تكللت
الصفقة النادرة والمفاجئة بين
إيران والولايات المتحدة بالنجاح بعد وصول الأمريكيين الخمسة المفرج عنهم إلى واشنطن.
ومساء الاثنين وصلت، طائرة قطرية تقل 5 أمريكيين كانوا محتجزين لدى السلطات الإيرانية إلى مطار حمد الدولي في الدوحة إتماما لصفقة
تبادل سجناء بوساطة قطرية.
وتتضمن الصفقة الإفراج عن 5 سجناء إيرانيين في
الولايات المتحدة، بالإضافة إلى وصول الأموال الإيرانية المفرج عنها من كوريا الجنوبية إلى الحسابات الإيرانية المسجلة في مصارف قطرية.
وذكرت وسائل إعلام أن الإيرانيين وصلوا إلى طهران قادمين من الدوحة بعد إطلاق الولايات المتحدة سراحهم.
تفاصيل الصفقة
اشترطت إيران وصول الأموال لحسابات إيرانية في قطر لإطلاق سراح المحتجزين، وهذا ما حدث بالفعل بعد وصول 6 مليارات دولار كانت محتجزة في كوريا الجنوبية لمصرفين في الدوحة.
بعد انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018، فرضت عقوبات قاسية على طهران، بهدف تقليص صادراتها من النفط الخام للحد الأدنى، في إطار حملة ممارسة الحد الأقصى من الضغط عليها.
وفي 2019, جمدت سبعة مليارات دولار من إيرادات النفط الإيرانية في كوريا الجنوبية التي كانت من بين أكبر المشترين للنفط الإيراني، بعد أن فرضت الولايات المتحدة حظرا كاملا على صادرات النفط الإيرانية وعلى قطاعها المصرفي، حيث ذكرت طهران أنها خسرت نحو مليار دولار من أصولها المودعة في سيئول، بسبب انخفاض قيمة العملة الكورية الجنوبية مقابل الدولار الأمريكي.
عقب ذلك وصل المحتجزون الأمريكيون إلى الدوحة قبل عودتهم إلى الولايات المتحدة وهم كل من:
سيامَك نمازي
وهو رجل أعمال إيراني يحمل الجنسية الأمريكية اعتقلته قوات الأمن الإيرانية وحُكم عليه بالسجن 10 سنوات أواخر 2016 بتهمة العمل لصالح واشنطن.
عماد شرقي
اقتصادي إيراني أكمل دراسته في الولايات المتحدة، واعتقل منتصف عام 2018 وحكم عليه بالسجن 10 أعوام بتهمة "التجسس وجمع معلومات عسكرية"، ثم أفرج عنه بكفالة بعد 8 أشهر بانتظار النظر في استئناف الحكم.
مراد طاهباز
يهودي من أصول إيرانية يحمل الجنسية البريطانية والأمريكية، ويعمل في مجال حماية البيئة، حيث اعتقلته استخبارات الحرس الثوري الإيراني مطلع 2018، مع 7 من زملائه بمؤسسة "ميراث بارسيان" بتهمة "التجسس وجمع بيانات سرية عن مناطق ومؤسسات استراتيجية وعسكرية تحت غطاء النشاط البيئي".
ولم يكشف الجانبان الإيراني والأمريكي عن أسماء اثنين آخرين من بين السجناء المفرج عنهم بطلب من عائلاتهما.
وذكرت شبكة "سي إن إن" الأمريكية أن المفرج عنهم، "سيكون لديهم خيار المشاركة في برنامج البنتاغون (أنشطة دعم ما بعد العزلة) لمساعدتهم على التأقلم مع الحياة الطبيعية، بعد عودتهم إلى الولايات المتحدة.
في المقابل، أفرجت الولايات المتحدة عن خمسة إيرانيين محتجزين لديها، وصل اثنان منهم إلى الدوحة، فيما بقي اثنان في أمريكا بناء على طلبهما وسيعود آخر إلى أسرته في دولة ثالثة بحسب وزارة الخارجية الإيرانية، وهم كل من:
مهرداد معين أنصاري
مواطن إيراني اعتقلته السلطات الجورجية عام 2020 وسلمته للولايات المتحدة التي حكمت عليه عام 2021 بالسجن نحو 5 أعوام بتهمة الالتفاف على العقوبات، وإيصال معدات متطورة إلى إيران يمكن استخدامها في صناعة الصواريخ والأسلحة النووية.
