نشر موقع "
معهد الشرق الأوسط" تقريرا قال فيه إن الأسبوع الماضي شهد موجة من النشاط الدبلوماسي بين بغداد وأنقرة؛ حيث كانت الأولويات القصوى في المحادثات التي أجريت في أربيل وأنقرة وبغداد في وقت واحد تقريبًا هي صادرات
النفط، ووجود
حزب العمال الكردستاني في
العراق، وأزمة المياه في العراق.
وأوضح الموقع أن نتائج المحادثات متواضعة؛ حيث لم تقدم البيانات العامة أي أفكار جديدة ولم تعد أكثر من مجرد تكرار لمواقف ومطالب وتعبيرات عن الأمل راسخة. لكن هناك فرصة للعراق لتغيير الأمور وتحسين موقفه التفاوضي، على الأقل في ما يتعلق بقضية تصدير النفط.
ما الذي على المحك بالنسبة للعراق وتركيا؟
أولاً، بحسب الموقع، تسعى بغداد وأربيل إلى استئناف صادرات النفط من كركوك وإقليم كردستان عبر خط الأنابيب العراقي-التركي، التي توقفت منذ آذار/ مارس، عندما فاز العراق بقضية تحكيم في غرفة التجارة الدولية ضد
تركيا للسماح بالصادرات الأحادية الجانب من إقليم كردستان دون موافقة بغداد، الأمر الذي كلفها فقدان 450 ألف برميل يوميًا من الصادرات لمدة خمسة أشهر ونحو 5 مليارات دولار من إجمالي الإيرادات غير المحققة، مبينًا أن عودة الصادرات تساعد العراق في السيطرة على عجز ميزانية عام 2023 الهائل البالغ 48 مليار دولار. أما خسائر تركيا المباشرة فهي أقل، إذ تتراوح قيمتها بين مليونين وثلاثة ملايين دولار يوميا من رسوم عبور النفط، ما يضع جانبا الفرصة الضائعة المتمثلة في تنشيط تجارة النفط والغاز مع العراق.
وأوضح الموقع أن الملف الثاني العالق بين الطرفين هو ملف
الماء المهم بالنسبة للعراق، الذي يشهد عاما جافًّا آخر واختفاء البحيرات والأهوار مع تضاؤل حجم المياه المتدفقة أسفل نهري دجلة والفرات من جارتي المنبع تركيا وإيران، ما أجبر العراق على اتخاذ تدابير يائسة، مثل تركيب مضخات جديدة لاستخراج المياه من المساحة الميتة في الخزانات على طول النهرين، مشددا على أن الوضع مأساوي بشكل خاص مع الروافد التي تنبع من إيران، مثل الزاب الصغير، الذي منعت إيران مياهه لأسابيع، بينما أفادت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) في العراق أن عمق نهر الفرات بلغ 56 سم فقط في الناصرية، ما تسبب في جفاف 90 في المائة من الأهوار القريبة.
وأضاف الموقع أن المسألة الثالثة هي الأمن، وخاصة وجود حزب العمال الكردستاني على الأراضي العراقية الممتدة من السليمانية ومخمور شرقا، إلى جبال قنديل الوعرة في الشمال، وصولا إلى سنجار بالقرب من الحدود السورية غربا.
وكانت تركيا قد شنت العديد من الضربات الجوية لإضعاف حزب العمال الكردستاني داخل العراق، وتصر على أنه يتعين على بغداد أو أربيل اتخاذ إجراءات لإنهاء "فيروس" حزب العمال الكردستاني الذي ينتشر - من وجهة نظر أنقرة - على طول مئات الأميال من حدودها الجنوبية، وذلك في ظل اجتذاب وجود حزب العمال الكردستاني ووجود الجماعات التابعة له عملاً عسكريًا تركيًا ثقيلًا وزعزعة استقرار منطقة سنجار التي مزقتها الحرب في محافظة نينوى الغربية.
يستمر الجمود
وبين الموقع أنه لا توجد قوة أو إرادة سياسية للتحرك بشكل حاسم لإنهاء مشكلة حزب العمال الكردستاني؛ حيث تتعقد قدرت جميع الأطراف على التحرك بسبب التكلفة المادية والسياسية وصعوبة القتال مع معارضي حرب العصابات الراسخين، وبسبب حقيقة أن المنتسبين إلى حزب العمال الكردستاني، وخاصة وحدات مقاومة سنجار، يتمتعون بدعم محلي قوي حيث يتواجدون في سنجار.
