اقتصاد عربي

لماذا تواصل حكومة السيسي التخلص من أصول مصر في قطاع الطاقة؟

يجري إعادة هيكلة محطات وقود "تِشل آوت" (chill out)-مملوكة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للجيش المصري- جيتي
أعلنت وزيرة التخطيط المصرية هالة السعيد، الأحد، عن نية حكومة بلادها طرح أصولا جديدة من قطاع الطاقة للبيع أمام المستثمرين والقطاع الخاص، بجانب الطرح المعلن عنه قبل سنوات لشركة "وطنية" أكبر مسوق للمنتجات البترولية في مصر بين 12 شركة تعمل بالبلاد.

الوزيرة المصرية هي القائمة على عمليات طرح نحو 35 شركة مصرية عامة للبيع في ظل إعلان الحكومة نهاية العام الماضي، عن "وثيقة سياسة ملكية الدولة" التي تنتهج تخارج الدولة من بعض القطاعات وبيع الأصول العامة للقطاع الخاص.

وفي محاولة لإنهاء أزمة البلاد الحالية مع العملة الأجنبية، والوفاء بشروط برنامج الـ3 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي، قالت السعيد، إنه يجري إعادة هيكلة محطات وقود "تِشل آوت" (chill out) المملوكة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للجيش المصري، تمهيدا لبيعها عن طريق طرح حصة في البورصة وإما عبر مستثمر استراتيجي.

ودون أن تعلن الوزيرة تفاصيل الجدول الزمني لهذا الطرح أو تحدد الحصة المستهدفة منه، أوضحت خلال تواجدها في "كوب 28" بالإمارات، لموقع الشرق بلومبيرغ، أن ذلك سيتم بعد الانتهاء من صفقة بيع محطات وقود "وطنية"، التي أكدت على إتمامها بعد موعدها المحدد نهاية الشهر الجاري، بعدة أسابيع.

كما أعلنت الوزيرة عن طرح جديد في قطاع الطاقة للمستثمرين، يخص "محطات الرياح" الثلاثة لتوليد الكهرباء في جبل الزيت بالبحر الأحمر، وذلك في موعد حددته بنهاية الربع الأول من العام المقبل.

وأكدت أن "لدينا 3 عروض لبيع حصة من محطة جبل الزيت للرياح، التي جرى بناؤها منذ العام 2015، بقروض من بنوك ألمانية ويابانية وإسبانية".

وفي سياق ما يصفه مراقبون بـ"التفريط في أصول قطاع الطاقة"، كانت الحكومة المصرية قد أعلنت في تموز/ يوليو الماضي، عن طرح "محطة بني سويف" لإنتاج الكهرباء للبيع، والتي بنتها شركة "سيمنز" الألمانية بقروض من بنوك ألمانية ومحلية في منطقة بني سويف بصعيد مصر عام 2018، إلى جانب محطتين أخريين.

"انتكاسة وأزمات"
ويثير تخلص حكومة السيسي، من الأصول العامة في قطاع الطاقة بشكل خاص، غضب مصريين، ، وذلك بحسب مراقبين لأن أغلبها جرى تدشينه قبل سنوات قليلة، عبر قروض خارجية تعدت 165 مليار دولار، تعجز البلاد عن سداد فوائدها وأقساطها الآن، وهي المشروعات التي كانت تعد من إنجازات نظام السيسي، وتشهد بعضها الآن حالة من الانتكاسة.

وأيضا، لأن مصر تعيش أزمات متتالية في إنتاج الطاقة، وهو الأمر الذي كشفت عن قرارات حكومية كان آخرها في 29 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بتخفيف أحمال الكهرباء للمنازل وتخفيض ساعات الإنارة لجميع المصريين ساعة ثم ساعتين يوميا.

كما كانت حرب الإبادة الدموية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي على غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، كاشفة عن أزمة مصر في الطاقة، خاصة مع وقف إمدادات الغاز الإسرائيلية عن مصر.

ومع "طوفان الأقصى"، 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، خفضت إسرائيل إمدادات الغاز لمصر إلى 600 مليون متر مكعب سنويا قبل أن تنقطع كليا مع استمرار الحرب في غزة، ثم العودة بدرجات أقل من المعتاد.

وهو ما سبقه انخفاض ملحوظ في الإنتاج المحلي المصري إلى 2.3 مليار قدم مكعب يوميا بدلا من 2.8 مليار قدم مكعب يوميا.