كامبيز عطار كاشاني
يحمل كاشاني الجنسيتين الإيرانية والأمريكية، وحكم عليه بالسجن 30 شهرا بتهمة الالتفاف على العقوبات عبر شراء معدات وبرامج إلكترونية متطورة جدا من الصناعات الأمريكية عقب تسجيله شركتين صوريتين في الإمارات لتسهيل تصدير المعدات إلى إيران.
رضا سرهنك بوركفراني
مواطن إيراني اتهمته الولايات المتحدة منتصف 2021 بتصدير معدات مختبرية بطريقة غير شرعية إلى بلاده، عبر الإمارات، إلى جانب التورط بعمليات غسل الأموال لتوفير النفقات اللازمة لشراء تلك المعدات.
أمين حسن زاده
مهندس إيراني كان يعمل في برنامج طهران الصاروخي قبل الإقامة في الولايات المتحدة عام 2010، حيث أدين زاده في أواخر 2020 بسرقة بيانات تقنية خاصة ببرنامج الجو-فضاء الأمريكي من شركة كان يعمل فيها بين عامي 2015 و2016 وإرسالها إلى شقيقه "سينا" الذي كان زميلا له في الصناعات العسكرية الإيرانية.
كاوه لطف الله أفراسيابي
أكاديمي إيراني عمل أستاذا للعلوم السياسية بجامعة بوسطن الأمريكية. اعتقل مطلع عام 2021 بتهمة انتهاك قانون "تسجيل عملاء الدول الأجنبية" وذلك بعد حصوله على الإقامة الدائمة بالولايات المتحدة، بالإضافة إلى تقاضيه راتبا من الممثلية الإيرانية في الأمم المتحدة بنيويورك مقابل الترويج لمواقف طهران والدعاية لها داخل الأوساط الأمريكية.
مارثون التفاوض
منذ آذار/ مارس 2022 كانت الدوحة مكانا مفضلا بالنسبة لطهران وواشنطن للتفاوض حول عدة ملفات عالقة على رأسها الاتفاق النووي وقضية السجناء.
وعقد الجانبان نحو ثماني جولات تفاوض غير مباشرة برعاية قطرية، بدأت بالملف النووي، ثم ركزت على السجناء، حيث كانت المحادثات النووية معقدة وقد لا تخلص إلى اتفاق قريب.
في العاشر من آب/ أغسطس الماضي أعلن عن الصفقة، حيث سمحت طهران لأربعة مواطنين أمريكيين محتجزين لديها بالانتقال من سجن "إيفين" قرب العاصمة إلى الإقامة الجبرية في المنزل والتي كان يخضع لها السجين الخامس.
في أعقاب ذلك أعلنت واشنطن عن رفع عقوبات تعيق تحويل أموال إيرانية إلى بنوك في قطر، التي أخذت على عاتقها مراقبة وضمان صرف إيران لتلك الأموال على سلع لا تخضع للعقوبات الأمريكية.
تفاؤل حذر
رحب الرئيس الأمريكي جو بايدن بالإفراج عن الأمريكيين المحتجزين في إيران، معبرا عن شكره الخاص لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وسلطان عمان هيثم بن طارق اللذين ساعدا لأشهر في تسهيل صفقة تبادل السجناء مع إيران، بحسب بيان للبيت الأبيض.
من جانبه اعتبر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إطلاق سراح الأمريكيين الخمسة مزدوجي الجنسية "عملا إنسانيا بحتا"، قد يفتح المجال لإجراءات إنسانية أخرى في المستقبل بين طهران وواشنطن.
ورغم تعبيره عن سعادته بإطلاق سراح المحتجزين الخمسة، فقد جدد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، تحذيره لمواطني بلاده من السفر إلى إيران، ودعا "أي أمريكي متواجد هناك إلى المغادرة فورا".
