لأنني لست خبيرا عسكريا، أقتات على ما تنشره مراكز
الدراسات "غير العربية" والتي أتوسم فيها قدرا من الموضوعية حرصا من هذه
المراكز على سمعتها العلمية، وهي مراكز دراسات غربية أو صينية أو روسية أو هندية
أو حتى إسرائيلية.
من متابعتي لهذه الدراسات يتبين لي أن
المقاومة ما
تزال في وضع يؤهلها لمواجهة عسكرية دامية، وما زال التردد والقلق الإسرائيلي من
الدخول في عمق القطاع يتصدر الهواجس الإسرائيلية، بل إن عددا من قادة إسرائيل
العسكريين أكدوا ارتفاع مستوى السلاح والمقاتل الفلسطيني، وصعوبة الموقف الإسرائيلي
في
غزة.
لكن نقطة ضعف غزة (كعب أخيل) والتي أظن أن إسرائيل
تراهن عليها هو استمرار الموقف
المصري على حاله بخصوص
معبر رفح، ولكي لا نبقى في
متاهة هذا الموقف فإن الضرورة تقتضي توضيحه:
أ- قلت سابقا بأن الرئيس المصري لا ينظر ولا يعتبر
المقاومة الفلسطينية إلا "تنظيما إرهابيا وامتدادا لحركة الإخوان
المسلمين"، ولديه قناعات تامة بأن نجاح حركة المقاومة في غزة سيعزز الإخوان
المسلمين مصريا وعربيا وهو ما يعتبره "الخطر الأكبر"، ويخشى أن تعود
المواجهات في سيناء والتي يعتقد هو بأن للمقاومة الفلسطينية بعض الشأن فيها.
ب- إن الرئيس المصري على قناعة تامة ومطلقة بأن
القضية الفلسطينية ليست شأنا مصريا ولا يجوز انتهاج أية سياسة تعيد هذه القضية إلى
طاولة الحياة السياسية المصرية.
ت- إن رفضه للتهجير القسري لسكان غزة إلى صحراء سيناء
هو موقف يرفضه لكي لا تعود مصر طرفا في الصراع العربي الصهيوني، وليس الأمر تمسكا
بالسيادة، فمن تخلى عن الجزر في البحر الأحمر لِمَ لا يكرر المشهد نفسه؟ وهو من أشاح
بوجهه عن سد النهضة وترك السودان يأكل بعضه بعضا، لذا فإن رفض التهجير إلى سيناء هو
بسبب رفضه لعودة مصر طرفا في الصراع العربي الصهيوني بأي شكل من الأشكال.
وعندما تولى الرئيس المصري سلطاته -بغض النظر عن
الكيفية التي تولى بها- كنت قد حصلت على أطروحة الدبلوما التي قدمها في الكلية
العسكرية في الولايات المتحدة، وهي عبارة عن 17 صفحة، وكان جوهرها "إن على
الولايات المتحدة أن تسمح للقوى الإسلامية المعتدلة بتولي السلطة إذا فازت هذه
القوى في انتخابات ديمقراطية".. وكان عنوان دراسته هو "Democracy
in the Middle East" وأشرف عليها الكولونيل الأمريكي ستيفن
جيراس من الكلية الحربية في بينسيلفانيا عام 2006، لكنه في هذه الدراسة يصنف النظم
الدينية إلى نظم معتدلة وأخرى متطرفة، ويضع حركة المقاومة الفلسطينية بجناحها
الديني ضمن "التطرف والإرهاب" الذي تجب مقاومته.
لذلك، أميل إلى أن مصر لن تفتح المعبر إلا في أضيق
الحدود وبقدر لا يسد رمق غزة كما هو عليه الحال الآن، وهو الأمر الذي تؤكده
المقاومة والأمم المتحدة والمنظمات الدولية ومنظمة الصحة العالمية وصحفيون بلا
حدود وهيومان وووتش... الخ، ويراهن الإسرائيليون على هذا الموقف، ويرون أن نقطة
ضعف المقاومة هي المدنيون بما فيهم أهالي المقاتلين أنفسهم، لذلك، فإن مصر هي
مفتاح النصر أو الهزيمة في غزة، وسيبقى الرئيس المصري يتثاءب تجاه المطالبة بفتح
المعبر أملا في انهيار المقاومة وإغلاق ملفها وفتح الباب لمجيء سلطة التنسيق الأمني
التي تناصب المقاومة عداء لا يقل عن عداء الرئاسة المصرية أو إسرائيل، فالرهان الإسرائيلي
والمصري هو على نفاد الطعام والوقود والماء والعلاج، وهو أمر قد يوصل إلى خوار
للمجتمع والمقاتل.. هذا هو رهان إسرائيل وليس الرهان على الجندي الإسرائيلي، إنه
رهان على الجوع ومصر.
لذلك على أحرار العالم ونخبها ومناصري القضية
الفلسطينية الضغط على مصر لفتح المعبر، رغم قناعتي بأنه لن يفتحه إلا بعد أن يدرك أن
"أمانيه قد تحققت"، بل لا أستبعد أن تتم مقايضة مصر بإعفائها من ديونها
أو بعض ديونها مقابل الاستمرار في سياستها الحالية في معبر رفح.
وأرجو أن لا يتذرع لنا أحد بأن مصر تحترم اتفاقياتها
مع إسرائيل فيما يتعلق بالمعبر، فمن بنت قواته جسورا على قناة السويس تحت قصف
الطيران الإسرائيلي وعبر القناة ودمر خط بارليف واحتله؛ عاجز عن فتح معبر داخل
حدوده.
النصر أو الهزيمة في غزة تقع مسؤوليتهما على مصر.. فهل
تنهض "مصر التي في خاطري" كما قال أحمد رامي؟ ربما...
(
وكالة وطن للأنباء)