لزمت
مصر الصمت بعد قيام طيران الاحتلال الإسرائيلي، بشن هجوم "غير عادي" قرب الحدود المصرية مع قطاع
غزة (محور فيلادلفيا)، في حادثة تعد تطورا غير مسبوق منذ أكثر من شهرين على العدوان الإسرائيلي ضد غزة.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أن الهجوم الجوي استهدف نشطاء "حماس"، بزعم وجود أنفاق للتهريب أسفل محور فيلادلفيا المؤدي إلى رفح المصرية، وقد يحاولون تهريب أسرى أو قياداتها العليا إلى خارج قطاع غزة.
وزعمت أن الحركة تقوم باستخدام هذه الأنفاق للأغراض العسكرية وتهريب الأسلحة المتطورة على طول الطريق، الذي ينتهي في سيناء ويصل إلى قطاع غزة.
تأتي تلك العملية بعد ساعات قليلة من مؤتمر صحفي عقده وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، مساء الأربعاء، غابت تفاصيله عن جميع المواقع الإخبارية فيما يتعلق بسؤال أحد الصحفيين عن خط فلادلفيا، "هل الضغط المصري جعل إسرائيل لا تقوم بشن عملية عسكرية على طول خط فلادلفيا؟ وهل هذا يعني أن (يحيى) السنوار ورجاله قادرون على العبور إلى مصر؟ وهل يُسمح بدخول أسلحة عبر هذا الخط من خلال الأنفاق؟"
وأجاب غالانت، خلال المؤتمر الذي كان يبث على الهواء مباشرة، أن القوات الإسرائيلية تعمل حسب برنامجهم، وهو برنامج جيد، ويشمل جميع أنحاء القطاع وكل القرارات العسكرية يحددها الجيش، ولا توجد أمور من هنا أو ضغوط من هناك، وتطرق إلى خط فيلادلفيا بأن الجيش الإسرائيلي يضع نصب عينيه القضاء على القوة العسكرية لحماس ومصدرها، وقطع الاتصال، وجعل غزة منزوعة السلاح.
ما هو خط فيلادلفيا وما الذي يحكمه؟
ويبلغ طول محور فيلادلفيا أو محور صلاح الدين حوالي 14 كيلومترا، يمتد من البحر المتوسط شمالا حتى معبر كرم أبو سالم جنوبا بطول الحدود المصرية مع قطاع غزة.
بحسب معاهدة السلام التي وقّعتها مصر مع الاحتلال الإسرائيلي عام 1979 -التي تُعرف إعلاميا بمعاهدة "كامب ديفيد"-، تنص على منطقة عازلة بطول الحدود، أو ما يعُرف بمحور فيلادلفيا.
ولم يسمح بوجود أي أسلحة إلا بعد توقيع "اتفاق فيلادلفيا" بين مصر ودولة الاحتلال في أيلول/ سبتمبر 2005 في مفاوضات شاقة استمرت 18 شهرا، تسمح بموجبها وجود قوات مصرية بأسلحة خفيفة في المنطقة.
ويبلغ قوام القوات المصرية الموجودة بموجب الاتفاق على الحدود الفاصلة مع قطاع غزة، حوالي 750 جندي حرس حدود مسلحين بسلاح خفيف، ومتخصصين في مكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود والتهريب.
تجاهل إعلامي وصمت رسمي
إلى جانب الصمت المصري الرسمي رغم ما يمثله الهجوم من تهديد للأمن القومي المصري، الذي يردد المسؤولون المصريون أنه "خط أحمر"، تجاهلت وسائل الإعلام المحلية الخبر بشكل تام، ما عدا موقع القاهرة 24 الإخباري، المقرب من النظام الذي نشر الخبر، ثم عاد وحذفه في وقت لاحق.
