قالت مجلة "
بوليتيكو" الأمريكية، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن "الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ومساعدوه، حاولوا منذ فترة طويلة جلب بعض الهدوء إلى الشرق الأوسط، إلى حد كبير حتى تتمكن الولايات المتحدة من التركيز على الصين التي تعتبر التحدي الأكبر بالنسبة لها على المدى الطويل. وأصبحت هذه الإستراتيجية في خطر بسبب الهجوم المذهل الذي شنه المقاتلون
الفلسطينيون التابعون لحركة حماس على إسرائيل فجر السبت".
وفجر السبت، أطلقت حركة "حماس" وفصائل فلسطينية أخرى في
غزة عملية "طوفان الأقصى"، ردا على "اعتداءات القوات والمستوطنين الإسرائيليين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته، ولا سيما المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة".
وذكّر التقرير، بأنه "في الأفق يلوح احتمال نشوب حرب إقليمية أوسع، الأمر الذي يتطلب إيلاء بايدن المزيد من الاهتمام للمنطقة، فيعد ما حدث مثيرا للاستياء بالنسبة للبيت الأبيض الذي كان يظن أنه حقق نجاحات كبيرة، وشمل ذلك تجميد الحرب في اليمن وإحراز تقدم في الجهود القائمة لمساعدة إسرائيل على بناء علاقات دبلوماسية واقتصادية وغيرها من العلاقات مع إسرائيل والدول العربية التي كانت معادية لها؛ بمشاركة الفلسطينيين.
وتابع بأن فريق بايدن وصف الإستراتيجية بأنها تعزز "التكامل الإقليمي"، لكن الصراع الذي يدور في الوقت الحالي يشكل تهديدا بانهيار جميع هذه الإنجازات. ولذلك
هذه أسئلة تشغل ذهن متخصصي الأمن القومي في واشنطن وخارجها.
إلى أي مدى سوف يتسع نطاق هذه الحرب؟
أوضحت
المجلة أن المعركة التي أصبحت الآن بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحماس لديها القدرة على التحول إلى حرب أوسع، مما قد يزيد من حجم الاضطرابات في منطقة تضم العديد من الحروب والعديد من القوات الأمريكية، وقد تتوق حماس إلى أن يهب داعموها الإيرانيون والحكومات العربية المتعاطفة معها لمساعدتها المباشرة. ويمكن للجماعات المسلحة الأخرى، بما في ذلك حزب الله الذي يتخذ من لبنان مقرًّا له، أن توفر القوة البشرية أو تغتنم الفرصة لتحفيز العنف في أماكن أخرى.
في هذا السياق، وردت تقارير، الأحد، تفيد بأن حزب الله أطلق قذائف هاون على مواقع إسرائيلية، ومن الممكن أن يمتد القتال إلى ما هو أبعد من قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس وإلى الضفة الغربية.
وأكدت المجلة أن لكل حكومة أو مجموعة أسبابها التي تمنعها من الدخول في مثل هذه المعركة، بما في ذلك عدم الرغبة في تعريض العلاقات مع واشنطن للخطر أو إراقة الدماء والأموال في حرب ليس لها نهاية واضحة. ويسعى المسؤولون الأمريكيون جاهدين لاحتواء هذه الحرب.
في الشأن ذاته، حذر بايدن، السبت الماضي، "أي طرف آخر معاد لإسرائيل يسعى للاستفادة من هذا الوضع"، وأردف مسؤول أمريكي مُطّلع على القضية، والذي يُفضل عدم الكشف عن هويته لمناقشة قضية حساسة: "لقد تم التحدث مع أي شخص لديه تأثير بطريقة أو بأخرى". من جانبها، حذرت إسرائيل الجهات المعادية الأخرى من التدخل، وقال مسؤول إسرائيلي إن "توسيع ساحة القتال ضد إسرائيل سيقابل برد قاس بشكل خاص، بما في ذلك أعمال حازمة وفتاكة من جانب إسرائيل".
