أثار إعلان
العراق إبعاد المعارضة
الإيرانية الكردية عن الحدود في
إقليم
كردستان، جملة من التساؤلات حول مصير هذه المجاميع الموجودة بالمناطق
المحاذية لإيران منذ نصف قرن، وفيما إذا كانت هذه الخطوة تمهّد لترحيلهم من البلاد، كما حدث مع منظمة مجاهدي خلق عام 2016.
وأعلنت اللجنة الأمنية المشتركة بين بغداد
وطهران، الثلاثاء، "إيفاء العراق بالتزاماته" وإخلاء الحدود نهائيا من
المعارضة الإيرانية التي كانت تتخذ من إقليم كردستان مقرا لها، وذلك بعد نزع
سلاحها وتفكيك معسكراتها، وانتشار قوات الحدود العراقية بتلك المناطق.
مرحلة أولى
وتعليقا على ذلك، قال المحلل السياسي العراقي، رعد هاشم؛ إن "وضع
المعارضين الأكراد يختلف عن منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، فالأخيرة كان لها تعاون
مع النظام العراقي السابق، وعملياتهم الكبيرة ضد الجانب الإيراني، أما المعارضون الحاليون،
فهم مندمجون مع أكراد إقليم كردستان، وإن كان أغلبهم لاجئين، واللاجئ لا يمكن أن يرحّل
من البلد".
وأضاف هاشم لـ"عربي21"، أن "إيران لن تكتفي بهذه الخطوة،
وربما تكون المرحلة الأولى هي نزع سلاحهم وإبعادهم إلى عمق نحو 40 كيلومترا داخل
إقليم كردستان، وهذا يبدو جس نبض، ثم يصار إلى إخراجهم من المناطق الكردية
نفسها".
وأرجع ذلك إلى أن "المقاتلين الأكراد متمرسون على قتال الجبال،
لذلك هذه المسافة لا تبعدهم عن الدفاع عن قضيتهم، وأن بقاءهم في إقليم كردستان
سواء كانوا لاجئين أم مبعدين، لا يمنعهم من التواصل مع العمق الكردي في إيران؛ لأنهم
مدعومون من أكراد العراق، بحكم أواصر القومية".
وأكد هاشم أن "التعاطف الكردي يبقى قائما ويسهّل المصاعب، وصولا إلى
العمق الإيراني، لذلك طهران لا تثق بأي حلول من إقليم كردستان؛ لأنها تدرك طبيعة
المقاتل الكردي المعارض لها، وكذلك لا تأمن هؤلاء السياسيين والمعارضين، حتى لو
انتزعت أسلحتهم؛ لأنهم قادرون على جلب غيرها".
ولفت إلى أن "الإلحاح الإيراني الكبير في موضوع
المعارضة الكردية، مبعثه التزامن مع الذكرى الأولى لوفاة الفتاة الإيرانية من أصل كردي مهسا أميني، وهذا
جعل إيران قلقة، وحتى تشغل الأكراد عن أي تفكير بخلق احتجاجات أو إقلاق للوضع
الداخلي، فهي من حددت يوم 19 أيلول/سبتمبر الجاري موعدا لإخراجهم".
من جهته، قال الكاتب والباحث السياسي من إقليم كردستان العراق، كفاح
محمود لـ"عربي21"؛ إنه "من الصعب جدا اتخاذ إجراء مشابه لما جرى مع
منظمة مجاهدي خلق وترحيلهم خارج العراق".
وأوضح محمود أن "الشرط الأساسي لبقاء المعارضة الإيرانية، هو عدم
قيامهم بعمليات تنطلق من كردستان، كونه يتنافى مع خطاب الإقليم السياسي وخطاب
العراق أيضا"، مؤكدا أن "سلطات أربيل لا تستطيع منعهم إذا اختاروا
الهجرة بشكل فردي إلى أوروبا أو أي مكان آخر".
منطقة بديلة
وبخصوص الحديث عن نقلهم خارج الإقليم، قال هاشم؛ إن "التسريبات
التي تحدثت عن إبعادهم إلى الأنبار غربا أو صلاح الدين شمالا، رغم أنه أمر مستبعد،
لكننا نحذر من هذه الخطوة؛ لأن مناطق السنة وممثليهم من السياسيين في أضعف حالاتهم، ويمكن أن تمرر هذه المسألة".
وأشار هاشم إلى أن "إيران لن يهدأ لها بال ولا تهنأ والمعارضون
الأكراد موجودون على أراض كردية؛ لأنهم يعرفون أنهم سيحصلون على الدعم من
امتداداتهم القومية، أو يُستقطبوا من دول قوية مثل الولايات المتحدة ويعودا بطريقة
أو بأخرى إلى نشاطهم".
وفي السياق ذاته، قال محمود؛ إن "الحديث عن نقلهم إلى غرب العراق
متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، وربما بعض الوكالات أيضا تتناقله، لكن واقع
الحال يشير إلى أنه ليس هناك أي شيء من هذا القبيل".
