جدد رئيس النظام
المصري عبد الفتاح السيسي، لمفتي البلاد
شوقي علام، لمدة عام جديد في منصبه، وذلك للمرة الثالثة على التوالي، على الرغم من بلوغه سن التقاعد في آب/ أغسطس 2021، الأمر الذي يدعو للتساؤل حول أسباب إبقاء السيسي على الرجل، والأدوار التي يلعبها لصالح رأس السلطة.
علام، المفتي الـ19 في تاريخ دار الإفتاء المصرية والتي أنشئت عام 1895، أصدر السيسي، الأحد، بحقه القرار رقم (337 لسنة 2023)، بمد خدمته لمدة عام اعتبارا من 12 أب/ أغسطس 2021.
وتولى مهام منصبه 4 آذار/ مارس 2013، خلال عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، بعد اقتراع سري لأعضاء هيئة كبار العلماء بالأزهر في 11 شباط/ فبراير 2013، ليصبح أول مفتٍ منتخب، وفقا لتعديل جرى بقانون الأزهر.
"سلسلة تمديد"
ولم يشهد عهد السيسي، مفتيا غير علام، حيث بقي مدة 4 أعوام حتى شباط/ فبراير 2017، ليقرر السيسي منحه 4 سنوات أخرى تنتهي وتنهي عمله بدار الإفتاء في شباط/ فبراير 2021، إلا أن السيسي مد له 6 أشهر أخرى تنتهي ببلوغه السن القانونية في أب/ أغسطس 2021.
وهو القرار الذي تبعه قرار آخر من السيسي، في أب/ أغسطس 2021، استثنى فيه دار الإفتاء من أحكام المادتين "17 و20" بقانون الخدمة المدنية اللتين تحددان سن تقاعد كبار المسؤولين وآلية اختيارهم، وهو ما منح السيسي حق المد لعلام، في منصبه بعد بلوغه سن المعاش.
وعلى إثر التعديل، قرر السيسي، في أب/ أغسطس 2021، مد خدمة علام لمدة عام تنتهي في أب/ أغسطس 2022، وهو القرار الذي تم تجديده لعام ثان حتى الشهر الجاري، ثم لعام جديد بقرار جديد حتى العام المقبل، ليكون مجموع سنوات المد له نحو 3 أعوام ونصف، ما يقارب مدة الولاية الرسمية وهي 4 سنوات.
قرارات السيسي بالتمديد للمفتي تؤكد وفق مراقبين أهمية علام، في نظامه، وحجم الأدوار التي قام ويقوم بها، خاصة وأنه ضرب عرض الحائط برغبة الأزهر الشريف وترشيحاته للمنصب.
وكان الأزهر ممثلا في هيئة كبار العلماء، مع نهاية ولاية علام الثانية في شباط/ فبراير 2021، قد رشح 3 من علمائه لتولي المنصب، وهم الأستاذ بكلية أصول الدين طه حبيشي، ووكيل الأزهر حاليا محمد الضويني، وأستاذ الفقه بكلية الشريعة فتحي عثمان.
وفي أول تعليق له، قال علام، بتصريح صحفي، إن قرار التجديد شهادة ووسام ودافع قوي لبذل مزيد الجهود لضبط بوصلة الإفتاء، مؤكدا أن القرار يعكس اهتمام الرئيس السيسي بالمؤسسة الدينية، ودعم جهودها بتجديد الخطاب الديني.
لكن، تجديد السيسي لعلام في منصبه، إلى جانب إبقائه على وزير الأوقاف مختار جمعة بمنصبيهما منذ العام 2013، أيضا، رغم تخلصه من أغلب شركائه العسكريين والسياسيين بانقلاب 2013، يثير الجدل حول أسباب إبقاء السيسي على جناحي دعمه الديني، والتساؤلات حول ما يقومان به من أدوار لصالح رأس السلطة.
"لا خطر منهما"
الباحث المصري أحمد مولانا، في إجابته على تساؤلات "عربي21"، المطروحة، يرى أن إبقاء السيسي على شوقي علام ومختار جمعة مقابل تخلصه من شركائه السابقين عسكريين وسياسيين لكونهما لا يمثلان أي خطر عليه ولا على نظامه.
وقال مولانا، إن "منصب المفتي ووزير الأوقاف مناصب دينية مجردة من أدوات القوة الخشنة، لذا لا يُخشى من أن يتحول شاغلها لمركز قوة يتمتع بخصوصية"، موضحا أنه "لذلك لا يلجأ السيسي، إلى تغيير شاغلي هذين المنصبين".
وأضاف: "كذلك فإن علام، وجمعة يمارسان درجة غير مسبوقة من الشرعنة الدينية لسياسات النظام والتماهي معها، وبالتالي لا يوجد ما يستدعي تغييرهما".