هل إيران هي المسؤولة؟
أوضحت المجلة أن بعض الصقور في واشنطن وخارجها سارعوا إلى وصف طهران بأنها المذنب الحقيقي وراء هجوم حماس. ففي نهاية المطاف؛ ظلت إيران تقدم الدعم المالي والعسكري لحماس منذ فترة طويلة. وبحسب ما ورد قال متحدث باسم حماس إن إيران دعمت هجوم نهاية الأسبوع، وقد رحب به المسؤولون الإيرانيون. وقال تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، الأحد، نقلًا عن أعضاء كبار في حماس وحزب الله، إن "مسؤولين أمنيين إيرانيين ساعدوا في التخطيط للهجوم".
واستدرك الموقع قائلًا إن جماعات مثل حماس تحتفظ بمستوى معين من الاستقلال عن طهران، ولم يلق المسؤولون الأمريكيون باللوم بعد على إيران. من جهته، صرح وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، الأحد، في برنامج "قابل الصحافة" الذي يبث على شبكة "إن بي سي": "في هذه اللحظة، ليس لدينا أي شيء يظهر لنا أن إيران كانت متورطة بشكل مباشر في هذا الهجوم، في التخطيط له أو في تنفيذه، ولكن هذه مسألة ندرسها بعناية شديدة"، وهذا لا يعني أن إيران ستفلت من العقاب. على سبيل المثال؛ يمكن للولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة على طهران جراء تقديمها الدعم بشكل عام لحماس.
هل ستُلْغَى الصفقة السعودية الإسرائيلية؟
أكدت المجلة أن هجوم حماس يهدد مبادرة السلام التي تدعمها الولايات المتحدة والتي من شأنها أن تشهد قيام السعودية بتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل مقابل ضمانات أمنية أمريكية وخدمات أخرى. لكن من السابق لأوانه القول بأن الخطة خرجت عن مسارها، رغم أن تنفيذها سيتأخر. ومع هجوم حماس، أصدرت السعودية ودول عربية أخرى، بيانات أكثر تعاطفا مع الفلسطينيين من إسرائيل، لكن مثل هذه الاستجابات الفورية لا تتجاهل العوامل الأخرى التي يأخذها السعوديون وإسرائيل والولايات المتحدة في الاعتبار عند صياغة اتفاق سلام كبير.
تجدر الإشارة إلى أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لا يركز على الأزمة الفلسطينية مثل القادة السعوديين السابقين، فهو على غرار إسرائيل، يرى في إيران (الداعم الرئيسي لحماس) تهديدًا لبلاده، وتتعاون السعودية وإسرائيل بشكل غير رسمي بالفعل بشأن إيران. بالتالي؛ من شأن جعل العلاقات بينهما رسمية أن يقوي الحصن المناهض لطهران، وقد أبرمت إسرائيل بالفعل اتفاقيات تطبيع دبلوماسي مع البحرين والإمارات والمغرب، ولديها العديد من الحوافز، بما في ذلك الاقتصادية، لإبرام مثل هذه الصفقة مع السعودية، موطن أقدس المواقع الإسلامية.
وأشارت المجلة إلى أنه بالنسبة للولايات المتحدة، فإن أي شيء يجلب المزيد من الهدوء إلى الشرق الأوسط هو موضع ترحيب لأسباب تؤثر على سياسات تتراوح من مكافحة الإرهاب وصولًا إلى الطاقة. ويتمثل العامل الرئيسي الآخر في رغبة واشنطن في تعويض النفوذ الصيني المتزايد في الشرق الأوسط. وفي هذا الشأن صرح؛ مسؤول كبير في إدارة بايدن لصحيفة "بوليتيكو"، الأسبوع الماضي، قبل هجوم حماس: "الصين لا تحاول فرض نفوذها فحسب، بل تقدم عروضا ضخمة جدًا لهذه الدول". ورفض المسؤول ذاته تقديم تفاصيل عن شكل الصفقة الكبرى، بما في ذلك الضمانات الأمنية التي ستقدمها الولايات المتحدة للسعوديين.
وأكد المسؤول ذاته أن "الفلسطينيين يمثلون جزءًا لا يتجزأ من هذه الصفقة"، لكنه لم يحدد من هم الفلسطينيون، ولكن من المرجح أنه يشير إلى أشخاص ينتمون إلى السلطة الفلسطينية. وتعتبر الهيئة، التي تحكم في الضفة الغربية، منافسا ضعيفا لحماس ومحرضا مستمرا ضد إسرائيل، لكن مصيرها قد يتأثر بالحرب الجديدة؛ فقد أشار أحد كبار المسؤولين السابقين في وزارة الخارجية، إلى أن "مسألة من سيحكم غزة عندما تنتهي الحرب، ستظل عالقة".