وذلك في أزمات متتالية على قطاع الطاقة الاستراتيجي والتي حدت بمتابعين ومراقبين لإعلان مخاوفهم من يكون تفريط مصر في أصولها بمجال الطاقة له تبعات خطيرة، خاصة مع قيمة تلك الأصول وأهميتها، وتكلفة إنشائها والديون التي حملتها للموازنة المصرية.

"قيمة وطنية وشيل أوت"
وتحظى منتجات محطات وقود "وطنية"، و"تِشل آوت"، بسمعة طيبة بين المصريين الذين يبحثون عنها للحصول على البنزين والسولار نظرا لما يتمتعان به من جودة عالية، تفوق باقي الشركات الموزعة للوقود حتى الحكومية منها.

و"وطنية"، تقود 255 محطة حالية، و20 أخرى تحت الإنشاء، و25 مخطط لإنشائها، بإجمالي 300 محطة بأنحاء مصر.

وكانت بدايتها مع إنشاء "الشركة الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية" عام 1993، لتدير محطات خدمة وتموين السيارات وتسويق المنتجات البترولية والزيوت والشحومات، لتحمل عام 2002، اسم "وطنية".

وهي مملوكة لـ"جهاز مشروعات الخدمة الوطنية"، التابع للقوات المسلحة، الذي قام بافتتاح سلسلة منافذ للبيع بالمحطات مثل: "سمايل"، و"ديلي مارت"، و"فلاي باي"، و"بول أند بوش"، و"ماستر"، و"سركل كي"، و"لابوار".

ويمتلك "جهاز مشروعات الخدمة الوطنية"، شركة أخرى لبيع وتوزيع الوقود تتمثل في محطات وقود "تِشل آوت"، التي يملكها الجهاز بشكل منفصل من خلال الشركة "الوطنية لإنشاء وتنمية الطرق"، وفق تأكيد الرئيس التنفيذي للصندوق السيادي المصري، أيمن سليمان.

وحول عدد محطات شيل أوت أكد وزير البترول المصري طارق الملا، في 28 أيار/ مايو الماضي، إنها تمتلك 80 محطة وقود لتسويق المنتجات البترولية.

وكان اختيار ألوان محطات "شيل أوت"، الحديدة باللونين الأبيض والأزرق المتطابق مع لون علم إسرائيل قد أثار حالة من الغضب في الشارع المصري.

وفي 20 تموز/ يوليو 2022، وافقت الحكومة المصرية على تأهيل شركة "وطنية" تمهيدا لطرح بين 80 و90 بالمئة من أسهمها للبيع، مع احتفاظ الصندوق السيادي المصري بحصة بين 10 و20 بالمئة.

وتسعى العديد من الشركات الخليجية والمحلية للاستحواذ على صفقتي "وطنية" و"تِشل آوت"، وبينها شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، وشركة "طاقة عربية" المحلية، وشركة "بترومين تشيل"، وغيرها.

وحول تلك الصفقة تثار مخاوف مراقبين من استحواذ "أدنوك"، على محطات "وطنية"، و"تِشل آوت"، خاصة وأن الشركة الإماراتية تمتلك في مصر تقريبا نصف محطات وقود "توتال" في صفقة جرت منتصف العام الماضي، وبلغت قيمتها نحو 186 مليون دولار.

ما يعني وفق مراقبين، أنه حال استحواذ الشركة الإماراتية عليهما تصبح "أدنوك" المسيطر الأول على قطاع بيع وتوزيع المنتجات البترولية في مصر، ما يخلق مخاوف من حدوث احتكار بالقطاع الذي يمس ملايين المصريين، وقتل المنافسة مع شركات أخرى عاملة في السوق المحلي لسنوات.

"محطات الرياح والكهرباء"
ولمحطات جبل الزيت الثلاثة لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح، والتي تقع على ساحل البحر الأحمر، وتبعد عن القاهرة بحوالي 350 كيلومترا، أهمية كبيرة؛ حيث تنتج نحو 580 ميغاوات، وافتتحها السيسي، الثانية منها في تموز/ يوليو 2018.

وتنتج محطة رياح جبل الزيت (1) 240 ميغاوات، وتمت بالتعاون مع بنك "التعمير الألماني" (KfW)، وبنك "الاستثمار الأوروبي" (EIB)، و"المفوضية الأوروبية" (EU).

