فشلت كل جهود الحكومة
المصرية في منع
الجنيه المصري من الانزلاق إلى مستويات قياسية جديدة أمام الدولار، قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في 10 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، وتهاوى بشكل متسارع من مستوى 42 جنيها إلى أكثر من 50 جنيها.
واعتبر خبراء اقتصاد أن السوق الموازي قال كلمته الأقوى، وزادت الضغوط الناجمة عن الطلب الكبير على الدولار، في ظل تراجع موارد العملة الصعبة واندلاع الحرب في قطاع غزة، وتضررت بعض القطاعات مثل السياحة وتجارة الغاز المستورد من دولة الاحتلال، فضلا عن مخاوف المستثمرين الأجانب من امتداد إطالة أمد الحرب.
وقال متعاملون في السوق لـ"عربي21": "هناك طلب كبير على الدولار، سواء من قبل المستوردين والتجار أو حتى المواطنين، وهناك سبب آخر لا يقل أهمية، هو أن المركزي المصري يشتري الدولار من السوق السوداء لسداد التزامات بالعملة الصعبة خلال الشهر المقبل".
وبشأن سعر صرف الجنيه أمام الدولار، أشاروا إلى أن "الدولار تجاوز، للمرة الأولى، حاجز الـ50 جنيها، واللافت في الأمر أن المبالغ الكبيرة باتت تتكلف أكثر من المبالغ الصغيرة، وأصبح جمعها أكثر صعوبة، والبعض يحاول الاستفادة من أي تعويم مرتقب".
ازداد العجز الكلي في الموازنة العامة المصرية إلى 383.1 مليار دولار (12.4 مليار دولار) خلال أول شهرين من السنة المالية الحالية 2023-2024، ما يعادل نسبة 3.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بسبب الزيادة الكبيرة في بند الفوائد.
وفي محاولة لتقليل الطلب على الدولار، انخرطت الحكومة المصرية منذ بدء الشهر الجاري في برنامج لترشيد الإنفاق العام للمؤسسات والهيئات والوزارات الحكومية تضمن تأجيل أي مشروعات جديدة ولها مكون دولاري، وقيدت المصروفات بشكل حاد على نفقات الدعاية ونفقات الحفلات والاستقبالات ومنع السفر خارج البلاد إلا للضرورة القصوى.
إلى جانب ذلك، أصدرت الحكومة المصرية مطلع الشهر الجاري سندات ساموراي يابانية بقيمة نصف مليار دولار بعائد 1.5 بالمئة بأجل 5 سنوات، بعد أسبوعين من إصدار سندات باندا صينية بقيمة نصف مليار دولار بعائد 3.5 بالمئة بأجل 3 سنوات، فضلا عن اقتراضها من بعض البنوك الأجنبية.
قبل أيام، تلقت البنوك المصرية تصنيفا سلبيا، وخفضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني لـ4 بنوك محلية، من بينها أكبر بنك خاص في البلاد، بسبب زيادة المخاطر على التمويل الخارجي وعلى استقرار الاقتصاد الكلي، ووضع الدين الحكومي المرتفع.
وفي الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، خفضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني لمصر بالعملات الأجنبية على المدى الطويل إلى "سالب بي" هبوطا من "بي"، مشيرة إلى زيادة المخاطر على التمويل الخارجي وقرب مصر من الصراع بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية.
وفي وقت سابق، خفضت وكالتا "موديز" و "ستاندرد آند بورز" العالميتان للتصنيف الائتماني للبلاد وللبنوك الأربعة إلى منطقة عالية المخاطر الشهر الماضي، في ظل أزمة متعددة الأطراف تتضمن تضخما قياسيا ونقصا حادا بالعملة الأجنبية، وارتفاع الدين الخارجي.
الدولار أزمة وورقة ضغط جيدة
في تقديره لتدهور قيمة الجنيه وهبوطه بأكثر من 25 بالمئة واتساع الفجوة بين السعر الرسمي والسوق الموازي، قال الخبير الاقتصادي، ممدوح الولي: "هناك أسباب ظاهرية للأزمة يمكن رصدها في تراجع الموارد الدولارية للبلاد بنحو 19بالمئة، وتقلص واردات الغاز المصدر للخارج، وانخفاض تحويلات المصريين بالخارج إلى مستوى مقلق للاستفادة بفارق السعر بين الرسمي والموازي، وبدء تراجع واردات السياحة التي كانت توشك على تحقيق إيرادات قياسية لكن الحرب في قطاع غزة أثرت عليها".