وبينما يعتبر الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل حزب العمال الكردستاني عدوا، فقد كان الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية متعاطفا، إن لم يكن داعما.
هناك أيضًا أدلة على تزايد التعاون بين وحدات مقاومة سنجار والفصائل القوية المدعومة من إيران في قوات الحشد الشعبي، والتي دعمت الهجمات ضد القوات التركية في العراق. ومن غير المستغرب أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لم يستطع أن يفعل أكثر من إخبار مبعوث أنقرة بأن حكومته مستعدة للتعاون مع تركيا لمنع الهجمات التي تنطلق من أراضيها، في إشارة إلى تصرفات حزب العمال الكردستاني، لكنه دعا تركيا إلى تجنب القيام بعمليات عسكرية أحادية الجانب. الإجراء الذي كان محرجًا لكل من بغداد وأربيل.
وأشار الموقع إلى أن التقدم كان مخيبا للآمال في ما يتعلق بالمياه أيضا؛ حيث لم يقتصر الأمر على أن أنقرة لم تقدم أي التزامات بإطلاق المزيد من المياه لإنقاذ المجتمعات التي تعتمد على نهر الفرات – حيث تقول المنظمة الدولية للهجرة إن ثلث النازحين العراقيين البالغ عددهم 85 ألف نازح بسبب ندرة المياه يعيشون في محافظة ذي قار على طول النهر – لكن في الواقع، فإن تشكيل مثل هذه اللجنة هو مجرد إعادة صياغة لاتفاق تم التوصل إليه في عام 2021 في عهد إدارة الكاظمي.
وفي ما يتعلق بالنفط؛ حيث تسيطر أنقرة على المفتاح الحرفي، فإن المحادثات الأخيرة لم تسفر عن اتفاق؛ حيث قال مسؤولون أتراك إنهم بحاجة إلى مزيد من الوقت لفحص خط الأنابيب وصهاريج التخزين في ميناء جيهان على البحر المتوسط بحثًا عن الأضرار الناجمة عن زلزال 6 شباط/ فبراير. وهذا أمر يصعب تصديقه بالنظر إلى أن تدفق النفط استمر لمدة 46 يومًا بعد الزلزال، وتوقف في 25 آذار/ مارس بعد ساعات من إصدار المحكمة الجنائية الدولية حكمها لصالح العراق.
ومن المؤكد أن ذلك لم يكن من قبيل الصدفة. وبدلا من ذلك، تستخدم تركيا خط أنابيب العراق كورقة مساومة تمتلكها لانتزاع تنازلات بشأن التعاون النفطي والأمني من أربيل وبغداد، حيث قدمت تركيا مطالب صعبة أخرى، بما في ذلك تخفيضات كبيرة على النفط، وإسقاط جميع المطالبات ضدها، وزيادة رسوم نقل النفط إلى 7 دولارات لكل برميل (مقارنة بحد أقصى قدره 1.18 دولار أمريكي لكل برميل في معاهدة خطوط الأنابيب الحالية، والتي تم تجديدها في عام 2010)، وتعويض تكاليف صيانة خطوط الأنابيب.
واعتبر الموقع أنه من المفارقات أن قرار تركيا بإطالة أمد وقف صادرات النفط العراقية (سواء مع الحكومة الفيدرالية أو مع حكومة إقليم كردستان) قد أعاد ترتيب مصالح بغداد وأربيل بحيث تريد بغداد، لأول مرة منذ فترة طويلة، أن يصل نفط أربيل إلى الأسواق الدولية بقدر ما تريد أربيل تفعل.
ومع اتخاذ خطوات فنية إضافية تماشيا مع الاتفاق السياسي الذي تم التوصل إليه في نيسان/ أبريل، يمكن أن تكون بغداد وأربيل في موقف أقوى بكثير في ما يتعلق بالنفط مما تتصورانه حاليًا. والمفتاح هو تعظيم الاستفادة من النفط المنتج في كركوك وإقليم كردستان في قطاع المصب داخل العراق، أي المصافي، وبدرجة أقل محطات الطاقة.