"خادم مطيع"
وطالما أعلن علام، دعمه بشكل علني ومباشر للسيسي، وقدم متطوعا نقدا لاذعا لجماعة الإخوان المسلمين والرئيس الراحل محمد مرسي، الذي عزله السيسي في انقلاب عسكري، ما اعتبره مراقبون أمرا يخرج المفتي عن وقار المنصب ومكانته الدينية واستقلال فتواه.
وفي تموز/ يوليو 2020، وفي الذكرى السابعة لانقلاب السيسي، قال علام، للتلفزيون المصري إن التاريخ سيذكر الرئيس المصري وعمله الصالح لصالح البلاد بإخلاص شديد.
ودأب الإعلام المصري على استضافة علام، في ذكرى أحداث 30 حزيران/ يونيو، وفي آخر لقاءاته أطلق عشرات التصريحات المؤيدة للسيسي والجيش، والمشيدة بشجاعتهما في 30 حزيران/ يونيو 2013، رغم أنها الأحداث التي تبعها مقتل وسجن آلاف المصريين العزل.
"حملة المباخر"
من جانبه قال الكاتب والباحث المصري محمد فخري، إن "قرار السيسي بالتجديد لمفتي الجمهورية شوقي علام لمدة عام في منصبه للمرة الثالثة على التوالي، يعكس مدى استجابة الأخير ورضوخه سياسيا على حساب منصبه الديني المفترض فيه الاستقلال التام".
فخري، في حديثه لـ"عربي21"، أضاف أن "ما يحدث لعلام، الذي تولى منصبه منذ أكثر من 10 سنوات يحدث لوزير الأوقاف محمد مختار جمعة، المستقر في منصبه منذ ذلك التاريخ أيضا، وذلك على خلاف ما حدث مع معظم الشركاء السياسيين والعسكريين في انقلاب 2013".
ويرى أن "تفسير الأمر يسيء للمؤسسات الدينية"، مؤكدا أنه "لا غرابة، فقد حملت المؤسستان دار الإفتاء والأوقاف المباخر للنظام وقراراته وسياساته على حساب الدين وعلى حساب الرسالة والدور والهيبة دون خجل".
ولفت إلى أنه "انتشرت عبر المواقع والصحف المحلية الفتاوى السياسية لدار الإفتاء، لتساند بغباء القرارات السياسية والإدارية كبيرها وصغيرها، وهو ما أثار السخرية والاستنكار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأدى إلى فقد المصداقية والهيبة لتلك المؤسسات في نفوس وعلى ألسنة المواطنين".
ويعتقد فخري، أنه "ربما ما يدعو رأس النظام إلى الإبقاء على علام وجمعة ليس فقط ما يقومان به من أدوار لصالح رأس السلطة، ولكن لأن نقيض الرجلين وهو شيخ الأزهر أحمد الطيب، والذي يقود الجناح الثالث والأهم للمؤسسات الدينية قد أتعب السيسي، ولم يستجب له على طول الخط كما قال الأخير بنفسه".
وأشار إلى أن ذلك "تمثل في أزمة الطلاق الشفهي، وأزمة تجديد الخطاب الديني، وغير ذلك مما لم يُعلن عنه".
وختم بالقول: "لذلك أبقى السيسي، على الكادر التابع الذي يؤدي الغرض دون أي مغامرة قد تفتح جبهة جديدة في تلك المؤسسات المهمة".
"نكاية في الطيب"
ومنذ دعوة السيسي لتجديد الخطاب الديني، في كانون الثاني/ يناير 2015، وحتى طلبه في ذات الشهر من عام 2017، بإصدار قانون ينظم حالات الطلاق الشفوي، وظهور اعتراض شيخ الأزهر أحمد الطيب على بعض توجهات السيسي، بدا لافتا دور المفتي علام ووزير الأوقاف مختار جمعة.
وفي المقابل وفي إطار توجهات السيسي للسيطرة على أركان الدولة المصرية والتي بدت في التعديلات الدستورية المثيرة للجدل والتي منحت السيسي سلطات واسعة في نيسان/ أبريل 2019، حاول رأس النظام إبعاد دار الأوقاف عن الأزهر ، ومنح المفتي أدوارا وصلاحيات بمقابل شيخ الأزهر.
وبالفعل وفي تموز/ يوليو 2020، أعدت اللجنة الدينية بمجلس النواب مشروع قانون "تنظيم دار الإفتاء"، بغرض إعادة هيكلة دار الإفتاء ونقل تبعيتها إلى الحكومة بدلا من الأزهر، وإطلاق يد رئيس الجمهورية لتعيين المفتي من بين 3 ترشحهم هيئة كبار العلماء.
ومع فشل البرلمان في تمرير القانون لاعتراض مجلس الدولة عليه لمخالفته الصريحة للدستور المصري، أصدر السيسي، 11 أب/ أغسطس 2021، القرار رقم (338)، الذي يمنحه صلاحية اختيار المفتي منفردا، حيث جعل من دار الإفتاء جهة ذات طبيعة خاصة لا تسري على الوظائف القيادية والإدارة الإشرافية فيها أحكام المادتين 17 و20 من قانون الخدمة المدنية.
