أثارت الكوارث الطبيعية التي ضربت شمال أفريقيا خلال الأيام الماضية، حيرة العلماء خصوصا أن
زلزال مراكش وقع في منطقة غير متوقعة، فيما استغرب الكثيرون من عدد الضحايا الكبير الذي سببه إعصار دانيال في
ليبيا.
"عربي21” تحاول في هذا التقرير الإجابة عن الأسئلة المحيرة بخصوص المأساة في
المغرب وليبيا.
زلزال مراكش
لم يكن زلزال الثامن من أيلول/ سبتمبر في المغرب ليمر بشكل مألوف على علماء الجيولوجيا، فكما صدم الجميع بقوته، فاجئ زلزال مراكش علماء خبراء علوم الأرض والباحثين المختصين.
لم يعهد المغرب زلازلا بهذه الشدة حيث بلغت قوته 7,2 على مقياس ريختر، رغم وقوع البلاد قرب حدود الصفائح التكتونية التي تسبب حركتها الهزات الأرضية.
قد يدفع زلزال مراكش العلماء لإعادة فهم نمط الزلازل فالمنطقة التي ضربها الزلزال "إقليم الحوز" تبعد حوالي 550 كم، عن حافة الصفيحة التكتونية الأفريقية التي تتصادم مع الصفيحة الأوراسية التي تضم أوروبا وآسيا معا باستثناء شبه القارة الهندية وشبه الجزيرة العربية.
وتعد بؤرة الزلزال في المغرب مثار حيرة للعلماء، فكما هو معروف تحدث الزلازل في المناطق الفاصلة بين الصفائح التكتونية، مثل تركيا واليابان وإيطاليا وإندونيسيا واليونان التي تسمى بالنشطة زلزاليا، بينما زلزال مراكش وقع داخل الصفيحة التكتونية وليس عند أطرافها.
وتقول
هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية إن زلزال الجمعة، كان "قويا بشكل غير عادي بالنسبة للمغرب، وأن زلزالا بهذا الحجم في هذه المنطقة غير شائع ولا متوقع".
وتعد الحركة في المناطق البعيدة عن حدود الصفائح بطيئة جدا وليس بإمكانها وغير توليد زلزال بمثل هذه القوة، التي تعادل 30 قنبلة نووية، بحسب مقال لأستاذ الجيوفيزياء بجامعة كوليج لندن في صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية.
فما الذي حدث وجعل بؤرة الزلزال في هذا المكان؟
يقول عالم الجيولوجيا المغربي بدر الصفراوي، "صحيح أن المنطقة التي وقع بها الزلزال بعيدة نسبيا عن منطقة التقاء الصحيفة، لكنها بمحاذاة سلسلة جبال الأطلس الكبير الغربي، التي يمر تحتها فالق كبير المعروف باسم الفالق جنوب أطلسي، الذي يمر بالمغرب ويعبر الجزائر وصولا لتونس".
وأضاف في حديث لـ "عربي21”, "أن وجود منطقة إيغيل بمحاذاة السلسلة الجبلية، قد يعني وجود فالق ثانوي تحتها، متصل بالفالق الكبير الذي تمتد منه شبكة فوالق، وهذا ما يفسر وقوع الزلزال في هذه المنطقة، كون الزلزال تحدث في الفوالق أيا كانت".
وحول إمكانية التنبؤ بهذا النواع من الزلازل، أكد الصفراوي، "أن كل المناطق التي تقع قرب الفوالق الكبيرة معرضة لنشاط زلزالي فبالتالي تكون الهزات هناك متوقعة جدا".
جبال الأطلس
ضرب زلزال مراكش منطقة إيغيل بجبال الأطلس، التي ترتفع بأكثر من 2000 كم عن سطح الأرض، والواقعة جنوب غربي مراكش على بعد 320 كم جنوب العاصمة الرباط وتنتشر في المنطقة قرى نائية وصغيرة وتعتمد على الزراعة.
وتمنح طبيعة المنطقة الجبلية وما تحتويه من تشققات وفوالق، قوة كبيرة للزلازل في حال حدوثه، ولكن الكثافة السكانية القليلة نسبيا في المنطقة قللت إلى حد كبير حجم الخسائر.