وأردف: "جرى الاتفاق مع إيران على نزع أسلحة القوى المعارضة،
وجمعهم في مخيم أو اثنين تحت إشراف الأمم المتحدة ومنظمة اللاجئين الأممية، وأن يكونوا
بعيدين على الأقل 40 كيلومترا ضمن عمق إقليم كردستان".
وبين الباحث أن "هؤلاء العناصر المسلحة هم في الأساس لاجئون، وليس
قبل أشهر عدة، وإنما منذ عقد السبعينيات والثمانينيات، حينما جاؤوا سواء في عصر
الشاه أو بعد ذلك في حكم الخميني، واستوطنوا في هذه المنطقة".
وتابع: "الذي جرى أن هذه المعارضة في عهد الرئيس السابق صدام
حسين، كان يجري دعمها وتسليحها كما كان يفعل مع منظمة مجاهدي خلق، وبعد الحكم
الذاتي في إقليم كردستان عام 1991 نشطت هذه المجاميع بالمنطقة، لكن كان رأي
الحكومة المحلية في الإقليم، أن تحاول منعهم من القيام بأي عمل".
وأشار إلى أن "المنطقة التي يوجد فيها المعارضة الإيرانية وحتى
حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل، هي شديدة التعقيد من ناحية التضاريس، وليس
بمقدور قوات البيشمركة والجيش العراقي أو الإيراني أو التركي السيطرة عليها، إلا
باستخدام الطيران أو الطائرات المسيرة حديثا".
نسخ التجربة
وعن مدى تطبيق الأمر ذاته تركيا وإبعاد العمال الكردستاني ونزع
سلاحهم، قال الباحث رعد هاشم؛ إنه "أمر غير مستبعد، لكن الأخيرة استبقت إيران
في معالجة المعارضين الذين يخلقون لها الاضطرابات، فهذا الحزب التركي مصنف إرهابيا
حتى من الاتحاد الأوروبي، ومن ثم منزوعة عنهم صفة اللاجئين".
وأضاف أن "تركيا ليست بحاجة لمثل هذا الاتفاق، رغم أنه قد يكون حلا
مقبولا؛ لأنها اعتمدت على نفسها في اقتناص معارضيها وتحييدهم وتحجيمهم، رغم أن عناصر
العمال الكردستاني فاعلون، وأيضا يتلقون الدعم من مليشيات إيران".
وأردف: "لكن الأتراك غير مستكينين وطلبوا من العراق أن يعدّ العمال
الكردستاني منظمة إرهابية، والأخير متردد، وحتى إن تردده هذا سيفضي إلى ممانعة
السلطات العراقية، بدليل أنهم يدعمونها ويصرفون لها رواتب وأسلحة".
ورأى هاشم أن "تركيا ممكن أن تضغط على العراق حتى يعدّ حزب
العمال منظمة إرهابية، لكنهم يعرفون أن الضغط الإيراني لا يمكن أن يحقق لهم قبولا
عراقيا بفكرة أن تكون منظمة إرهابية، وأن الأمر سيطول، لذلك هم يعملون على الخطين،
الأول دبلوماسي وسياسي، والثاني عسكري باستهداف هذه العناصر".
من جهته، قال الباحث الكردي، كفاح محمود؛ إنه "من الصعب جدا
تطبيق ذات الاتفاقية مع تركيا لنزع السلاح وإبعاد حزب العمال الكردستاني، خاصة إذا
عرفنا أن قوات الحشد الشعبي متعاون جدا مع الأخير، إلى درجة أنه شكّل لواء عسكريا
منهم وأمدهم بالسلاح".
وأكد محمود أن "هذا اللواء يتلقى رواتب شهرية من قيادة الحشد
ويوجدون في سنجار (قضاء تابع إداريا لمحافظة نينوى)، ولديهم مؤسساتهم الأمنية
والعسكرية، وهذا السبب الرئيس لعدم تطبيق اتفاق سنجار الذي وقع بين بغداد وأربيل عام
2020، والذي نصّ على إخراج العناصر المسلحة الخارجية".
ووصف الباحث الكردي أن "ما تقوم به السلطات العراقية تجاه
المجاميع المعارضة الإيرانية، وحزب العمل الكردستاني، هو كيل بمكيالين؛ لأن الحشد
الشعبي يتعامل مع واجهات وأذرع تابعة لحزب العمال التركي".
وكانت الحكومتان العراقية والإيرانية، قد وقعتا
في آذار/مارس 2023 محضرا أمنيا؛ بهدف "حماية الحدود المشتركة بين
البلدين"، كُشف لاحقا عن تضمنها 3 نقاط، هي: "منع تسلل المسلحين بعد
نشر قوات حرس الحدود"، و"تسليم المطلوبين بعد صدور أوامر القبض"،
و"نزع السلاح وإزالة المعسكرات".