"مفتي الإعدامات"
ولعلام، أدوار مثيرة للجدل حول ما أطلقه من فتاوى اعتبرها مراقبون، "مسيسة" وتخدم توجهات النظام وتخضع لتوجيهاته، وذلك إلى جانب أدواره في التصديق على مئات أحكام الإعدام الصادرة بحق معتقلي جماعة الإخوان المسلمين بمحاكمات وصفها حقوقيون بـ"المسيسة" والمفتقدة لقواعد العدالة.
ومنذ انقلاب السيسي على الرئيس الراحل محمد مرسي، منتصف العام 2013، أصدر القضاء المصري بحسب "مركز الشهاب لحقوق الإنسان" 1565 حكما بالإعدام في قضايا سياسية من 2013 وحتى 2021، جرى تنفيذ 97 منها بعد تصديق شوقي علام.
وفي إحصاء لوكالة رويترز للأنباء في 31 تموز/ يوليو 2019، فقد جرى إعدام نحو 179 شخصا من 2014 حتى أيار/ مايو 2019، وهي الأحكام التي لم يتم تنفيذها دون توقيع المفتي علام.
وتؤكد الوكالة أن تنفيذ كل هذه الإعدامات، جاء وسط تشكيك دائم في صحة الأحكام واعتبار جهات حقوقية محلية ودولية بأنها "مسيسة".
وفي رصد لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، فإن
مفتي مصر في عهد السيسي، صدق على إعدام أكثر من 1000 معتقل مصري.
"الفتاوى السياسية"
وبحسب موقع "مصراوي"، المحلي، فلقد أصدرت دار الإفتاء في عهد شوقي علام ما يقارب 10 ملايين فتوى، إلا أن بعض ما أطلقه علام شخصيا من فتاوى ظلت مثار جدل بين المصريين.
ومنذ البداية أفتى علام، مؤيدا تظاهرات 30 حزيران/ يونيو 2013 ضد الرئيس مرسي، لكنه وفي المقابل أفتى عام 2019، بحرمة التظاهر ضد السيسي.
وفي أيلول/ سبتمبر 2022، ولدعم الحكومة في أزمتها المالية أفتى بأن إيداع الأموال في البنوك وأخذ فوائد منها جائز شرعا ولا إثم فيه، وليس من الربا في شيء.
وفي تموز/ يوليو 2022، أفتت دار الإفتاء بجواز زيارة الأضرحة والتبرك بمقامات الأولياء والصالحين، فيما اعتبره البعض دعما منها للتوجه الصوفي بعهد السيسي.
وفي آذار/ مارس 2021، أفتى علام بأن "الضرائب التي يدفعها المواطنون هي تعبد لله، لأنها من طاعة ولي الأمر، والقانون الذي وضعه"، ما رأى فيه البعض دعما لموازنة الدولة التي تمثل الضرائب 71 بالمئة منها.
وفي أيلول/ سبتمبر 2020، اعترف علام، بأنه من أفتى للسيسي، بجواز هدم 30 مسجدا بنيت على شاطئ ترعة المحمودية -أحد الترع النيلية شمال غرب مصر- بحجة أنها أرض مغتصبة.
بل ذهب للقول في فتوى ثانية، إن مقاومة الأهالي للجهات المعنية بتنفيذ الأحكام الصادرة بحق الأبنية المخالفة فيه إرجاف واعتداء وتفويت للمصلحة العامة.
وفي أيار/ مايو 2020، أفتت دار الإفتاء بوجوب "إعطاء أموال الزكاة لصندوق تحيا مصر"، السيادي التابع لتصرف السيسي، وتثار حوله شبهات عدم الشفافية.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2018، أفتى علام بأن الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين حرام شرعا، في فتوى كررها عام 2019 و2021.
وفي شباط/ فبراير 2018، وقبل شهر من انتخاب السيسي لولاية ثانية، أفتت دار الإفتاء بتحريم عدم المشاركة بالانتخابات، ووصفت الممتنع بأنه آثم شرعا.
وفي أب/ أغسطس 2017، أجاز علام، إخراج أموال الزكاة للإنفاق على قوات الجيش والشرطة بدعوى أنها تقوم بكفاح أمني وتحارب الإرهاب.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2015، أفتى علام، بعدم جواز إطلاق لقب شهيد على شهداء ثورة يناير 2011، في موقف يتوافق مع موقف السيسي من الثورة الشعبية التي أطاحت بحسني مبارك.
وفي حزيران/ يونيو 2014، أيد علام، منع وزارة الداخلية انتشار ملصقات هل صليت على النبي اليوم؟ وتوقيف من ينشرها قائلا إنها "ضرورة".