أعلن وزير
الصحة والسكان
المصري أن المؤتمر العالمي للصحة والسكان
والتنمية، سيعقد حسب المبادرة الرئاسية في شهر أيلول/ سبتمبر 2023 في العاصمة
الإدارية الجديدة شرق القاهرة، وذلك بمشاركة صانعي القرار في قضايا السكان والصحة
والتنمية على المستوى العالمي والإقليمي والوطني، والسادة وزراء الصحة والسكان من
مختلف دول العالم، وسفراء الدول، والهيئات الدولية الشريكة، والمنظمات التابعة
للأمم المتحدة والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والكيانات المصرفية، ورواد
الأعمال، وأن المؤتمر يأتي كتجديد لالتزامات مصر الدولية تجاه القضايا
السكانية، وذلك في إطار حرص القيادة السياسية على تذليل أي معوقات تواجه تحقيق
العدالة بين الرجل والمرأة في الحصول على الحقوق، وممارسة الحريات التي يكفلها
الدستور المصري للمواطنين كافة على حد سواء.
وأشار وزير الصحة إلى إقامة معرض لتنظيم الأسرة، يستقبل
العديد من الشركاء والجهات المعنية لعرض أحدث التقنيات في مجالات السكان والصحة
والتنمية، وذلك على هامش المؤتمر.
مؤتمرات الأمم المتحدة للسكان والتنمية تهدف إلى الدعم المالي للدول
الفقيرة في مجال تنظيم الأسرة وتمكين المرأة:
وكانت منظمة الأمم المتحدة قد أعلنت عن أهمية المؤتمر
الدولي للسكان والتنمية التاريخي بالقاهرة في عام 1994، بحضور ممثلي 179 حكومة، الذي
اعترف بالصحة الإنجابية وتمكين المرأة والمساواة بين الجنسين كركائز للتنمية
المستدامة. وأشادت المنظمة بانعقاد قمة
نيروبي عام 2019، التي جمعت بين الحكومات ووكالات الأمم المتحدة ومنظمات القطاع
الخاص والمجموعات النسائية وشبكات الشباب، لمناقشة المبادرات والموافقة عليها
لمواصلة تعزيز تنفيذ برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، حيث افتُتحت
القمة بمراجعة كل ما تم إنجازه منذ المؤتمر الدولي الأول للسكان والتنمية في عام
1994، حيث نجح العالم في خفض معدل وفيات الأمهات وتعزيز المساواة بين الجنسين،
ولكن ليس بالقدر الكافي.
مؤتمر السكان والصحة والتنمية المقرر عقده بالقاهرة في شهر أيلول/ سبتمبر 2023 سوف يكون هدفه الأول، طلب الدعم المالي من الدول والهيئات المانحة لمصر؛ وذلك لدعم الجهود المبذولة للوفاء بالالتزامات نحو تنظيم الأسرة؛ باعتبارها من أهم بنود اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وحصولها على حقوقها (CEDAW) التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979، خاصة وأن الرئاسة المصرية قد استغلت جميع المؤتمرات السابق انعقادها في مصر، وتم طلب تمويل مالي من الجهات المانحة.
وتعهدت الدول المانحة بحوالي مليار دولار لدعم برامج
الصحة الجنسية والإنجابية والمساواة بين الجنسين. بالإضافة إلى ذلك، أُعلن عن
حوالي 8 مليارات دولار في شكل تعهدات جديدة مجمعة لتحقيق مؤشر صفري لوفيات الأمهات
التي يمكن الوقاية منها، وعدم تلبية الاحتياجات غير الملباة لتنظيم الأسرة،
وانعدام العنف القائم على النوع الاجتماعي والممارسات الضارة بحلول عام 2030.
وتعهدت مجموعة واسعة من الشركاء، من شركات الرعاية الصحية والتكنولوجيا إلى
المؤسسات الخاصة والمنظمات غير الحكومية الدولية والقادة الرياضيين، بالتزاماتهم المالية
للنهوض بصحة النساء والأطفال والمراهقين ورفاههم، بما في ذلك الصحة والحقوق
الجنسية والإنجابية.
هذا يعني بكل وضوح، أن مؤتمر السكان والصحة والتنمية المقرر
عقده بالقاهرة في شهر أيلول/ سبتمبر 2023 سوف يكون هدفه الأول، طلب الدعم المالي
من الدول والهيئات المانحة لمصر؛ وذلك لدعم الجهود المبذولة للوفاء بالالتزامات
نحو تنظيم الأسرة؛ باعتبارها من أهم بنود اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد
المرأة وحصولها على حقوقها (CEDAW) التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979، خاصة وأن
الرئاسة المصرية قد استغلت جميع المؤتمرات السابق انعقادها في مصر، وتم طلب تمويل مالي
من الجهات المانحة؛ كما حدث في قمة المناخ (كوب27) بشرم الشيخ، وقمة دول الجوار
للسودان في القاهرة، وغيرها.