يؤكد الدكتور الدكتور الصفراوي، "أن قوة الزلزال تتعلق أساسا بنوعية الفوالق التي تسبب هذه الزلازل فكلما كانت صغيرة تقل قوة الهزة والعكس صحيح، بالإضافة إلى عمق بؤرة الزلزال التي تحدد أيضا قوته فكلما كانت أقرب للسطح يصبح الزلزال أشد".
وتابع، "أن عمق بؤرة زلزال مراكش كانت على بعد 8 كم متر فقط وهذا ما سبب دمارا أكبر، بالإضافة لعوامل أخرى تتعلق بالبنية التحتية للمنطقة وطبيعة البناء، ولهذا سجلت الخسائر البشرية الكبيرة في القرى المبنية بيوتها من الطين".
موقع المغرب
يقع المغرب كما تونس والجزائر أقصى شمال الصفيحة الأفريقية ويخضع جزء منه لخط زلزال حوض المتوسط، لكن على النقيض من جارته الجزائر الأكثر نشاطا، فإن المملكة المغربية يكون فيها النشاط الزلزالي معتدلا بسبب حركة كتلة جبال الأطلس، بينما يصبح منخفضا في تونس.
ويمر الفالق الأرضي بين الصفحتين شمال الجزائر في عرض البحر، عابر مضيق جبل طارق ومتجها نحو الأطلسي، لذا كان من المستغرب أن يحدث زلزال مدمر كهذا في المناطق البعيدة عن نقطة تصادم الصفائح.
وبحسب هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، فإن مركز الزلزال كان قرب بلدة إغيل في إقليم الحوز على بعد 71 كيلومترا، جنوب غربي مراكش، وعلى عمق 18.5 كيلومترا.
وذكرت
دراسة للمعهد العلمي بجامعة محمد الخامس في الرباط، أن "الصفيحة الأفريقية تقترب من نظيرتها الأوراسية بـ 8 ملم كل عام على خط طول تونس، فيما تنخفض إلى 4 ملم قرب مضيق جبل طارق باتجاه الغرب والشمال الغربي".
وأكدت الدراسة أن المملكة المغربية ليست بمأمن من آثار حركة الصفائح التكتونية وغير محصنة ضد الزلازل التي تتسبب في وقوع إصابات وأضرار في الممتلكات، قياسا بالبيانات التاريخية للنشاط الزلزالي للبلاد.
وحول النشاط الزلزالي مستقبلا، يرى الصفراوي، "أن من مسلمات الجيولوجيا أن كل زلزال كبير ستتبعه هزات ارتدادية، حيث وصلت إحداها في مراكش إلى 6 درجات على مقياس ريختر".
وأشار إلى أن، "سبب الهزات الارتدادية يعود لمحاولة القشرة الأرضية المنكسرة التي فقدت توازنها، العودة إلى حالة التوازن بعد الزلزال الكبير".
وأوضح، "أن الزلازل الكبيرة قد تسهم بإنشاء صدوع أخرى في المنطقة، وكما هو معروف لدى علماء الجيولوجيا، فإن أي منطقة قريبة من الفوالق يتوقع أن تشهد زلازل مماثلة".
زلازل سابقة
في عام 1960 ضرب ولاية أغادير زلزال مدمر، أدى لمقتل 12 ألف شخص، ولم يكن الزلزال قويا، لكن مركزه كان أسفل مدينة أغادير مباشرة.
وتسبب زلزال بقوة 7.3 درجات، في ولاية الشلف شمال الجزائر عام 1980 بمقتل أكثر من 5 آلاف شخص حيث يعتبر الأقوى في غرب البحر الأبيض المتوسط حتى الآن.
وعام 2003, ضرب زلزال منطقة بومرداس شمالي الجزائر، بقوة وصلت لـ 6.8 درجات على ريختر ما أدى لسقوط 2266 قتيلا.
كارثة درنة
صدم الكثيرون وهم يرون أعداد الضحايا المرتفع جراء الإعصار الذي ضرب مدينة درنة الليبية، إذ من المستغرب أن تتسبب "عاصفة مدارية" بهذا الدمار في منطقة لم تألف هذا المناخ.
تختلف التسميات بين "الإعصار والعاصفة" التي ضربت درنة، وهي عاصفة شبيهة بالإعصار تحدث في البحر المتوسط حصرا، وتسمى عاصفة إعصارية متوسطية، قليلة الحدوث، عرفت لأول مرة في ثمانينيات القرن الماضي.
بداية العاصفة
ظهرت عاصفة دانيال على الخرائط الجوية مطلع الشهر الجاري، في شمال المحيط الأطلسي وبالتحديد غرب أرخبيل "أسورس"، وصنفها مركز الأعاصير الأمريكي بأنها عاصفة استوائية، وتوقع أن تضرب السواحل الفرنسية.
وصفت "دانيال" بأنها حدث نادر، لكونها تشكلت عند خط عرض مرتفع بشكل غير عادي وخلال فترة لم يكن يشهد فيها شمال الأطلسي إعصارا لعدة أسابيع.
قومة متعاظمة
بدأت قوة العاصفة بالتعاظم وانحرف مسارها باتجاه اليونان وتركيا وبلغاريا مخلفة أكثر من 26 قتيلا وأضرارا جسيمة في المناطق التي ضربتها.
وقالت صحيفة "واشنطن بوست" إن "دانيال" ازدادت قوة بعد أن أخذت طاقتها من المياه الدافئة بشكل غير طبيعي في البحر المتوسط، نتيجة الاحتباس الحراري.
ويعزو خبراء مناخ قوة "دانيال" إلى الارتفاع غير المسبوق في درجات حرارة البحر المتوسط وكميات بخار الماء التي تكونت نتيجة هذه الارتفاعات الكبيرة في درجات الحرارة.
يوم الكارثة
بعد ظهر الأحد 12 أيلول/ سبتمبر الجاري بلغت العاصفة دانيال ذروتها وتحولت لإعصار قبالة السواحل الليبية، حيث ضربت مدن الساحل كدرنة وبنغازي والبيضاء والجبل الأخضر.
وصاحب الإعصار هطول أمطار غزيرة جدا وصلت إلى 400 ملم، وتلك نسبة لم تعهدها ليبيا منذ أربعة عقود.
كما ساهمت الطبيعة الجغرافية لدرنة بتفاقم الكارثة، فالمدينة الواقعة على الساحل، يقسمها وادي درنة أكبر، الأودية في البلاد إلى قسمين، حيث يستخدم لتصريف مياه السيول، التي يتحكم بها سدان أنشأتهما ليبيا لهذا الغرض.
في الساعات الأولى للإعصار بدأت الأوضاع تخرج عن السيطرة، مع سرعة الرياح العاتية وكمية الأمطار المهولة تفاقمت الكارثة، إلا أن المأساة كانت بانهيار السدين بسبب ضغط المياه.
انهار سدة درنة الكبير تبعه سد "أبو منصور" فاجتاحت سيول مدمرة أحياء المدينة على جانبي الوادي متجهة نحو البحر.
وتدفقت كميات كبيرة من المياه محملة "بالطمي" الطين، ما ساهم بمضاعفة قوتها التدميرية، فجرفت كل ما في طريقها وابتلعت نحو 25 بالمئة من مدينة درنة.
ويروي شهود عيان المشاهد الأولى للكارثة، حيث تجاوز طول الموجة التي اجتاحت المدينة بعد انهيار السد 30 مترا، ويبدو ذلك واضحا في تضرر الطوابق العليا من البنايات.
إهمال السلطات
وأثارت الكارثة تساؤلات عديدة حول دور السلطات الليبية في مدينة درنة التي يسيطر عليها خليفة حفتر، في الكارثة، ولماذا لم يبلغ السكان بإخلاء منازلهم، هذا فضلا عن المشاكل الفنية التي تعانيها السدود المنهارة، وغياب الصيانة.
وانتقد مغردون ليبيون دور حكومة أسامة حماد في الكارثة، التي اتهموها بالتقاعس عن صيانة السدود رغم معرفتها بأنها متهالكة.
وذكر آخرون أن الحكومة كانت تمتلك الوقت الكافي لتحصين المدينة، وتقليل عدد الضحايا، لكن انشغالها بالمناصب ترك السكان لمصيرهم المحتوم.
وذكرت تقارير في وقت سابق أن قوات خليفة حفتر أهملت الدعوات لإخلاء المناطق القريبة من الوادي، وطبقت حظرا صارما للتجوال ما تسبب بزدياد عدد الضحايا.