تمت استباحة مدينة
القدس، والمسجد
الأقصى يوم أمس، وهي استباحة كان معلنا عنها بشكل مسبق من خلال حملات التحشيد الإسرائيلية، التي ترافقت مع
الأعياد اليهودية.
هذا أسبوع سيئ جدا في فلسطين، عشرات الإصابات في نابلس ومواقع ثانية، إغلاق الحرم الإبراهيمي في الخليل، قصف في غزة، وعسكرة مدينة القدس، واقتحام الحرم القدسي، وطرد المصلين منذ صلاة فجر الأحد، ومنع دخول الشباب، واقتحام المسجد وأداء طقوس دينية، ثم إعادة اقتحامه بنفس الطريقة عصرا، ووضع المدينة تحت إدارة آلاف الجنود الإسرائيليين في سياقات سياسية؛ لتأكيد سيادة إسرائيل على المدينة، وسياقات دينية لشطب هُوية المسجد الأقصى، وسياقات أمنية تخوفا مما يقوله الإسرائيليون باحتمال وقوع عمليات خلال هذه الفترة.
يمر الفلسطينيون اليوم بأصعب مرحلة، إذ إن ستين بالمائة من
الضفة الغربية بيد إسرائيل، وأربعين بالمائة من الضفة الغربية أقيمت عليها مستوطنات، ومعركة القدس لا تتوقف؛ لأن الهدف النهائي شطب المسجد الأقصى وكل الحرم القدسي، من خلال سيناريوهات مختلفة تم الحديث عنها مرارا، من هدم المسجدين، القبلي وقبة الصخرة، أو أحدهما، أو السطو على المساحات الفارغة في الحرم القدسي، ومصادرتها لإقامة مبان دينية إسرائيلية فيها.
السلوك الإسرائيلي يوم أمس، وخلال الأيام المقبلة، ليس جديدا؛ لأن الخط البياني يتصاعد بشكل متواصل، وعلى الأغلب لا تحسب إسرائيل حسابا لأحد، وربما الخطوة المقبلة التي لا يريد أحد الوقوف عند خطورتها، هي رفع يد أوقاف القدس عن الحرم القدسي، ونقل السيادة الدينية إلى مؤسسات إسرائيلية، وليس أدل على ذلك من كل الممارسات التي تقوم بها إسرائيل ضد موظفي أوقاف القدس، من حيث الاعتقالات، ومنع الدخول، وتهديد إدارة الأوقاف، إضافة إلى منع أعمال الترميم وترك المسجد الأقصى بكل مبانيه للتآكل والسقوط التدريجي.
خطوة رفع يد أوقاف القدس عن الأقصى، قد تكون الخطوة المقبلة، بما تعنيه سياسيا ودينيا، وهي خطوة مقبلة على الطريق في سياقات المخطط الإسرائيلي طويل المدى.
مما يؤسف له هنا، أن إسرائيل تمكنت من خلال التطويع التدريجي، جعل الاقتحامات يومية، بعد أن كانت نادرة ومتقطعة، وهذا سيؤدي بالمحصلة في الحد الأدنى إلى تطبيق سيناريو الحرم الإبراهيمي ذاته في الخليل؛ أي التقاسم الزمني والمكاني، ونحن فعليا وسط تقاسم زمني بالساعات لمرتين يوميا، وأمام تقاسم مكاني حين يتجول الإسرائيليون دون أي موانع في منطقة الحرم القدسي، وبحيث يكون الموقع تحت سيطرتهم الكاملة، بحماية الجيش الإسرائيلي.
ما يتوجب قوله هنا بكل وضوح؛ إن المسجد الأقصى المهدد منذ عشرات السنين دخل مرحلة خطيرة هذه الفترة، وقد ظهرت مؤشرات خطورتها منذ سنوات وبشكل متدرج، لكن الحدة ارتفعت الآن، لنكون أمام مرحلة تأخذنا إلى درجة أعلى من السيطرة الإسرائيلية على الحرم القدسي، وهي سيطرة تجري بشكل ناعم؛ تجنبا لردود فعل المقدسيين من جهة، وما يرتبط بحركة الفلسطينيين في فلسطين المحتلة عام 1948، وهي نعومة يجب ألا تنطلي على أحد؛ كون المخطط الإسرائيلي يقوم على تجريع السم بشكل متدرج، وصولا إلى نهايات هذا المخطط.
(صحيفة الغد الأردنية)