخارج فلا أحد
يمكنه النزول أو الصعود، حيث جرى ضرب المكان بالقنابل المسيلة للدموع، وكل
الموجودين أسفل المستشفى شعروا بالاختناق من كثرة ضرب القنابل، وشعرت باختناق شديد
وبعض من حاول الصعود للأدوار العليا من الاختناق تم ضربهم أمام عيني".
وقال: "أيقنت
بأنني سأموت لا محاولة إن بقيت في المكان، لذلك جازفت بمحاولة الصعود حتى الطابق
الرابع، وبقيت في المكان الذي تكدست الجثث فيه بصورة غير معقولة، فضلا عن الجرحى،
حتى السادسة مساء، وعندها هددنا الأمن، بأنه في حال عدم الخروج من المكان خلال 10
دقائق فسيتم حرق المبنى بمن فيه".
وكشف عن أن إحدى الغرف
الصغيرة، حولها الأطباء إلى غرفة عمليات عاجلة، وكان هناك عدد من المصابين، إصابات
بالغة في بطونهم، وتحت العمليات، وبعضهم أمعاؤه في الخارج، لكن بعد تهديد الأمن،
اضطر الجميع للخروج، بمن فيهم الأطباء مرغمين، وتركوا المصابين بتلك الحالة
المأسوية".
وروى أنه لحظة نزوله من المستشفى، وهم يحمل
جاره مع آخرين، كان الكثير من المصابين ينظرون إليهم ويطلبون العون لإخراجهم، لكن
قلة العدد لم تسمح بإخراج كل من كان هناك.
ولفت إلى الأمن لم يكن يعرف أنه نائب بمجلس
الشورى، وتمكن من الخروج أمامهم، وهو يحمل جاره المصاب، وقال: "الأسلحة كانت
مصوبة علينا طوال خروجنا، حتى اجتزنا الميدان الذي دمر بالكامل، إلى مكان آخر
ووضعنا المصاب على الرصيف، حتى وصول سيارة إسعاف".
وقال إن
"البلطجية، استوقفونا مرارا خلال طريقنا إلى المستشفى، وهناك تركنا
المصاب وحده، بعد نصيحة البعض بأن نغادر سريعا، وإلا فإنه سيتم اعتقالنا، ولم أتمكن من الوصول إلى بيتي سوى في الساعة الرابعة فجر اليوم التالي، بسبب إغلاق
البلطجية للشوارع".
من جانبه يسرد الكاتب والصحفي قطب العربي،
شهادته حول المجزرة، وقال إنهم في الأيام الأخيرة للاعتصام، كانوا يوقنون أن "الفض
قادم لا محالة، وقام الأمن بحصد أرواح معتصمين سلميين عبر أفخاخ للقتل أطلق عليها
الممرات الآمنة".
وأضاف: "مع بدء
الفض توجهنا في حركة صحفيون ضد الانقلاب لمقر نقابة الصحفيين، ووقفنا نهتف على
سلالمها ضد عملية الفض، واتجهنا إلى مقر الاعتصام في دروب وطرق صعبة ما تسبب في
تفرقنا، وكانت عمليات الكر والفر في كل مكان، وملاحقات الشرطة والجيش أيضا".
وتابع: "دخلنا
الميدان من ناحية نادي السكة الحديد، وعلمنا باستشهاد الصحفيين أحمد عبدالجواد
الصحفي بجريدة الأخبار، وبعده حبيبة عبد العزيز، ومصعب الشامي، والمصور بشبكة سكاي
نيوز العالمية مايك دين".
وأوضح العربي أنه "بينما كنا نحاول الوصول لقلب الميدان للمساهمة في جهود الإنقاذ، فقد تمت محاصرتنا
بأرتال من سيارات ومدرعات الشرطة والجيش، في تلك اللحظة لذت مع آخرين بالمسجد
الموجود في المكان والذي كان قد تحول إلى مستشفى ميداني اكتظ بالمصابين".
ولفت إلى أنه
"خلال عملية الملاحقة الأمنية والاشتباك بالايدي بين رجال الأمن والمتظاهرين
أصيب جنديان، وحملهما المتظاهرون للمستشفى الميداني للعلاج، ولكن القوة العسكرية
التابعين لها ظنت أنهما تم اختطافهما، ففتحت نيرانها مباشرة باتجاه المعتصمين داخل
المسجد وكنت من بينهم".
وقال: "أغلقنا
الأبواب والنوافذ وتترس المعتصمون خلفها، لكن الرصاص لم يتوقف قادما من بعض
النوافذ، طلب منا المسؤولون عن المستشفى الميداني الانبطاح أرضا باعتبارنا مصابين
لعل ذلك يخفف النيران ضدنا، مرت رصاصة من فوق ظهري بسنيتمرات قليلة، واستقرت في
جسد طبيب بجواري كان يعالج أحد المصابين فأردته شهيدا" وفق وصفه.
وأضاف: "لو أنني
رفعت ظهري قليلا في تلك اللحظة، فربما كانت الرصاصة من نصيبي، وهذا المشهد لم أستطع محوه من ذاكرتي طيلة السنوات العشر الماضية، وإلى جانبه مشاهد مرعبة أخرى كنت
شاهدا عليها".