معرض السكان والصحة والتنمية يأتي ترسيخا لمفهوم خاطئ حول تفرد وزارة الصحة
وحدها بحل القضية السكانية:
فكرة إقامة معرض لوزارة الصحة خاص للسكان وتنظيم الأسرة، تعدّ محاكاة لما
حدث في مصر قبل حوالي ثلاثين عاما؛ حيث كان من المعروف في مصر منذ منتصف الستينيات
من القرن الماضي، أن مجال تنظيم الأسرة من وظيفة الجمعيات الأهلية في المقام الأول، التي تعتمد على آلية التسويق المجتمعي لوسائل منع الحمل المستخدمة شخصيا، مثل
الأقراص في الفم والوسائل الموضعية، إضافة إلى الزيارات المنزلية والندوات
والبرامج الإعلامية والملصقات العامة لنشر الوعي.
وفي عام 1986، تم إنشاء المجلس القومي للسكان برئاسة رئيس الجمهورية، ويشمل
نشاطه: المسح السكاني الصحي، والتدريب وتنمية مهارات القائمين على العمل السكاني، وتمويل
وإجراء البحوث في مجال السكان وتنظيم الأسرة.
وانتشرت في بداية التسعينيات جمعيات أهلية مثل "مراكز الدكتور"؛ تحت
شعار "اسأل استشر هنا خبير" التابع للمجلس القومي للسكان، أو مراكز
الجمعية المصرية لتنظيم الأسرة في القاهرة والمحافظات التابعة لوزارة الشؤون
الاجتماعية، وكانت وزارة الصحة شبه غائبة عن المشهد، خاصة بعد إنشاء وزارة دولة للسكان
وتنظيم الأسرة قبيل مؤتمر القاهرة الدولي للسكان عام 1994، وتم تعيين الدكتور ماهر
مهران، مقرر المجلس القومي للسكان، وزيرا لتلك الوزارة الوليدة، ونظرا لنجاح
المؤتمر دوليا، وحيث إن المجلس القومي للسكان كان برئاسة الرئيس المخلوع حسني
مبارك منذ إنشائه، لذا فقد بدأ وزير الدولة المقرب من السلطة في حركته الواسعة
والنشيطة، في السعي لإنشاء هياكل إدارية وأذرع ميدانية داخل وزراته، وكاد أن ينجح
في ذك فعلا بالمخالفة لقوانين إنشاء وزارة الدولة التي يترأسها، وبدأت ملامح
التداخل في الاختصاصات مع وزارة الصحة تبدو في الأفق بصورة واضحة، وقد عانيت منها
مع زملائي رؤساء إدارات السكان وتنظيم الأسرة في المحافظات وقتها؛ حيث كان لزاما
علينا حضور الاجتماعات وورش العمل في كل من الوزارتين.
ومن ناحية أخرى، وفي هدوء وبدون ضجة إعلامية، فقد كانت وزارة الصحة تؤدي دورا مهما في مجال خدمات تنظيم الأسرة منذ عام 1987، من خلال مشروع تنمية النظم (System Development Project) لتنظيم الأسرة، والممول من هيئة
التنمية
الدولية الأمريكية، وتم فيه التركيز على تطوير عيادة لخدمات تنظيم الأسرة بكل وحدات
ريفية أو مستشفي عام ومركزي، وتجهيزها وتدريب الفريق الصحي، وكان التركيز يتم فيها
على الوسائل طويلة المفعول مثل اللولب بأنواعه. وفي عام 1994 تم الامتداد تحت اسم برنامج
تحسين الجودة (Quality Improvement Program)، ليشمل نظام التحكم في منع انتشار العدوى، وتقديم وسائل منع الحمل للسيدات حسب معايير الجودة للخدمات الصحية.
تعتبر ثنائية السكان والتنمية من أهم القضايا التي تشغل العالم منذ عقود طويلة، ومن دراسة حالة الكثير من دول العالم، يتضح أن العنصر البشري هو عماد التنمية الاقتصادية، ولكن الأمر يحتاج إلى نظام حاكم له رؤية شاملة لجميع الجوانب التنموية الاجتماعية والسياسية والثقافية، وليس الجانب الاقتصادي فقط، بحيث يكون بناء الإنسان بخصائصه المتميزة هو محور الارتكاز لبناء المستقبل.
وجاءت فكرة إقامة معرض قومي لعرض خدمات وزارة الصحة بصورة عامة في نهاية عام
1995، بمناسبة مرور خمسة عشر عاما على تولى الرئيس المخلوع مبارك حكم مصر، وتيمنا
بنجاته من محاولة الاغتيال الفاشلة في إثيوبيا وقتها، وبالفعل تم حجز أضخم قاعة
للعرض في المركز الدولي للمؤتمرات في القاهرة، وكانت الفكرة المطروحة هي أن يكون
جناح تنظيم الأسرة هو الأكبر مساحة، والمتنوع في طرق العرض، والأكثر زخما بما
يشمله من جداريات ولوحات ومعروضات.
