تتواصل التهديدات من قبل المستوى السياسي والعسكري ويتناغم معها الإعلام الإسرائيلي،
بالانتقام من المقاومين ومن يقف خلفهم ويحرّضهم.
بعد عمليتي الخليل وحوّارة، تعرّضت حكومة بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت لانتقادات واسعة، من «المعارضة»، ومن بعض أطراف الائتلاف الحكومي.
يبدو لي أنّ نتنياهو وزمرته قد أوقعوا أنفسهم في ورطة، حين وسّعوا دائرة المستهدفين التي شملت إيران وحركتي «
حماس» و»الجهاد الإسلامي» و»حزب الله»، بينما إسرائيل لا ترغب وهي غير قادرة على الاقتراب من إيران أو من «حزب الله».
ومع مرور قليلٍ من الوقت، تمّ اختصار كلّ هذه الأطراف بالتركيز على «حماس»، وبالتحديد على صالح العاروري نائب رئيس الحركة والمتّهم ربّما الحصري، بالوقوف خلف التصعيد الجاري للمقاومة في الضفة الغربية.
لا يدور الحديث عن استعداد إسرائيل، لشنّ عدوانٍ كبير على الشمال أو على قطاع غزة، وإنّما على تفعيل أسلوب الاغتيالات لقيادات من الحركة وعلى رأسهم العاروري.
هذا يعني أنّ المحفظة الإسرائيلية فارغة، ولم يبقَ منها سوى إطلاق التهديدات، وبمنهجية الخطاب، وسيبقى التركيز على الضفة والقدس.
ثمة من قال، إنّ من يصطاد الأرنب لا يدقّ الطبول، إذ لا بدّ أنّ العاروري وقيادات الحركة قد اتّخذوا إجراءاتهم لمنع إسرائيل من النجاح.
في مقابل ذلك، لا يمكن تجاهل تهديدات أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله الذي أعلن بوضوح وحزم أنّه سيردّ على أيّ اعتداء إسرائيلي على أيّ شخص أو مؤسسة تقع ضمن الأرض اللبنانية.
وبالمثل جاء خطاب «حماس» متحدّياً وقويّاً ويظهر استعداداً عالياً للمواجهة في حال أقدمت إسرائيل على أيّ عدوانٍ أو محاولة اغتيال.
تتوعّد «حماس» بأنّ الردّ لن يكون مسبوقاً، وتلمح إلى إمكانية تفعيل «وحدة الساحات»، ونحو مواجهة إقليمية واسعة يرى العاروري أنّ الوقت قد حان لذلك، وقبل أن تنجح إسرائيل في زرع المزيد من المستوطنين، ومصادرة المزيد من الأراضي، وحسم ملفّ المسجد الأقصى، وبالتالي حسم الصراع.
في الواقع فإنّ الحكومة الإسرائيلية، تواصل توسيع الاستيطان، وتوفير الأموال والإمكانيات اللازمة، لرفع عدد المستوطنين إلى مليون مستوطن، كما قال صاحب الملف سموتريتش.
يترافق ذلك مع تصعيد عمليات الاقتحام للمدن والمخيّمات
الفلسطينية، وتوسيع دائرة الاعتقالات على قاعدة الشبهة، غير أنّ كلّ ذلك لا ينجح في كبح المقاومة التي تواصل تصدّيها للمستوطنين، وقوّات
الاحتلال.
المواجهة، إذاً، قادمة لا محالة، والمسألة فقط هي مسألة وقت ليس إلّا، ولكن المؤشّرات تتّجه نحو أن تكون هذه المواجهة مختلفة هذه المرّة، حيث يبدو أن شعار «وحدة الساحات» قد تحوّل إلى إمكانية فعلية قابلة للتحقُّق.
لا تبدو إسرائيل في وضع مُريح داخلياً وخارجياً، فعدا استمرار الانقسامات الداخلية، والاستنطاقات في الجيش والأجهزة الأمنية، والتشكيك في أهلية الجيش على خوض مواجهة في عدّة جبهات في الوقت ذاته، نقول عدا ذلك فإنّ صورة إسرائيل الخارجية تتآكل.
العلاقة مع الإدارة الأميركية تزداد سلبيّة، بالرغم من أنّ الولايات المتحدة، تواصل التزامها بأمن إسرائيل ودعمها.. فنتنياهو لم يصل للبيت الأبيض بعد، والانتقادات تتزايد لسياسة الاستيطان وإرهاب المستوطنين، والحال ليس أفضل على الصعيد الأوروبي.
ولا يزال بن غفير وسموتريتش، يستدعيان الانتقاد والنفور والمقاطعة، من قبل حكومات العالم، وحتى من قبل أطراف في «المعارضة» والحكم والمؤسّسة العسكرية، التي تتهمهما بالتحريض على الإرهاب واستفزاز الفلسطينيين، وعلى أنهما سبب رئيس في تصاعد المقاومة.
بعد تصريحات سموتريتش، التي دعا فيها إلى محو حوّارة، وتحريضه على السلطة الوطنية الفلسطينية التي يتّهمها بالتحريض على الإرهاب، يأتي الدور على زميله العنصري بن غفير.
بن غفير يرى أنّه صاحب الأولوية هو وعائلته، ويقصد اليهود، في المرور الآمن في ما يسمّيه «يهودا والسامرة»، وأنّ هذا الحقّ ممنوع على الفلسطينيين.
لا يكفي أن يرى المرء البعد العنصري الفاشي في هذه التصريحات، وإنّما ينبغي رؤية أبعادها التي تتعلّق بأمرين:
الأوّل: أن هذين المعتوهين، يعبّران عن حقيقة السياسة الرسمية التي تعتمدها حكومة نتنياهو، وليس صحيحاً أنّ رئيس الحكومة غير قادر على احتوائهما وضبط سلوكهما العنصري.
الثاني: يتعلّق برؤيةٍ عميقة لدى الاحتلال إزاء أيّ مفاوضات أو عملية سلام، أو حتى إبداء الاستعداد، لتقديم ثمنٍ سياسي للفلسطينيين، في إطار أيّ اتفاقٍ لتطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية.
ثمة سياق، إذاً، بين اندلاع مواجهة عسكرية واسعة ذات أبعاد فلسطينية وإقليمية، وبين إمكانية المراهنة على نجاح عملية «تطبيع» مع السعودية. والأرجح أنّ المواجهة هي الأقرب إلى الوقوع، وحينذاك تتبدّل المعطيات وقواعد اللعبة بالكامل.
(الأيام الفلسطينية)