تقول
مصادر إسلامية مطلعة في بيروت إن العلاقات بين الجمهورية الإسلامية
الإيرانية
وحركات
الإخوان المسلمين في العالم العربي والإسلامي تشهد اليوم تطورات إيجابية
مهمة، وقد يعود
التعاون القوي بينهما إلى مرحلة ما قبل الربيع العربي والتي شهدت
انتكاسات وأزمات عديدة في هذه العلاقة خلال السنوات العشر الأخيرة.
وتكشف
هذه المصادر أن لقاءات واتصالات تجري بين شخصيات إيرانية فاعلة وبين قيادات من الإخوان
المسلمين في عدد من العواصم العربية والإسلامية، وأن الهدف هو إجراء مراجعة شاملة
للمرحلة الماضية والتفاهم على كيفية مواجهة التحديات الجديدة التي يواجهها العالم
العربي والإسلامي اليوم، وأن هناك مؤشرات إيجابية مهمة حصلت في هذا الصدد، وأن
المرحلة المقبلة قد تشهد المزيد من الخطوات العملية في هذا الاتجاه.
ومن
المعروف أن العلاقة بين الحركة الإسلامية في إيران وبين الإخوان المسلمين قد مرت
خلال الأعوام المائة الماضية (من العام 1928 منذ تأسيس حركة الإخوان إلى اليوم) في
مراحل متعددة، ويمكن تلخيصها على الشكل التالي:
العلاقة بين الحركة الإسلامية في إيران وبين الإخوان المسلمين قد مرت خلال الأعوام المائة الماضية (من العام 1928 منذ تأسيس حركة الإخوان إلى اليوم) في مراحل متعددة
أولا:
مرحلة التأسيس والتعارف، وهذه المرحلة تمتد منذ العام 1928 حتى أوائل الخمسينيات.
وخلال هذه المرحلة بدأ العلماء في إيران يتابعون تأسيس حركة الإخوان ويطلعون على أفكارها؛
من خلال الكتب واللقاءات في مواسم الحج وعبر بعض الاتصالات لعلماء إيرانيين مع
قيادات إسلامية في مصر ولقاءات في بعض العواصم العربية.
ثانيا:
من الخمسينيات إلى منتصف السبعينيات، وهي مرحلة التعاون القوي، وبدأت بزيارة من
المناضل الإيراني نواب صفوي إلى دمشق والقاهرة وحصول استقبال كبير له، وكذلك إقامة
آية الله كاشاني وغيره من علماء إيران في القاهرة، والتعاون من خلال مؤسسة التقريب
بين المذاهب الإسلامية، ومن ثم تعرف علماء إيران على فكر سيد قطب وأبو الأعلى
المودودي وغيرهما من قيادات الإخوان، وترجمة كتبهم إلى الفارسية.
وكان مرشد
الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي أبرز من قام بهذه الترجمات، وقد
كتب عن ذلك بشكل مفصل في مذكراته باللغة العربية والتي صدرت قبل سنتين.
واستفادت
الحركة الإسلامية الإيرانية من فكر ودور الإخوان المسلمين، وتأثرت كثيرا بإعدام
سيد قطب، وحصل تعاون في بعض العواصم العربية والأوروبية بين قيادات إيرانية ثورية
وقيادات من الإخوان المسلمين.
ثالثا:
مرحلة ما بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979 وحتى بداية الربيع
العربي في العام 2010. وهذه المرحلة شهدت تقلبات عديدة في العلاقة وبدت قوية ومهمة،
وخصوصا بعد انتصار الثورة وقيام وفود وقيادات من حركات الإخوان المسلمين بزيارة طهران،
وسبقتها اللقاءات مع الإمام الخميني في باريس أولا ولاحقا في إيران.
وكان
من المفترض أن يكون هناك تعاون كبير، لكن لاحقا حصلت عدة خلافات فكرية وسياسية
ومذهبية، وخصوصا بسبب الموقف من حرب العراق على إيران والأحداث في سوريا في الثمانينيات
وكذلك بشأن بعض النقاط في الدستور الإيراني؛ وإن كانت العلاقات لم تنقطع كلية وكان
هناك تعاون على صعيد المقاومة في لبنان وفلسطين.