حضر الرئيس المخلوع مبارك، وافتتح المعرض، وخلال جولته مع الوزراء وكبار
قيادات الدولة؛ كانت معروضات قطاع السكان وتنظيم الأسرة بوزارة الصحة، هي العلامة
البارزة والأكثر جذبا للانتباه، وفجأة، التفت الرئيس نحو دكتور ماهر مهران، وزير
الدولة للسكان وتنظيم الأسرة، وقال بطريقته المعهودة وكلماته القليلة: "الصحة
فيها شغل تنظيم أسرة كويس.. يا ماهر"، وظهر واضحا وجود تغيير سريع في قناعات الرئيس.
ومع بداية عام 1996، كان التشكيل الوزاري الجديد، وفيه تم إلغاء وزارة السكان وتنظيم الأسرة، وتم إعلان مسمى جديد هو "وزارة الصحة والسكان"، وتم تحويل
تبعية المجلس القومي للسكان إلى إشراف مجلس الوزراء بدلا من رئيس الجمهورية.
وبعدها في عام 2002؛ أصبح المجلس القومي للسكان تابعا لوزير الصحة والسكان،
وانحصرت المشكلة السكانية داخل إطار العمل على خفض معدل المواليد، وخفض معدل
الخصوبة للسيدات، ومن ثم أصبحت النظرة قاصرة والحلول عرجاء، وسعى وزير الصحة
والسكان لترسيخ تلك النظرة، حاليا سوف يزيد من خطورة المشكلة بأبعادها المختلفة، حتى
بعد نجاح الوزارة في خفض معدل المواليد بنسبة 30 في المئة خلال السنوات الست الماضية.
كيف
السبيل لمواجهة المشكلة السكانية في مصر على أسس علمية شاملة:
تعتبر ثنائية
السكان والتنمية من أهم القضايا التي تشغل العالم منذ عقود طويلة، ومن دراسة حالة
الكثير من دول العالم، يتضح أن العنصر البشري هو عماد التنمية الاقتصادية، ولكن
الأمر يحتاج إلى نظام حاكم له رؤية شاملة لجميع الجوانب التنموية الاجتماعية
والسياسية والثقافية، وليس الجانب الاقتصادي فقط، بحيث يكون بناء الإنسان بخصائصه
المتميزة هو محور الارتكاز لبناء المستقبل، وكانت التجارب الحديثة للكثير من الدول
حول حسن الاستفادة من تنمية وتوظيف الطاقات البشرية، ضمن منظومة البيئة وتنمية
الموارد الطبيعية والنمو الاقتصادي، هي الحل لتحقيق التنمية المستدامة.
اختزال المشكلة السكانية في مصر باعتبارها زيادة سكانية فقط؛ يعد تهوينا للقضية، فقضية السكان يجب النظر لها بصورة أشمل تتضمن أبعادها الثلاثة، وهي: تراجع خصائص السكان (التي تشمل التعليم والصحة والمشاركة في قوة العمل ومتوسط دخل الفرد)، وسوء توزيع السكان وتركزهم في مساحة ضيقة لا تتجاوز 7 في المئة من إجمالي مساحة مصر، ووجود فجوات كبيرة بين مناطق الجمهورية المختلفة.
وفي مصر، بدأ
الحديث عن التنمية مبكرا منذ أكثر من ستين عاما، ولكنه كان وفق رؤية قاصرة على
جانب واحد، هو تقليص عدد السكان دون السعي نحو الارتقاء بالخصائص البشرية وتنميتها،
وما زالت مصر تعاني من تراجع جميع مؤشرات التنمية بدون وجود رؤية واقعية للإصلاح.
إن اختزال
المشكلة السكانية في مصر باعتبارها زيادة سكانية فقط؛ يعد تهوينا للقضية، فقضية
السكان يجب النظر لها بصورة أشمل تتضمن أبعادها الثلاثة، وهي: تراجع خصائص السكان (التي
تشمل التعليم والصحة والمشاركة في قوة العمل ومتوسط دخل الفرد)، وسوء توزيع السكان
وتركزهم في مساحة ضيقة لا تتجاوز 7 في المئة من إجمالي مساحة مصر، ووجود فجوات
كبيرة بين مناطق الجمهورية المختلفة، حيث تتراجع جميع المؤشرات بصورة واضحة في
الوجه القبلي وخاصة في الريف، وكذلك وجود فجوات تعليمية وثقافية وتشغيلية واضحة بين
الذكور والإناث في معظم المؤشرات التنموية، بالإضافة إلى عدم التوازن بين النمو السكاني
والنمو الاقتصادي.
ومن ثم، فإن
الاستمرار في اعتبار القضية السكانية هي مسؤولية وزارة الصحة والسكان وحدها، يصل بقضية السكان إلى طريق مسدود، ومن ثم فإنه من الضروري الاهتمام بجميع محاور المشكلة بالتوازي، وبنفس القدر من الاهتمام، مع التركيز على مواجهة ثلاثية الفقر والجهل والمرض، وبناء مواطن سليم معافى عنده القدرة على دخول سوق العمل والإنتاج، باعتباره ثروة بشرية قادرة على دفع عجلة النمو الاقتصادي، ومن ثم نشر التنمية في جميع
أرجاء الوطن.