وتعمل محطة جبل الزيت (2) بقدرة 220 ميغاوات وأنشئت بالتعاون مع "الوكالة اليابانية للتعاون الدولي" (JICA).

وتنتج محطة جبل الزيت (3) 120 ميغاوات وتم بناؤها بالتعاون مع الحكومة الإسبانية.

وفي حزيران/ يونيو الماضي، أعلنت وكالة "بلومبيرغ"، عن نية تحالف من شركتي "أكتيس" البريطانية، و"إدرا باور هولدنغز" الماليزية، شراء أحدث محطات الكهرباء في مصر، التي جرى افتتاحها بمحافظة بني سويف (جنوب القاهرة) منتصف عام 2018.

وهي المحطة التي دشنتها شركة "سيمنز" الألمانية، بقروض من بنوك ألمانية ومحلية إلى جانب محطتي كهرباء "العاصمة الإدارية الجديدة"، و"البرلس" (شمالا) بقروض بلغت نحو  6.4 مليار دولار في وقت قياسي بلغ نحو 18 شهرا.

وبحسب "بلومبيرغ"، فإن قيمة الصفقة قد تبلغ ملياري دولار، لكن ذلك المبلغ لن تحصل عليه مصر كاملا نظرا لما تبقى من ديون من إنشاء تلك المحطة، كما أن القاهرة مع البيع المحتمل سوف تضطر إلى شراء الكهرباء المنتجة من المحطة المباعة من الشركة الفائزة بالصفقة.

"مسار رئيسي"
ويرى الباحث المصري المتخصص بشؤون الطاقة وقضايا الشرق الأوسط، خالد فؤاد، أن "هذه التطورات لها علاقة بالأساس بقرض صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات والمتعثر منذ فترة، ولم يتم استلام الدفعة الثانية منه، لوجود اشتراطات أو نصائح يطلبها الصندوق ولم تنفذ القاهرة أغلبها".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "الصندوق يطالب بإصلاحات كتعويم الجنيه، وتقليل مشاركة الجيش بالاقتصاد، وبناءا على ذلك فالحكومة مع إقرار قرض الصندوق نهاية 2021، طرحت برنامجها للإصلاح الاقتصادي، ومنه بيع بعض الأصول العامة".

وأكد أن "طرح محطات (وطنية)، كان في إطار الامتثال لطلبات الصندوق، وكذلك الإعلان بالأمس عن طرح حصة بمحطات وقود (شيل أوت) التابعة للجيش أيضا، يأتي بسياق محاولة الحكومة الالتزام باشتراطات الصندوق".

لكن فؤاد، يرى أن "التصريحات الحكومية حول تلك الطروحات في اتجاه وتنفيذ الحكومة لها باتجاه آخر"، لافتا إلى أن "طرح حصص بوطنية منذ 3 سنوات وكل فترة يُعلن عن قرب تنفيذها لكن واقعيا الصفقة متعثرة".

وتابع بأن "هذا يؤكد أن التصريحات الحكومية لا تتوافق مع التنفيذ خاصة ما يتعلق بنقطة تقليل مشاركة الجيش بالاقتصاد"، مشيرا إلى أن "الحكومة تعلن عن بيع جزء وفي نفس الوقت يعلن الجيش عن إنشاء السلسلة الثالثة لمحطات الوقود وافتتاحها قريبا".

وأكد أنه "بالتالي واضح أن الالتزام الحكومي بتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي واقعيا بعيدا عن التصريحات".

ولكنه، ختم حديثه بالتأكيد على أن "المشكلة الأكبر أن مصر لديها التزام عام 2024، لمستحقات قروض نحو 42 مليار دولار، وفق تصريحات البنك المركزي، في مبلغ ضخم وتزايد كبير لحجم الفوائد والأقساط، يؤدي لتسريع الحكومة بيع بعض الأصول العامة، وبالتالي سيظل هذا دائما مسارها الرئيسي".

"هذا ما نخشاه ونحذر منه"
وفي تعليقه، قال الباحث والخبير الاقتصادي الدكتور أحمد البهائي: "علينا القول بموضوعية ومن قلب الوطنية وحبا للوطن العزيز إنها حكومة فاشلة بامتياز؛ فقد أتيح لها من المال والدعم والوقت ما لم تتحصل عليه حكومة أخرى".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "تعلمنا في الاقتصاد أن التوسع الأفقي لا يتم بدون الرأسي، ويجب أن يسيرا جنبا لجنب، ويحتاج كلاهما بنية تحتية قوية شاملة بمفهومها الاقتصادي الحديث".

