مع
كل حرب تشتعل تزداد أهمية دول التماس؛ تلك الدول التي لا تخوض الحرب بشكل مباشر
ولكن تملك من الأهمية الاستراتيجية ما يرجح كفة أحد المتصارعين على الكفة الأخرى.
ومن هذه الدول
بيلاروسيا، هذه الدولة القابعة في شرق أوروبا والتي تملك حدودا
مفتوحة مع كل من
روسيا وأوكرانيا. فهي من جهة منفذ لروسيا على أوكرانيا، ومن جهة
أخرى داعم دبلوماسي وسياسي قوي لسياسات موسكو في أوروبا الشرقية ومتناغم مع غضبها
من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
منذ
أيام برر الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو نشر أسلحة نووية تكتيكية في بلاده
بأنه رد فعل مناسب على عسكرة أوروبا، وبرر ذلك بالقول بأن هناك خطرا متزايدا من
استخدام أسلحة الدمار الشامل. هذا لا يعني أن بيلاروسيا دخلت نادي الكبار النووي،
ولكن على حد قول مسئولين في الاستخبارات الأمريكية الشهر الماضي في تصريحات لشبكة "سي
إن إن" فإن لوكاشينكو لن تكون له السيطرة الكاملة على هذه الأسلحة والقرار
سيكون في النهاية بيد موسكو. هؤلاء المسئولون الأمريكيون أقروا بعجز الأقمار
الصناعية عن رصد نقل الدفعة الأولى من هذه الأسلحة النووية التكتيكة، لكنهم لم
يستبعدوا حدوث الأمر.
موقف بيلاروسيا المعلن والواضح أنها مع الجارة موسكو قلبا وقالبا، وكما قال الرئيس البيلاروسي العام الماضي فإن بلاده ستحارب مع روسيا إذا تعرضت لأي اعتداء. يعني هذا بوضوح أن موسكو استطاعت أن تصنع حاجزا حربيا بينها وبين الاتحاد الأوروبي، فاشتعال أية معركة في مينسك سيعني بالضرورة حربا جديدا بالوكالة؛ ولكن هذه المرة ليست على أرض منقسمة عرقيا ولغويا مثل أوكرانيا بل على أرض أكثر ارتباطا بروسيا وهي بيلاروسيا
موقف
بيلاروسيا المعلن والواضح أنها مع الجارة موسكو قلبا وقالبا، وكما قال الرئيس
البيلاروسي العام الماضي فإن بلاده ستحارب مع روسيا إذا تعرضت لأي اعتداء. يعني
هذا بوضوح أن موسكو استطاعت أن تصنع حاجزا حربيا بينها وبين الاتحاد الأوروبي،
فاشتعال أية معركة في مينسك سيعني بالضرورة حربا جديدا بالوكالة؛ ولكن هذه المرة
ليست على أرض منقسمة عرقيا ولغويا مثل أوكرانيا بل على أرض أكثر ارتباطا بروسيا وهي
بيلاروسيا. ويعني هذا أيضا أن شرر الصراع إن اندلع فسيأخذ وقتا حتى يصل للأراضي
الروسية، ولهذا لا يمكن أن نفهم نشر الأسلحة النووية الروسية على الأراضي
البيلاروسية خارج هذا الإطار.
وقد
ساعد على وضعية بيلاروسيا هذه أمران؛ أولهما أنها دولة حبيسة ليس لها منافذ بحرية،
فهذه المنافذ تساعد الدول عادة على تعميق علاقتها مع الآخرين وعند غياب المنفذ فهي
إما تكون دولة محايدة سياسيا وعسكريا مثل سويسرا أو دولة تابعة مثل بيلاروسيا.
والأمر الثاني أن مينسك فشلت في صياغة هوية قومية ذاتية مستقلة عن روسيا بعد
انهيار الاتحاد السوفيتي وإعلان استقلالها، أو بعبارة أخرى فشل ربيع أوروبا الذي
أطاح بكثير من رؤساء دول الاتحاد السوفيتي السابق في أوروبا في أن يصل إلى
بيلاروسيا، واستطاع الرئيس الحالي ألكسندر لوكاشينكو أن يحتفظ بكرسي الحكم لمدة
تقترب الآن من ثلاثين عاما رغم معارضة الغرب له ولسياساته. فالثورات الملونة التي
أطاحت بالأنظمة القديمة في شرق أوروبا وتتهمها موسكو بأنها ممولة من الولايات
المتحدة لم تمر من بيلاروسيا، وبقيت البلاد على حالها السياسي تقريبا منذ ذلك
الحين.
السؤال
المهم في هذا السياق هو لماذا لم تنخرط مينسك بشكل مباشر في الصراع الروسي
الأوكراني؟ والإجابة تكمن بأن انخراطها يعني توسيع دائرة الصراع بشكل لا تستطيع
موسكو ولا مينسك تحمل تكلفته حاليا، ولكن يمكن تحمل تكلفة أن تكون داعما سياسية
ودبلوماسيا وأحيانا ممرا لعبور الإمدادات. والأهم من هذا هو اعتراف أكبر مسئول في
الدولة هناك بأن بلاده ستنخرط في أي حرب تستهدف موسكو بشكل مباشر، أي أن بيلاروسيا
هي مخزون روسي استراتيجي في شرق أوروبا يُستخدم في حالة الطوارئ. ويبدو أن هذه
الحالة بانت بوادرها حاليا بعد الإعلان عن نقل الأسلحة النووية الروسية إلى هناك.
twitter.com/hanybeshr