يواجه مستشفى كمال عدوان شمال قطاع
غزة معادلة صعبة دائما ما تكون نتائجها سلبية تهدد خدماته لمئات الجرحى والمصابين والنازحين إلى ساحاته هربا من حرب الإبادة التي يشنها
الاحتلال الإسرائيلي.
وأكد مدير المستشفى، أحمد الكحلوت، وجود أزمة كبيرة متعددة الجوانب تهدد استمرار عمل المشفى في إغاثة المصابين جراء العدوان الإسرائيلي المستمر لليوم 13 على التوالي.
وقال الكحلوت في حديثه لـ "عربي21" إن هناك نقصا شديدا في الكوادر والمستلزمات الطبية، وهي أزمة متجددة وموجودة قبل العدوان الحالي.
وأشار إلى أن نسبة العجز في الأدوية والمستلزمات كانت خلال الفترة الماضية 40 بالمئة، وتضاعفت حاليا لتصل إلى أكثر من 80 بالمئة.
وكشف أن المستشفى توقف عن إجراء العمليات الجراحية إلا للحالات التي يرى الطاقم الطبي أن لها فرصة بالنجاة وتتوفر إمكانيات طبية من أجل رعاية ما بعد العملية.
وأضاف أن الطواقم الطبية بسبب هذه الظروف تضطر آسفة للعمل بسياسة "ما يمكن إنقاذه"، لذلك فإن أولوية العلاج تتخذ بناء على ذلك، وليس على الحالات الأكثر خطورة كما يجب أن يكون.
وتشهد المنظومة الصحية في قطاع غزة انهيارا كاملا جراء الحصار الخانق المفروض على القطاع، إضافة إلى تعمد الاحتلال الإسرائيلي استهداف المستشفيات والمرافق الطبية بشكل ممنهج، إذ تسبب العدوان المتواصل بخروج 3 مستشفيات عن الخدمة كليا وتضرر 25 جزئيا في عموم غزة، بحسب الصحة
الفلسطينية.
تضامن مجتمعي
أوضح الكحلوت أن المستشفى الذي افتتح عام 2002 ليلبي حاجة المنطقة الشمالية التي تتعرض لأزمات الاجتياحات المتتالية ويخدم أكثر من 350 ألف نسمة تقريبا، يحتاج إلى ألف لتر من السولار يوميا لتشغيل المولدات الكهربائية في ظل انقطاع التيار بشكل كامل من قبل الشركة الرسمية المزودة له.
وذكر أن منظمة الصليب الأحمر مستعدة لسد جزء كبير من هذه الاحتياجات، إلا أنها لا تعمل في مناطق غزة وشمالها، وتطلب إرسال مركبات أو شاحنات من أجل نقل هذه الاحتياجات من مخازنها المتروكة في المدينة المُهجّرة.
وكشف الكحلوت أن الجهات المحلية والشركات وحتى الأهالي يعملون على تزويد المستشفى بكميات من الوقود وبعض المستلزمات من أجل ضمان استمرار العمل، قائلا إن "الأقمشة هي من ضمن هذه التبرعات من أجل عمل الأكفان التي نفدت في المستشفى".
وأوضح أن تبرعات الوقود تصل إلى 200 أو 300 لتر من السولار وهي لا تمثل أكثر من 30 بالمئة من احتياجات المستشفى اليومية، مؤكدا أن هذه التبرعات جهود مقدرة ومهمة من أجل صمود المستشفى.
وكشف أن ما يتوفر من مخزون طبي في المستشفى يكفي لاستمرار العمل من أسبوع إلى عشرة أيام كحد أقصى، قائلا إنه لو تم إعطاء كل مريض حاجته الكاملة من الرعاية الطبية ووقف سياسة الاقتصاد الشديد في الاستخدام واستهلاك الموارد لما تمكن المستشفى من العمل أكثر من ثلاثة أيام.
ضغط جسدي ونفسي
وبين أن كل هذه الظروف الصعبة تتكاثر على الكادر الطبي الذي يعمل تحت ضغط جسدي كبير لليوم الـ13 على التوالي، وتحت ضغط نفسي بعد تهديدات الاحتلال بقصف المستشفى ومطالبته بإخلائه.