ولهذا يعتقد البهائي، أن "أحد أسباب المشاكل الرئيسية التي تعانيها الحكومة ليس فقط عدم التمييز بين التوسع الأفقي والرأسي، بل مفهومها لتلك البنية التحتية"، موضحا أن "خير دليل الإعلان عن مشروعات قومية عديدة أفقية التوسع (زيادة الإنتاجية بإنشاء فروع جديدة أو جلب آلات أو إنشاء مصانع أكثر)".

وذلك "دون أن يصاحبها البنية التحتية بمفهومها الرأسي (توفير الاحتياجات والموارد والمتطلبات والمحفزات التي تعمل على زيادة الإنتاج)، مثل مشروع الكهرباء والطاقة، الذي أدهشنا خروج الرئيس السيسي، للدفاع عنه".

ويرى الخبير المصري، أنه "ونتيجة لأخطاء الحكومة المتكررة وعدم قدرتها على التخطيط الصحيح وفقرها المزمن لفن الإدارة أصبحت عاجزة ليس فقط على زيادة الإنتاج بل توفير الإنتاج نفسه، وهذا ما تؤكده البيانات والمؤشرات الإنتاجية للاقتصاد".

ولفت إلى أنه "ظهرت مؤخرا، نغمة على لسان المنتفعين عنوانها ’سوق الطاقة والكهرباء الجديدة’، تطالب بالسماح لشركات خاصة ومتخصصة الدخول باستثماراتها بالمجال، وتقديم الكهرباء كسلعة للجمهور، وبمعنى آخر خصخصة القطاع".

وقال البهائي: "بالفعل هذا ما أكدته الوزيرة هالة السعيد، من (كوب 28) بإعلانها نية الحكومة طرح أصول بقطاع الطاقة والكهرباء للبيع للمستثمرين"، مؤكدا أن "هذا يوضح أن الأزمة خرجت عن نطاق سيطرة الحكومة، وتحولت لصداع مزمن بقطاع حيوي واستراتيجي".

وأشار إلى أن النتيجة هي "الضغط على صانع القرار بسبب الحاجة والعجز، للإعلان عن قرار الاستثمار بقطاع الكهرباء بعد فشل إنجاز الإصلاح المطلوب"، متسائلا: "هل سيُفتح مجال الاستثمار بالقطاع لرأس المال الوطني؟"، مجيبا بقوله: "أشك في ذلك، لما يحتاجه القطاع من أموال ضخمة".

وتساءل مجددا: "هل سيُسمح لرأس المال الأجنبي باستثمار ملياراته بالقطاع الاستراتيجي ببناء ومد خطوط ونشر شبكات توزيع وتوفير كامل احتياجاتها الإنتاجية ليصبح المهيمن والمسيطر على قطاع لا يمكن خصخصته باقتصاد 70 بالمئة من مواطنيه طبقة متوسطة".

وأكد أن "هذا ما نخشاه ونحذر منه، فالمستثمر الأجنبي لا يهمه سوى الربح، وجاء خصيصا لبلادنا لأجل الأرباح المضاعفة، ما يحمًل المصري الفقير الشريحة الكبرى والبالغة 77 بالمئة من الشعب عبئا لا يتحمله مع زيادة أسعار الكهرباء والطاقة".

ويرى الخبير المصري، أن "احتكار سلعة خدمية كالكهرباء والطاقة كان ينعم بها الجمهور تتحول ليد محتكر رأسمالي متوحش لا يعرف سوى الربح، ومنه لفتح الطريق لخصخصة باقي القطاعات الخدمية الحيوية الأخرى، كمياه الشرب والطرق والتعليم والصحة وغيرها".

وأكد أن "الاحتكار الأجنبي والاستحواذ بمجال الصناعة والتجارة والمال على أشده، وهو أخطرهم ويدور حوله الصراع بمصر الآن، محاولا التوغل أكثر لتزداد السيطرة وحشية، ليس فقط بزيادة نسبة رؤوس الأموال الأجنبية مقابل المصرية فحسب".

"بل الامتلاك والانفراد باستغلال مرافق معينة دون وجود مزاحم، تمكنها من فرض إرادتها على الجمهور، وهي المرافق ذات المنفعة العامة ووثيقة الصلة بحياة الجمهور وصحته ومعاشه، كالكهرباء وماء الشرب والنقل وغيرها"، وفق البهائي.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع