مع اقتراب مرور شهر كامل على تصاعد العدوان، وحرب الإبادة الجماعية من الاحتلال الإسرائيلي على قطاع
غزة، تتصاعد الأزمة الإنسانية، وتتزايد معها العقبات أمام تلبية احتياجات النازحين، وكذلك سكان المناطق الجنوبية من قطاع غزة.
وترصد "عربي21" الأوضاع الإنسانية والمعيشية الصعبة، في توفير أبسط الاحتياجات والمستلزمات؛ حيث نزح ما يناهز مليون
فلسطيني، عن مدينة غزة والمناطق الشمالية منها، ليتركز أكثر من مليوني نسمة في المناطق الجنوبية من القطاع، وسط استمرار القصف الأهوج على مختلف المدن.
يقول محمد (33 عاما) إنه عاد للعيش في غزة خلال السنوات القليلة الماضية فقط، وأنه لم يسبق له زيارة أحياء المدن الجنوبية بشكل واسع، كاشفا أنه عندما نزل إلى منطقة "وسط البلد" من أجل الانتظار في طابور الخبز، اكتشف بعد مضي أكثر من ساعتين، أنه ينتظر في الطابور الخاطئ، وأنه في الواقع أمام طابور طويل لحوالات شركة "ويسترن يونيون".
يضيف محمد في حديثه لـ"عربي21": "يبدو الأمر كحماقة مني، فكيف يلتبس علي الأمر إلى هذه الدرجة؟ لكن واقع قطاع غزة يجعلك تقع في مثل هذا الخطأ الساذج فأغلب المتاجر مغلقة حتى واجهات المحلات مختفية بفعل القصف والازدحام الشديد".
ويوضح المتحدث نفسه: "خلال الساعتين من الانتظار الخطأ، تحدثت مع من يجاورني في الطابور.. الجميع كان يتحدث عن طابور الخبز وأنهم يسعون لإطعام أولادهم بأي طريقة، وفي كل لحظة كان يمر شخص من جنبنا وهو يحمل ربطة خبز".
ويوضح محمد في حديثه لـ"عربي21" أنه "اكتشف أنه يقف في الطابور الخاطئ فقط عندما استسلم، ويئس من الوقوف الطويل، وقرر العودة إلى المنزل الذي نزح إليه ليشاهد بالكاد واجهة المحل وعلامة "ويسترن يونيون" على بابه المزدحم".
بدوره، يؤكد عبد الرحمن (39 عاما) أنه لم يتمكن حتى الآن من تدبير الخبز لعائلته وعائلات أخرى نازحة من خلال "المرابطة" على أبواب المخابز حتى قبل أن تفتح أبوابها في ساعات الصباح الباكر.
ويضيف عبد الرحمن في حديثه لـ"عربي21" أنه في إحدى المرات أقام صلاة الفجر مع عدد من الرجال أمام "عتبة المخبز"، قائلا: "الخبز هو أسهل غذاء يمكن أكله حافيا، بدون أي شيء آخر".
ويذكر عبد الرحمن، أن عملية الوقوف في طابور الخبز ليست عملية بسيطة، بل إنها مليئة بالمخاطر وممزوجة بالقلق الذي يمتد لساعات طويلة ومرهقة، في وقت قام فيه الاحتلال الإسرائيلي بعملية استهداف العديد من المخابز، واستشهد خلالها العشرات.
ويسترسل المتحدث لـ"عربي21" أن هذا القلق لا ينتهي بعد الطابور، إنما يبدأ مع لحظة الخروج المبكرة من المكان الذي نزح إليه في مدينة دير البلح، ولا ينتهي عند العودة باعتبار أنه في منطقة مفتوحة.
وقصف الاحتلال حتى الآن أكثر من 10 مخابز في مختلف المدن سواء في غزة أو جنوبها حيث زعم أنها منطقة آمنة، وتسبب ذلك باستشهاد 30 على الأقل وإصابة العشرات.
أما يحيى (28 عاما)، وهو ليس من النازحين إلا أنه يستقبل عددا منهم في بيت عائلته، فيقول إن هناك محطة تحلية مياه قريبة وصغيرة في مكان سكنه في خانيونس، وتوقفت بفعل انقطاع الكهرباء.
ويضيف يحيى في حديثه لـ"عربي21" بالقول: "نتمكن في بعض الأحيان بمساهمة بعض الجيران من توفير مولد كهرباء وبعض لترات الوقود من أجل تشغيل المحطة، وبعدها يبدأ طابور من أجل التعبئة في الجالونات أو الزجاجات أو حتى الجرادل".
ويوضح أن هذه العملية متعبة ومضنية لكنها أفضل من "شرب مياه الحنفية العادية غير الصالحة والملوثة، هذا إذا توفرت أصلا".
طابور أطول
من جهة أخرى، لا تفتح العديد من محلات الصرافة التي يمتلك بعضها خدمات التحويل الدولية أبوابها دائما، لذلك قد يكون طابور الوقوف عليها من الأكبر والأطول. حيث تقول أم أحمد (65 عاما) إن ابنها حاول استلام حوالة مالية من أخيه الأكبر الذي يعمل بالخارج لكن دون جدوى بسبب الازدحام الشديد، وكان قد أرسلها من أجل المساعدة، بعد توقف معظم أفراد العائلة عن العمل.
وتضيف أم أحمد في حديثها لـ"عربي21" أن ابنها في الخارج اضطر لسحب الحوالة وإعادة إرسالها باسمها، وذلك لأن طابور النساء أقل ازدحاما وفرصة أن يثمر انتظارها تكون أكبر.
تجدر الإشارة، إلى أن وزارة الصحة في قطاع غزة، أعلنت عن ارتفاع حصيلة عدوان الاحتلال الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، إلى 8796 شهيدا.
وقالت وزارة الصحة، في مؤتمر صحفي، إن عدد الشهداء ارتفع إلى 8796 شهيدا، بينهم 3648 طفلاً و2290 امرأة منذ بدء العدوان الإسرائيلي؛ مشيرة إلى أن حصيلة المصابين جراء العدوان على غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر ارتفعت إلى 22,219.
ولفتت إلى أن 16 مستشفى خرجت عن الخدمة؛ بسبب استهداف الاحتلال الإسرائيلي ونفاد الوقود، وكان آخرها مستشفى الصداقة التركي، بالإضافة إلى 32 مركزا للرعاية الأولية.
وأضافت، أن عدد المجازر ارتفع خلال العدوان على قطاع غزة إلى 950 مجزرة بحق العوائل الفلسطينية، مشيرة إلى تلقي 2030 بلاغا عن مفقودين تحت الأنقاض منذ بدء العدوان.