وقلل في حديثه لـ"عربي21" من أثر "حصيلة الطروحات التي تحدثت عنها الحكومة، والخاصة ببيع الشركات والأصول الخاصة بالدولة إلى مستثمرين محليين أو أجانب أو من خلال طرحها بالبورصة، ولا تزال العوائد أقل من المتوقع، ولم تحقق مستهدفاتها البالغة 5 مليارات دولار".
تقول الحكومة المصرية إن إجمالي ما تم بيعه وطرحه من الشركات والأصول بنسبة 50 بالمئة من المستهدف، وهو 5 مليارات دولار بحلول حزيران/ يونيو لعام 2024، بعد الانتهاء من المرحلتين الأولى من جدول الطروحات خلال الفترة من آذار/ مارس إلى آب/ أغسطس من عام 2022، والثانية من آب/ أغسطس عام 2022 حتى تموز/ يوليو عام 2023.
انعكست أزمة شح الدولار، بحسب الولي، في شكل العجز بين صافي الأصول و الالتزامات بالعملات الأجنبية تجاه الخارج بالجهاز المصرفي البالغ 26.8 مليار دولار بشهر أيلول/ سبتمبر الماضي، بزيادة 889 مليون دولار عن الشهر السابق، وهو العجز المستمر بصافي الأصول الأجنبية بلا انقطاع منذ عشرين شهرا، ويُتوقع استمراره خلال الشهور التالية.
لم يستبعد الولي في الوقت نفسه، أن يكون جزءا من الأزمة مختلق، "حيث تسعى جهات من الخارج إلى زيادة حدة أزمة الدولار، والتي تنعكس بالتالي على زيادة الأسعار محليا، ما يزيد من معاناة المصريين، من أجل ممارسة ضغوط على النظام في مصر للقبول بفكرة تهجير سكان غزة إلى سيناء، وتقييده في إرسال شاحنات المساعدات المكدسة على الحدود، في الوقت الذي يوشك أن يدخل القطاع في مجاعة".
متطلبات تمويلية ضخمة
ارتفع متوسط متطلبات التمويل الخارجي بنحو 20 مليار دولار في السنة على مدى السنوات الخمس المقبلة، أي نحو 100 مليار دولار، وفق تقديرات بنك "غولدمان ساكس".
وقفز الدين الخارجي المصري إلى 164.728 مليار دولار بنهاية حزيران/ يونيو الماضي بقيمة 9.2 مليارات دولار خلال العام المالي 2023/2022.
ازداد الاحتياطي النقدي الأجنبي بشكل طفيف إلى 35.102 مليار دولار نهاية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بشكل طفيف للمرة الأولى منذ 17 شهرا، وتحديدا منذ أيار/ مايو من العام 2022،.
مؤامرة أم فشل في الإدارة
استبعد الباحث الاقتصادي، حافظ الصاوي، أن "يكون ما يجري للعملة المحلية من قبيل نظرية المؤامرة، هناك بالفعل عجز في النقد الأجنبي في مصر بيانات المركزي تقول إن صافي الأصول الأجنبية تراجع بأكثر من 26 مليار دولار، وبالتالي هناك طلب على الدولار في مصر".
وفي حديثه لـ"عربي21"، رأى أن "الطفرة الموجودة في السوق السوداء هي في ضوء ما يمكن أن يسمى إدارة الأزمة، الدولة تترك الإعلام يتحدث عن سعر السوق السوداء، والذي بدوره يهيئ الأجواء والرأي العام، حتى عندما تقرر الحكومة خفض سعر الجنيه بما يتوافق مع متطلبات صندوق النقد الأجنبي، وبدلا من التمسك بسعر 31 جنيها تتركه للسعر المعلن في السوق السوداء".
ولا يعتقد الصاوي أن خفض الجنيه سيحل الأزمة، ما زلنا نتحدث عن المسكنات بعيدا عن الحل الجذري للأزمة لحل مشكلة العملة الأجنبية وكثير من المشكلات الاقتصادية، وللأسف طالما الجيش في حالة من التوسع في النشاط الاقتصادي، والدولة بعيدة، دورها الطبيعي في زيادة الإنتاج وتحسين مستوى المعيشة وترشيد الإنفاق، سيظل المواطنون من جميع الطبقات، سواء الأغنياء أو المتوسطين أو الفقراء، هم من يدفعون الثمن".