وكانت وزارة الصحة الفلسطينية كشفت أن الاحتلال أنذر حتى الآن 24 مستشفى بالإخلاء في غزة، بينها مستشفى الشفاء.
وقال الكحلوت في حديثه لـ"عربي21" إن إدارة المستشفى والأطباء والعاملون أجمعوا على قرار عدم الخضوع لتهديدات الاحتلال، وأنهم أقسموا قسما طبيا بمواصلة العمل حتى آخر ذرة قوة لديهم، وحتى نفاد المستلزمات والأدوات المتوفرة.
وأكد أن هناك مئات المواطنين الذين يحتمون منذ أيام طويلة بمحيط وساحة المستشفى رغم علمهم بتهديدها واحتمالية تكرار مجزرة المستشفى الأهلي الأخيرة.
والثلاثاء، قصف الاحتلال الإسرائيلي مستشفى الأهلي المعمداني وسط قطاع غزة، ما أسفر عن ارتقاء أكثر من 500 شهيد وإصابة المئات.
"الجدار الأخير"
من جهته، يقول محمد حجازي الذي بقي مع عائلته في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة: "نقضي فترات النهار في البيت وفترة المساء في مستشفى كمال عدوان".
وأضاف حجازي (36 عاما) في حديثه لـ "عربي21" أن "المستشفى هي جدارنا الأخير حال تم قصفها نكون فعلنا كل ما بوسعنا".
وعن الأوضاع المعيشية الصعبة يؤكد حجازي أن "الطقس بدأ يتغير ويصبح باردا في الليل، حيث يقضي الرجال هذه الفترة في ساحة المستشفى، بينما تبقى النساء في الساحة والأروقة الداخلية".
وأشار إلى أن الأمطار التي شهدتها المنطقة الشمالية في الأيام الماضية أجبرتهم على دخول أقسام المستشفى، وسط حالة من الازدحام الكبير والخانق.
وتابع: "طبعا الأوضاع صعبة منذ مدة نشرب الماء العادي غير الصالح للشرب بهدف العيش والبقاء فقط، ورغم ذلك فإن جهود المقاومة ترفع معنوباتنا".
وقال في معرض حديثه لـ"عربي21" إن "كل ما يهم الناس حاليا هو الصمود.. الطبقية انتهت.. أساتذة ودكاترة الجامعات وكل فئات المجتمع وغيرهم يجلسون سويا على الأرض ويشربون نفس المياه الملوثة ويأكلون رغيف الخبز الفارغ غالبا".
بدورها تقول فاطمة محمد (40 عاما) إنها تعيش حاليا في ممرات المستشفى منذ الأيام الأولى من الحرب، بينما زوجها وابنها الكبير يبقيان في الساحة الخارجية مع الرجال من العائلات النازحة الأخرى.
وأوضحت فاطمة لـ "عربي21" أن بيتها ومحيطه تعرضا لقصف شديد أدى إلى تدميره بالكامل وأنها بالكاد خرجت منه وهي تحمل أوراقها الثبوتية ومصاغها الذهبي البسيط، قائلة إنه يمثل حاليا مصروف عائلتها في الفترة المقبلة أو المتبقية من الحرب.
وذكرت أنها ومن معها من النازحات يفتقرن لأبسط مقومات الرعاية الشخصية، مضيفة أن "كل ذلك وتدمير منزلنا يبدو وكأنه لا شيء أمام هول ما نشاهده من دماء".
وأضافت أنها كل يوم ترى المصابين والشهداء وهم يتراكمون في المستشفى المنهك والمهدد بالتوقف وانهيار خدماته بسبب نقص المستلزمات، وانهيار جدرانها بسبب التهديد الإسرائيلي بالقصف.
ولليوم الثالث عشر على التوالي، يواصل الاحتلال عدوانه على قطاع غزة، في محاولة لإبادة كافة أشكال الحياة في القطاع وتهجير سكانه قسريا عبر تعمده استهداف المناطق والأحياء السكنية بالإضافة إلى قوافل النازحين ومزودي الخدمات الطبية.
وأسفر العدوان المتواصل على غزة عن ارتقاء أكثر من 3785 شهيدا، وإصابة نحو 12 ألفا آخرين بجروح مختلفة جلهم من النساء والأطفال، وفقا لأحدث أرقام وزارة الصحة.