شاءت إرادة الله تعالى أن يبتلى شعب
المغرب الشقيق مؤخراً بزلزال مدمر سوّى
عدداً من قراها النائية بالأرض، فقد ضرب عمق مناطق جبلية تضم قرى متناثرة بعيدة عن
الخدمات الحكومية، وزاد من المعاناة وأهمها كثرة الضحايا أنها قرى بنيت غالباً
بالطين، من مثل قرية إنغيد في منطقة الحوز جنوب مراكش، وبحسب وزارة الداخلية المغربية
فقد وصل عدد الضحايا إلى 2901 -الذين نحتسبهم ونرجو الله أرحم الراحمين أن يشملهم
في الشهداء- بعد أربعة أيام فحسب، ومن الشهداء مَنْ لم يتم دفنه حتى وقتها، ولم
يكد يوم 8 أيلول/ سبتمبر الجاري يمضي بآلام أشقائنا وأحبابنا في المغرب حتى جاءت
الساعات التالية بكارثة أخرى ليست أقل خطورة، إذ شاء تعالى أن يضرب الإعصار "دانيال"
المنطقة الشرقية في
ليبيا العزيزة ، خاصة بنغازي ودرنة التي تم عزلها عن
العالم نتيجة انهيار سدين مهمين في المدينة وبالتالي تدمرت المنطقة بالكامل، مما خلف آلاف الشهداء وما زال الآلاف
في عداد المفقودين.
وقتها كانت تعاني فرق الإغاثة البريطانية والإسبانية والقطرية والإماراتية
وتردد مشاركة الكيان الصهيوني بشكل سري.. عانى أولاء جميعاً من قلة عددهم مقابل
الأزمة المغربية العارمة، وزاد منها صعوبة التضاريس بل وعورتها، كما قلّ أعداد القابلين
للحياة والإغاثة، فيبدو أن الضحايا الذين كانوا يصرخون ليدلّوا المنقذين عليهم
لقوا ربنا فارتاحوا من عناء هذه الحياة، أما لماذا لم تسمح السلطات المغربية
بقيادة الملك الشاب محمد الخامس لجميع الدول التي عرضت المساعدة للتقدم بها؟ فذلك
سؤال عام مرير، فقد قالت السلطات إنها تسمح بالحد الذي تحتاجه فحسب من بين 60 إلى
70 دولة بحسب وكالات أنباء عالمية، لكن السؤال الأكثر مرارة فهو ما طرحته ضمناً
و"خبثاً" "البي بي سي" العربية في تقرير مصور من الأستديو
لمتابعة الحالة، إذ تساءلت عن الفريق الخاص بالصهاينة المتواجد سراً ورفض مشاركة
فرق عربية أخرى بما فيها الجزائر الشقيقة بحجة قطع العلاقات الرسمية منذ عامين، أي
أن العدو موجود والأحباب ممنوعون إلا قطر والإمارات.
أما في الشأن الليبي فالخَطب أجل وأفدح -للأسف المرير- فالذين يقولون بأن
المأساة غير مسبوقة منذ 400 عام غير صادقين أو دقيقين للأسف، فخلال المدة التي حكم
العقيد معمر القذافي فيها البلاد والتي تقارب 52 عاماً (1969-2021م) مر بها -فيما
مر- في عام 1974م هطلت أمطار شديدة على طرابلس والمنطقة الشرقية -المأزومة الآن-
أدت لأضرار بشرية ومادية جسيمة تذكر بما حدث عام 1945م، ثم جاء "إعصار
كلاودس" في عام 1995م، وصلت سرعة الرياح فيه إلى 185 كيلومتراً في الساعة، ووقعت
خسائر بشرية هائلة ودمار أشد بالمنشآت النفطية فضلاً عن المناطق الزراعية والأهم
البشر، وقيل وقتها كالعادة "إنه الأسوأ".
وتكرر الأمر عام 2018م في درنة نفسها، أي أن شماعة القذافي وما أحدثه من
بلايا في البلاد والعباد وأهمها انعدام الاعتراف الرسمي بالمؤسسية سقطت، فإذا كان -عموماً-
في دول مثل المغرب موجوداً على ضعف وحياء شديدين وإهمال وفساد فإنه غير موجود على
الإطلاق في ليبيا، فلما تم قتل القذافي بإيعاز غربي في 2011م، لم يكن هناك مَنْ هو
أهل للمسئولية ليضم إليه أطراف البلاد ويجمع على رجاحته البلاد فصارت لما هو أسوأ،
وكان من هذا التدخل العسكري الخارجي واحتدام الخلاف مع الجارة مصر في أحيان كثيرة.
وصدق الراحل الكاتب المصري الأشهر بمواقفه المختلف عليها والمتفق محمد حسنين هيكل:
هل من دولتين عربيتين لهما حدود مشتركة وليس بينهما صِدام ينذر بقطع علاقات أو
حرب؟ وإلا فماذا بين الجزائر والمغرب حتى في وقت الأزمات الأشد؟
إن الذين يلقون باللوم على العناية الإلهية يقعون في خطأ بالغ، ففي القرن
الحادي والعشرين حينما يأذن الله بحدوث خطر ببلادنا العربية نكتشف أننا لم نغادر
القرون الوسطى الغربية بحال من الأحوال، فلا إمكانية ولا قدرة على الاحتواء وإنقاذ
الأحياء فوق الأرض أو تحتها، فمن المضارين تحت المياه والتراب إلى الناجين، يعاني
الجميع لدينا لما لا نهاية، فيما تنشغل السلطات ويفكر الرؤساء في تصفية الحسابات،
واتقاء شر الأعداء والمزيد من العداوة للأحباب، فقط ليبقوا في مناصبهم ولتذهب
شعوبهم إلى حيث لا تشاء، وأين منا ما نعرفه عن الغرب الذي يحرك الطيران والسفن
وأحياناً القواعد العسكرية لأجل مصالحه والأهم أحد أفراده؟ أما لدينا فالمسئولون
الليبيون يكتفون بالمشاهدة والتصريح من بعيد ولوم الأقدار ولا يكلفون أنفسهم مجرد
عناء زيارة المضارين، فيما مثيلاتها المغربية تزيد من تصريحاتها بأن تعلن أنها
بصدد "محاولة" لإيواء المشردين الأسبوع المقبل!
ولها الله شعوبنا التي تحب بعضها بعضاً وتتألم لمصابها من المحيط للخليج،
حتى ليبيت على كمد أكثر من 400 مليون عربي، فيما الأنظمة للأسف الشديد في واد آخر!