"النرويجي للاجئين": المجتمع الدولي يتقاعس عن حماية المدنيين في غزة (فيديو)

اتهم المستشار الإعلامي للشرق الأوسط في المجلس النرويجي للاجئين أحمد بيرم، المجتمع الدولي بالتقاعس -إن لم يكن التخلي- عن حماية المدنيين الفلسطينيين في غزة، لافتا إلى أن هذا التقاعس أتاح لـ"إسرائيل" انتهاك القانون الدولي الإنساني بشكل متكرر في غزة.

وقال بيرم، في مقابلة مصورة مع "عربي21": "هناك تقاعس واضح من المجتمع الدولي، وإن كنّا نسمع الكثير من الكلمات التي تشجعنا، لكن التطبيق على الأرض لا يرتقي إلى مستوى المحافظة على حياة المدنيين".

ودعا بيرم المجتمع الدولي إلى "تحمل مسؤولياته بأسرع وقت، والعمل بصورة عاجلة من أجل وقف معاناة سكان غزة، وردع ’إسرائيل’ عن تدمير قطاع غزة، لأنه يجب وضع حد للاعتداء الدموي على المدنيين هناك".

وأضاف: "لقد وصلنا إلى مرحلة غير مسبوقة من العنف والهجمات الدموية للغاية، ويمكن القول إن هذه المراحل المتقدمة من العنف أرجعت غزة عقودا كثيرة إلى الوراء، وإن كان هنالك توقف لإطلاق النار غدا فسنحتاج لسنوات وسنوات لإعادة غزة لما كانت عليه؛ فمستويات العنف التي تعرضت لها غزة اليوم لما نشهدها من قبل بأي صورة من الصور".

وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

كيف تقيّمون مجمل الأوضاع في غزة اليوم؟

مع الأسف الأوضاع الإنسانية في أسوأ مراحلها؛ فالمعاناة الإنسانية للأطفال والنساء والعوائل في غزة كبيرة جدا، بالإضافة للضحايا الذين سقطوا خلال المواجهات؛ فهناك نحو عشرة آلاف طفل وامرأة من أصل 15 ألف ضحية قُتلوا دون أي سبب.

الوضع الإنساني على الأرض، كما أخبرني زملائي، وصل إلى مراحل خطيرة: الأطفال تشرب مياه ملوثة، ووجبات الطعام لا تكفي الأفراد، وهناك نفاد للوقود، ونفاد غاز الطهي، حتى وصل بهم الأمر لاستعمال مقاعد المدارس لإشعال النار للطهي وللتدفئة.

وصلنا إلى مرحلة غير مسبوقة من العنف والهجمات الدموية للغاية، ويمكن القول إن هذه المراحل المتقدمة من العنف أرجعت غزة عقودا كثيرة إلى الوراء، وإن كان هنالك توقف لإطلاق النار غدا فسنحتاج لسنوات وسنوات لإعادة غزة لما كانت عليه؛ فمستويات العنف التي تعرضت لها غزة اليوم لما نشهدها من قبل بأي صورة من الصور.

كيف تنظرون إلى حجم المساعدات التي تم إدخالها إلى غزة حتى الآن؟

إذا تحدثنا عن عدد الشاحنات؛ فهناك زيادة نسبية في عدد الشاحنات، لكن الموضوع ليس فقط في حجم وعدد الشاحنات -الذي هو أمر أساسي وننادي بزيادته– وإنما هو مكان وصول تلك الشاحنات وطرق توزيعها.

هناك أزمة إنسانية غير مسبوقة؛ فمائة في المائة من السكان في غزة تقريبا لا يمتلكون الإمكانات للحصول على المياه أو الطعام بالقدر الكاف.

معظم المساعدات التي دخلت على سبيل المثال لم تصل إلى شمال غزة، وهي منطقة مُحاصرة، وباتت منطقة منكوبة، بل "منطقة موت"، ونحن ننادي بضرورة دخول المساعدات ووصولها إلى كافة المناطق في الشمال، مع تكثيف الجهود الإنسانية، والتأكيد على أهمية وصول الوقود لسكان غزة، الذين هم بحاجة ماسة له.

ما طبيعة عمل المجلس النرويجي للاجئين في قطاع غزة قبل وبعد الحرب؟

قبل الحرب: كان لدينا فريق كامل في غزة مكون من أكثر من 50 عامل إنساني، وكنّا نقدم المساعدات النقدية، ومساعدات المأوى، والمساعدات النفسية للأطفال.