وقال بلينكن إنه "بينما نحتفل بالإفراج عن هؤلاء المواطنين الأمريكيين الخمسة، فإننا ندرك أن المواطن الأمريكي بوب ليفينسون لا يزال مجهول المصير منذ أكثر من 16 عاما، بعد اختطافه من جزيرة كيش بإيران".
وذكر أن واشنطن تمكنت بقيادة إدارة بايدن من إطلاق سراح أكثر من 30 أمريكيا كانوا محتجزين في جميع أنحاء العالم.
بدوره، أعرب رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، عن أمله في أن يمهد الاتفاق الأمريكي الإيراني بشأن تبادل السجناء إلى مزيد من التفاهمات.
ورحب مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل باتفاق تبادل السجناء بين الولايات المتحدة وإيران قائلا: "إن الاتحاد الأوروبي سيواصل العمل من أجل إطلاق سراح مواطنيه من حملة الجنسية المزدوجة والمعتقلين في إيران".
انعكاسات الصفقة
وفي ضوء نجاح الصفقة الأخيرة، تبرز أسئلة جوهرية، عن انعكاساتها على علاقة البلدين المتوترة، وهل يمكن اعتبارها نقطة تحول فارقة في المسار المتقاطع للولايات المتحدة وإيران؟
يرى أستاذ الإعلام في جامعة بغداد الدكتور لقاء مكي، أنه "لا يمكن القول إن الصفقة أعادت الجسور بين البلدين، بل هو كما عبرت عنه وزارة الخارجية الأمريكية، ملف منفصل عن بقية الملفات".
وأضاف في حديث لـ"عربي21”, أن "الاتفاق وضع سابقة في العلاقة بين الطرفين يمكن الاحتكام لها عند بحث أي ملف آخر، خصوصا أنه أحدث خرقا في ملف شائك كهذا، كما أنه وضع العمل الدبلوماسي كأولوية للتعامل بين البلدين، تجعله بديلا ناجحا أمام خيارات التصعيد".
وحول إمكانية تمهيده لاتفاق آخر قد يشمل
الملف النووي، فيرى الأكاديمي لقاء مكي، أنه "بالرغم من النجاح في ملف السجناء الذي يحقق جزءا من الثقة في العمل الدبلوماسي الذي يبعد العالم عن التصعيد، فإنه يجب التفريق بين الملفات الثنائية وبين الملفات غير الثنائية مثل الملف النووي".
وتابع بأنه "يجب التفريق بين طبيعة الملفات. فقضية السجناء كانت ذات طابع إنساني، وهذا ما تحدثت به واشنطن وطهران لشعبيهما، ولا ننسى أن هناك معارضة لأي اتفاق مع إيران داخل أمريكا وكذلك الأمر في إيران بالنسبة للتفاهم مع الولايات المتحدة".
وأردف، بأن "الملف النووي معقد لأنه ليس ثنائيا فهناك عدة أطراف ترتبط بالملف مثل الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين والمنظمات الدولية بالإضافة إلى دول الخليج ناهيك عن إسرائيل الحليف المهم للولايات المتحدة".
وأكد مكي، أن "الاتفاق النووي يحتاج عدة دعائم أكثر من الدبلوماسية، وعلى رأسها المصداقية والثقة وهذا غير متوفر بين طهران وواشنطن، خصوصا في الملف النووي الذي عليه تساؤلات كثيرة عن حدوده وطبيعته وتفاصيله".
واستدرك، بأن "التعقيدات بالاتفاق النووي لا تتطابق مع ملف السجناء، كما أن هناك تعقيدات في ملفات أخرى على رأسها التوسع الإيراني في المنطقة بالإضافة إلى العلاقة مع روسيا".
وعن مدى انعكاس الصفقة على الوضع العام في المنطقة، فإنه يعتقد الدكتور لقاء مكي، أن "المقاربات المستخدمة لحل قضايا المنطقة منعزلة نسبيا عن هذا الاتفاق، فإيران لا يمكنها أن تضحي بالفراغات التي ملأتها ولن تقدم فيها تنازلات جوهرية".