كيف لم تتوقع إسرائيل حدوث ذلك؟
بحسب المجلة؛ لا توجد إجابة سريعة على السؤال المتعلق بكيف يمكن لهجوم حماس المتطور والمتعدد الجوانب أن يحدث دون أن تتمكن أجهزة المخابرات الإسرائيلية الضخمة، أو أجهزة المخابرات الأمريكية، من المعرفة به مسبقًا.
ويتوقع جوناثان شانزر، من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات أنه "سيكون هناك نوع من لجنة التحقيق الوطنية فيما يتعلق بالإخفاقات الاستخباراتية التي حدثت"، مشيرا إلى أن إسرائيل كانت تعتقد أن حماس كانت دائمًا تمثل تهديدًا "تكتيكيًّا" خطيرًا، ولكن ليس التهديد الذي يمكن أن ينهي قدرة إسرائيل على البقاء. لكن ربما لم تقدر إسرائيل بشكل كامل أن حماس، بمساعدة إيران، تطورت إلى تهديد أكثر إستراتيجية، على حد تعبير شانزر.
ومن الممكن أن تستمر هذه الجولة من القتال لفترة أطول من 11 يومًا، لأسباب ليس أقلها أن إسرائيل قد تقوم بتوغل بري ولأن حماس تحتجز العديد من الرهائن.
هل سيؤثر هذا على أوكرانيا؟
أفادت المجلة أن الولايات المتحدة تعمل بالفعل على تكثيف توفيرها للمعدات العسكرية والذخائر وغيرها من الموارد لإسرائيل، كما تنشر سفنًا وطائرات بالقرب من إسرائيل لإظهار دعمها. وتأتي هذه التحركات وسط صراع حزبي حول ما إذا كان ينبغي على واشنطن الاستمرار في تقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية لأوكرانيا، فسرعان ما حث الجمهوريون، الذين أعربوا عن مخاوفهم المتزايدة بشأن الدعم المستمر لأوكرانيا، على تقديم الدعم لإسرائيل.
وفي الوقت الحالي؛ يصر المسؤولون الأمريكيون على أن مساعدة إسرائيل على الجبهة العسكرية لن تؤثر على المساعدات المقدمة لأوكرانيا. وقد يشعر الأوكرانيون بخيبة أمل إزاء المعاملة الأمريكية المختلفة مقارنة بإسرائيل. علاوة على ذلك؛ رفضت إسرائيل تقديم إرسال نظام القبة الحديدية، وهو نظام دفاع جوي، إلى أوكرانيا للمساعدة في حماية المدنيين والمواقع العسكرية من الهجمات الروسية.
ماذا عن دور الصين؟
نقلت
المجلة عن مسؤولين صينيين أنهم على "استعداد للمشاركة في محادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وذلك بعد الدور الناجح الذي اضطلعت به الصين في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، لكن رد فعل الصين على أعمال العنف الأخيرة أثار استياء الإسرائيليين. وفي بيان الأحد، صرحت وزارة الخارجية الصينية أن على إسرائيل وفلسطين، وهي التي استخدمت هذا المصطلح بدلا من حماس أو الفلسطينيين، "الحفاظ على الهدوء وممارسة ضبط النفس وإنهاء الأعمال العدائية على الفور لحماية المدنيين وتلافي تدهور الوضع أكثر"، ومضت بكين في الدعوة إلى حل الدولتين.
بالنسبة للإسرائيليين، هذا أمر مثير للغضب، حيث يعتقدون أن لديهم كل الحق في الرد على حماس. في الصدد ذاته؛ أعرب المسؤول رفيع المستوى في السفارة الإسرائيلية في بكين، يوفال واكس، عن خيبة أمله من بيان الصين. وقال واكس للصحفيين: "عندما يُقتل الناس ويُذبحون في الشوارع، فهذا ليس الوقت المناسب للدعوة إلى حل الدولتين".
وخلصت المجلة إلى القول إن الصين تظل لاعبا حاسما بشكل متزايد في المنطقة، ومن غير المرجح أن تنأى إسرائيل، أو السعودية أو إيران، بنفسها عنها في أي وقت قريب.