وهناك تغيير في طبيعة العمل الذي نقوم به الآن؛ فنحن بحاجة للاستجابة الفورية والطارئة للحاجات الآنية للأشخاص، مثل توفير المياه الصالحة للشرب، وهي أبسط حقوق الإنسان، ونقدمها الآن في خمسة مَآوِي جماعية، كما نقدم وجبات طعام جاهزة لسكان غزة، كما ندير المآوى التي ذكرتها، فهي لا تديرها الأمم المتحدة، وهناك شاحنات خاصة تصل للمجلس النرويجي للاجئين داخل غزة.

النقطة المهمة التي أود التركيز عليها هي: ما كنّا نقوم به قبل بدأ الصراع مثل العمل مع الأطفال، والعمل مع العائلات على المعافاة طويلة الأمد، والعمل على استعادة بعض أشكال الحياة الطبيعية وغير ذلك.. مع الأسف قد تلقينا ضربة قاصمة بهذه الموجة من العنف التي هدمت كل ما بنيناه، وكل ما عملنا عليه في السنوات الماضية؛ فأصبح لدينا حالات نفسية لأطفال لا يمكنهم النوم، وأناس بالكاد يقفون على أرجلهم.

كم عدد الموظفين في المجلس العاملين في غزة اليوم؟

عدد الموظفين 54 عاملا إنسانيا من سكان غزة، وقد نزحوا إلى الجنوب كمعظم السكان، واحتياجاتهم لا تقل عن احتياجات سكان القطاع؛ فزملائي لديهم عوائل في غزة، ويمضون نهارهم بين مساعدة الناس، والاطمئنان على عائلاتهم، وأطفالهم، وأصدقائهم.

الفريق منتشر في كافة أراضي غزة، لكن معظمهم الآن قد توجّه إلى الجنوب بفعل القرارات والأوامر من الجانب الإسرائيلي.

ما أخطر وأسوأ الأمور التي قمتم برصدها في غزة منذ بدء الحرب؟

كل جوانب الحياة تخبر بأمور خطيرة، وأسمع الكثير والكثير من القصص المفجعة عن فظاعة ما يحدث، وقد عملت في هذا المجال لسنوات، لكن ما نشهده الآن في غزة لم نشهد له مثيلا بهذه الكثافة والضراوة والقساوة.

في غزة الكثير من الأطفال الذين ينامون ساعتين فقط خلال ساعات النهار؛ لأنهم لن يتمكنوا من النوم خلال الليل، وهناك حالات مرضية لا يمكن حتى الكشف عليها، وأسمع قصص لأطفال كانوا يكتبون رسائلهم الأخيرة بخط أيديهم لأصدقائهم، ثم قُتلوا بعدها بساعات. وهناك أطفال تيتمت بعد مقتل عائلات كاملة؛ فالعشرات من أفراد العوائل تجتمع مع بعضها البعض في هذه الأوقات الصعبة.

الأحداث المروعة تكشف الكثير، وما زال هناك أناس عالقون تحت الأنقاض، وأطفال لا يمكن الوصول إليهم، وأطفال لا يعلمون ماذا يجري؟، وهم الذين تتراوح أعمارهم بين سنتين وثلاث سنوات، ولا ندري ما نقول لهم.

هل الهدنة الأخيرة نجحت في تحسين الأوضاع في غزة؟ وكيف استفدتم أنتم في المجلس النرويجي من هذه الهدنة؟

نظرتنا في المجلس أنه لا يمكن تحسين الأوضاع خلال 144 ساعة، وأعتقد أن خطورة الموقف في تجدد الصراع بعدما شعرت الناس -ولو لساعات أو أيام- بالأمان، وهذا موضوع خطير جدا؛ فالعودة إلى تلك الموجة والدائرة من العنف ستكون أكثر بشاعة مما شهدناه في 45 يوم مضت.

وإن كنّا في المجلس النرويجي قادرين على تمرير وعبور شاحناتنا المحملة بالمساعدات الإنسانية إلى داخل غزة، لكن هذا ليس بكاف مطلقا؛ فهناك الكثير من المنظمات التي تنتظر دورها في إدخال المساعدات، أما مدة الستة أيام فهي لا شيء أمام الاحتياجات الفعلية، لذا نطالب بتحويل هذه الهدنة -قصيرة المدى- إلى وقف كامل وتام لإطلاق النار.