وينبغي لأي إستراتيجية شاملة أن تنظر إلى النفط الخام باعتباره سلعة قابلة للاستبدال، حيث تتدفق البراميل إلى أي مكان يولد أعظم عائد اقتصادي. قد تتضمن هذه الإستراتيجية عدة تكتيكات:
أولاً، هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات لضمان استخدام الطاقة القصوى لمصافي كلك وبازيان ونينوى ودوكان في إقليم كردستان، والتي يمكنها معالجة ما يصل إلى 230 ألف برميل يومياً من النفط، لاستيعاب أكبر قدر ممكن من الإنتاج المحتجز لتلبية احتياجات السوق المحلية، وربما لتصدير فائض المنتجات المكررة.
والثاني، هو استخدام الشاحنات لنقل النفط المنتج في إقليم كردستان إلى المصافي أو محطات الطاقة في وسط وجنوب العراق. ويمكن أن يحل هذا محل المواد الخام القادمة من الحقول الجنوبية للبلاد ويحرر المزيد من هذا النفط للتصدير.
وستكون تكلفة النقل، بافتراض على سبيل المثال رحلات طولها 240 ميلا من كركوك إلى مصفاة كربلاء التي تم بناؤها حديثاً والتي تبلغ طاقتها 140 ألف برميل يوميا، ستكون أقل بكثير من مبلغ 7 دولارات الذي تطلبه تركيا. وعلى سبيل المقارنة، تبلغ تكلفة نقل النفط الخام العراقي عبر الشاحنات الناقلة لمسافة 600 ميل من كركوك إلى مصافيها في الزرقاء، 6.80 دولار للبرميل.
ثالثاً، ينبغي على المسؤولين في بغداد وأربيل النظر في التخطيط للمستقبل لضمان وجود البنية التحتية المناسبة للسماح بتدفق 150 ألف برميل إضافية من النفط المنتج في كردستان نحو مجمع بيجي، حيث تخضع مصفاة بهذه القدرة لإعادة الإعمار بهدف التشغيل قبل نهاية عام 2024.
وأفاد الموقع بأن هناك توقعات بالمزيد من الآلام المتزايدة في الوقت الذي تحاول فيه أربيل وبغداد تحقيق المزيد من التكامل في قطاعي الطاقة لديهما، لكن الحكومتين لديهما القدرة على التكيف مع استمرار أنقرة في منع الصادرات، ويمكن أن تكون المكافأة جديرة بالاهتمام؛ حيث يمكن لبغداد وأربيل تحويل النفط من قضية تحتاج فيها إلى تعاون أنقرة إلى ورقة مساومة خاصة بهما. ويمكن تقديم النفط بسعر مخفض إلى تركيا إذا قامت الأخيرة بالمثل بشروط معقولة لاستخدام خط الأنابيب على المدى الطويل، وأظهرت المزيد من التعاون في معالجة أزمة المياه في العراق.
ووفقًا للموقع؛ فإن هناك مكاسب يمكن أن تحققها تركيا أيضا، فالآن بعد أن أصبحت أربيل وبغداد أقرب بكثير إلى أن تكونا على نفس الصفحة فيما يتعلق بإدارة الصادرات، فإن انخفاض حالة عدم اليقين يمكن أن يساعد العراق على الاستثمار في زيادة الإنتاج من كركوك للحصول على المزيد من تدفق النفط عبر تركيا لجعل مشروع خط أنابيب العراق أكثر ربحية، كما أن تلبية احتياجات العراق الملحة من المياه تخلق ظروفاً أكثر ملاءمة لصالح الدولتين المتشاطئتين. وقد تفكر بغداد أيضًا في إعطاء الضوء الأخضر لإحياء المخططات السابقة لبيع غاز كردستان إلى تركيا.
واختتم الموقع تقريره لافتا إلى أن قضية حزب العمال الكردستاني قد تكون في المستقبل المنظور قضية مستعصية على الحل، لكن هذا لا ينبغي أن يمنع الجارتين من إحراز تقدم في أماكن أخرى، مشددًا على أنه ينبغي للعراق وتركيا أن ينظرا إلى وفرة النفط والمياه على أنها فرصة للتكامل والاعتماد المتبادل بدلاً من الصراع والاستغلال.