حصلت عدة خلافات فكرية وسياسية ومذهبية، وخصوصا بسبب الموقف من حرب العراق على إيران والأحداث في سوريا في الثمانينيات وكذلك بشأن بعض النقاط في الدستور الإيراني؛ وإن كانت العلاقات لم تنقطع كلية وكان هناك تعاون على صعيد المقاومة في لبنان وفلسطين
رابعا:
مرحلة الربيع العربي وما بعده، أي من العام 2010 إلى اليوم، وهذه المرحلة شهدت
تراجعا كبيرا في العلاقة رغم إبداء المسؤولين الإيرانيين الاستعداد للتعاون مع الإخوان
المسلمين الذين وصلوا إلى الحكم في تونس ومصر، وكانت هناك فرصة كبيرة لقيام تعاون
استراتيجي، لكن الإخوان المسلمين لم يتجاوبوا مع الدعوات الإيرانية وبرزت الخلافات
حول الأحداث والتطورات في سوريا واليمن ولبنان ودول أخرى، وتراجعت العلاقات
والاتصالات إلى أقل مستوى وانحصر التعاون في دعم القضية الفلسطينية ومن خلال حركة
حماس، وإن كانت السنوات الأخيرة شهدت اتصالات ومراجعات بين الطرفين بهدف إعادة
التعاون والبحث في تطوير العلاقات مجددا دون تحقيق تقدم كبير.
لكن
يبدو اليوم أن هناك توجها كبيرا لدى القيادة الإيرانية بإعادة تزخيم التواصل
والتعاون مع حركات الإخوان المسلمين في معظم الدول العربية والإسلامية، ولذلك جرت
اتصالات ولقاءات بين شخصيات إيرانية وقيادات من الإخوان في أكثر من عاصمة عربية وإسلامية
وبعض العواصم الأوروبية.
وتشير
المعطيات إلى أن الأجواء إيجابية جدا وأن هناك عدة قضايا يمكن التعاون حولها،
وخصوصا القضية الفلسطينية ودعم قوى المقاومة، ومواجهة التحديات الفكرية
والاجتماعية والأخلاقية، والإساءة للمقدسات الإسلامية، وإعادة الاهتمام بالوحدة الإسلامية
ومواجهة الفتنة المذهبية.
نحن إذن أمام مرحلة جديدة في العلاقة بين إيران وحركات الإخوان المسلمين في العالم العربي والإسلامي، ومن المهم الاستفادة من هذه اللحظة المناسبة لإعادة تفعيل العلاقة والعودة إلى التعاون الفكري والاستراتيجي والبحث في مواجهة كل التحديات
ويتطلب
كل ذلك التمهيد بإجراء مراجعة شاملة للمرحلة السابقة والبحث في الأخطاء التي حصلت،
والاستفادة من المؤشرات الإيجابية الحاصلة اليوم في العالم العربي والإسلامي،
وخصوصا الاتفاق السعودي- الإيراني والتقارب العربي- الإيراني والتعاون التركي- الإيراني.
وتلعب حركة حماس وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين دورا مهما في تعزيز هذا التعاون
والتنسيق؛ كون القضية الفلسطينية اليوم هي القضية المركزية ونقطة التواصل
الاستراتيجية. كما أن استهداف الحركات الإسلامية والتضييق عليها واتهامها بالإرهاب
في أكثر من بلد عربي وإسلامي وبعض الدول الغربية يشكل دافعا قويا للتعاون بين
الطرفين، ويمكن أن تكون إيران في المرحلة المقبلة محور ومركز الحركات الإسلامية في
كل المنطقة.
وفي
الخلاصة، نحن إذن أمام مرحلة جديدة في العلاقة بين إيران وحركات الإخوان المسلمين
في العالم العربي والإسلامي، ومن المهم الاستفادة من هذه اللحظة المناسبة لإعادة
تفعيل العلاقة والعودة إلى التعاون الفكري والاستراتيجي والبحث في مواجهة كل
التحديات التي يعاني منها العالم العربي والإسلامي.
فهل
ستنجح هذه المحاولات الجديدة للتعاون والعودة إلى الحوار؟ أم أن الحسابات الضيقة
والمذهبية ستعيق ذلك؟
twitter.com/kassirkassem