هل تتوقع انتكاسة الأوضاع بشكل أسوأ في مرحلة ما بعد الهدنة؟

بالتأكيد سوف نشهد تأثير مضاعف، وذلك لعدة أسباب: منها عودة الجيش الإسرائيلي لدفع الناس وإرغامهم على الخروج من شمال غزة نحو الجنوب، هناك نحو 400 ألف شخص في شمال غزة، وربما أكثر، سيتعرضون لخطر التهجير القسري، وفي حال تم ذلك ستتفاقم الأزمة في جنوب غزة بشكل أفظع، ونحن على أبواب الشتاء، والطقس بدأ يزداد برودة في هذه البقعة من الأرض؛ ففي حال ازدادت أو استكملت موجات العنف فستحدث كارثة إنسانية لا مثيل لها.

ما أبرز متطلبات واحتياجات قطاع غزة في الوقت الراهن؟

أبرز الاحتياجات في الدرجة الأولى هي الوقود، بالإضافة لحاجة الناس للمياه النظيفة، والطعام، والدقيق لصناعة الخبز، لكن الأهم هو الوقود لأهمية استعماله سواء في المستشفيات التي توقفت عن العمل، أو الأفران التي توقفت عن إنتاج الخبز، وحتى المنظمات الإنسانية كالمجلس النرويجي للاجئين تحتاج للوقود للتمكن من التحرك بين المناطق في غزة لإدارة المآوى، وكذلك لتوليد الطاقة؛ فأبسط حاجات الإنسان تسلب في هذا الصراع.

وبالإضافة للوقود، والطعام، والمياه، هناك حاجة ماسة للمعدات الطبية والأدوية لعلاج المرضى وإسعاف الجرحى.

البعض يتساءل: هل تخلى المجتمع الدولي عن حماية المدنيين الفلسطينيين في غزة؟

مع الأسف شاهدنا تقاعس المجتمع الدولي، إن لم يكن "تخلي"، والكلام في كثير من الأحيان لم يتحول إلى أفعال؛ فنحن نسمع عن تضامن، وعن وجوب تحييد المدنيين في مثل هذه الحالات، لكن هناك انتهاك مستمر للقانون الإنساني من قِبل الجانب الإسرائيلي، نتيجة من تقوم به من هجمات، واستهداف للمناطق المدنية، وللأسف هذا التقاعس الدولي أتاح لإسرائيل انتهاك القانون الدولي الإنساني بشكل متكرر ضد المدنيين في غزة.

وقد قلنا بوجوب تحييد المناطق المدنية، وتحييد المستشفيات، وتحييد المجتمعات السكنية، لكن مع الأسف كان يُضرب بجميع هذه التحذيرات عرض الحائط، والنتيجة كما نشاهد الآن 15 ألف ضحية خلال هذه المواجهات.

هناك تقاعس واضح من المجتمع الدولي، وإن كنّا نسمع الكثير من الكلمات التي تشجعنا، لكن التطبيق على الأرض لا يرتقي إلى مستوى المحافظة على حياة المدنيين.

في الواقع، المجتمع الدولي تقاعس بشكل كارثي في ردع إسرائيل عن تدمير قطاع غزة، ونحن ندعوه إلى تحمل مسؤولياته بأسرع وقت، والعمل بصورة عاجلة من أجل وقف معاناة سكان غزة، لأنه يجب وضع حد للاعتداء الدموي على المدنيين في غزة.

برأيكم، كيف يمكن وضع حد لـ"الكارثة الإنسانية" في غزة؟

ما نريده هو وقف تام وشامل لإطلاق النار، وعندما أُعلن عن الهدنة قلنا إنها خطوة ولكنها ليست الحل؛ فالحل هو وقف إطلاق النار، يتبعه تقديم المساعدات، ورفع الحصار؛ فحصار غزة الحالي هو تتويج لحصار مستمر منذ 16 سنة؛ فقد شهدنا حصارا مُطبقا على غزة، وخنق لجميع المرافق الحيوية.

الحل في رفع الحصار، وتحييد المدنيين، ووقف هذه الدائرة البشعة من القتل والدمار، وإدخال المساعدات؛ فغزة في كارثة غير مسبوقة، وحجم المساعدات الذي تحتاجه غير مسبوق.

أما عن الأطفال: فأي مستقبل ينتظر هؤلاء الأطفال الذين فقدوا عائلاتهم كاملة، فقدوا آباء، وأخوات، وأصدقاء.. وليس لديهم أي ذنب فيما يحصل، لذا نتمنى أن تمتد الهدنة، وتستمر باتفاق كامل لوقف إطلاق النار.