ويضيف، أن "قضية نفوذ إيران في المنطقة غير مطروحة للنقاش لأنها ذات طابع أمني وعقائدي بالدرجة الثانية وتتعلق بالمصالح الاستراتيجية الكبرى بالنسبة لإيران، لذا فهي لن تقدم تنازلات تعود بها إلى ما قبل 2003 في العراق، أو 2011 في سوريا وحتى 2015 في اليمن".
وأوضح، أن "التوتر في المنطقة سيستمر رغم وجود هدن مؤقتة، حيث يصعب الوصول لتسوية شاملة في المنطقة، خصوصا أن السجال حول التوسع الإقليمي ينحصر بين إيران وإسرائيل، بينما بقية الأطراف لديها طموحات مختلفة مستقبلا تتركز على الجانب الاقتصادي".
وعن الوساطة القطرية قال مكي: "إن الدوحة تمكنت من تجسير الهوة والتركيز على نقاط التقارب بين البلدين، وهذا مبدأ مهم في الدبلوماسية القطرية، لإيجاد آلية معينة للاتفاق".
صفقات سابقة
لم تكن صفقة آب/ أغسطس الماضي أولى الصفقات بين الولايات المتحدة وإيران اللتين تأزمت العلاقات بينهما بشكل كبير منذ وصول الخميني للحكم عام 1979.
وتعددت الصفقات بين البلدين لكنها في الغالب كانت تتمحور حول تبادل السجناء، حيث تتهم واشنطن طهران بأنها تستخدم السجناء الذين يحملون جنسيات غربية كرهائن وورقة تفاوض للضغط على المجتمع الدولي.
ودائما ما تعلن إيران عن اعتقال مواطنين غربيين تتهمهم بالتجسس للولايات المتحدة أو إسرائيل، والإضرار بالأمن القومي الإيراني.
في منتصف 2020, اتفقت واشنطن مع طهران على تبادل جندي أمريكي سابق محتجز في إيران، بعالمين إيرانيين محتجزين في الولايات المتحدة.
وأطلقت طهران في حزيران/ يونيو 2020, سراح الجندي الأمريكي السابق مايكل وايت، الذي اعتقلته مطلع 2019, ووجهت له عدة اتهامات أبرزها "إهانة المرشد الأعلى" واتهامات أخرى تتعلق بقضايا أمنية، حكم عليه بسبها بالسجن 10 أعوام.
في المقابل أفرجت الولايات المتحدة عن الإيرانيين، سيروس عسكري وهو متخصص في هندسة المواد اعتقل عام 2016, ومجيد طاهري الطبيب المتهم بخرق العقوبات الأمريكية على إيران.
أواخر 2019 أُبرم اتفاق بين طهران وواشنطن بوساطة سويسرية، في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تطلق الولايات المتحدة بموجبه سراح الأكاديمي الإيراني مسعود سليماني مقابل إفراج طهران عن الباحث الأمريكي شيوي وانغ.
واعتقل سليماني وهو عالم بارز في علوم الدم والخلايا الجذعية عام 2018، بتهمة خرق العقوبات، فيما اعتقل الباحث الأمريكي شيوي في طهران عام 2017، وحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات.
في عام 2016, وخلال عهد باراك أوباما، أعلن عن صفقة بين طهران وواشنطن لتبادل السجناء، حيث أفرجت إيران عن خمسة أمريكيين، أربعة منهم من أصول إيرانية، كانوا معتقلين بتهمة التجسس أبرزهم، مدير مكتب صحيفة "واشنطن بوست" في طهران، جيسون رضائيان.
من جانبها أطلقت واشنطن سراح سبعة إيرانيين اعتقلتهم بتهمة خرق العقوبات الأمريكية على إيران، وشملت الصفقة الإفراج عن مليار و700 مليون دولار، كانت جزءاً من المدفوعات الإيرانية وأرباحها إبان عهد الشاه مقابل صفقات شراء أسلحة أمريكية ألغيت بعد الثورة عام 1979.