ومنذ اللحظات الأولى لشن الهجوم، قال عضو مجلس النواب المصري، مصطفى بكري، عبر منصة "إكس"؛ إن الجيش الإسرائيلي يشن هجوما بطول الحدود المصرية الفلسطينية على محور فيلادلفيا، بزعم تدمير الأنفاق بين مصر وقطاع غزة.
وحذر مما أسماه بالتطور الخطير "قد يدفع إلى انفجار الموقف بين مصر وإسرائيل.. الضربات على بعد أمتار قليلة من الحدود المصرية.. العدو يتمادى في مخططاته.. حدود مصر خط أحمر".
إلا أن ما حذر منه بكري لم يحدث، ولم تصدر أي جهة مصرية سواء الجيش المصري، أو الخارجية، أو ما اعتادت أذرعها الإعلامية على تسميته "بالمصادر المطلعة" و "مصدر رسمي"، و "مصادر خاصة"، التي يكون مصدرها المكتب الإعلامي بالمخابرات العامة.
استهداف معبر رفح 4 مرات
ومنذ بدء عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قام الطيران الحربي بالقصف الجوي على مقربة من معبر رفح على الجانب المصري، طال بعضها أحد الأبراج والحواجز الأسمنتية، وأسفرت عن إصابة عدد من المجندين.
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، في 20 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أن "إسرائيل استهدفت المعبر 4 مرات وترفض دخول المساعدات".
اتفاق وليس اعتداء
وصف الخبير العسكري وعضو هيئة تفتيش القوات المسلحة المصرية سابقا، العميد عادل الشريف، الهجوم الإسرائيلي على طول الحدود المصرية مع قطاع غزة، بأنه "اعتداء سافر على السيادة المصرية، كان يتطلب -إن لم يكن ردا حاسما- بيانا قويا من الجيش المصري، أو شكوى دولية أمام مجلس الأمن، ولكن هذا لم ولن يحدث لسبب وجيه".
وعن هذا السبب، أوضح في حديثه لـ"عربي21"، "أن هذا الهجوم يتم بالاتفاق بين النظام المصري والكيان الصهيوني، ضمن التفاهمات بين البلدين في عهد
السيسي، الذي طالب بتهجير سكان قطاع غزة إلى صحراء النقب، حتى يتم الانتهاء من القضاء على المقاومة".
وبشأن الخطوط الحمراء التي طالما رددتها مصر طوال الحرب على قطاع غزة، تساءل الشريف: "عن أي خطوط حمر نتحدث؟ فهي كثيرة ولكنها خطوط في الهواء مثل القصور على الرمال، مجرد كلمات يكررها النظام ولا يفهم معناها"، مشيرا إلى أن "نظام السيسي هو من قام بهدم مدينة رفح المصرية وإزالتها من الوجود؛ لحماية الحدود وتدمير الأنفاق ومنع وصول السلاح ومواد البناء للمقاومة".
وكان رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، قرر في تشرين الأول/ أكتوبر 2014 إزالة المنطقة السكنية بمدينة رفح المصرية، بدعوى حماية الحدود المصرية من خطر الأنفاق الممتدة منها حتى رفح الفلسطينية.
ونفذت السلطات الإزالة على 4 مراحل بواقع 500 متر لكل مرحلة بدأت من تشرين الأول/ أكتوبر 2014 حتى تشرين الثاني/ نوفمبر 2017. وقام الجيش المصري بحفر قناة عرضية من ساحل البحر شمالا حتى معبر رفح جنوبا؛ للتأكد من قطع الإمداد عن الأنفاق وتدميرها بشكل كامل.
القضاء على المقاومة هدف مشترك
اتفق رئيس الدفاع والأمن القومي بمجلس الشورى المصري سابقا، رضا فهمي، مع الخبير العسكري بشأن وجود توافق مصري صهيوني على تنفيذ الهجوم الأخير، قائلا: "كل ما يحدث على معبر رفح المصري والحدود المصرية مع قطاع غزة، هو بتنسيق كامل مع الكيان الصهيوني؛ بهدف قطع أي إمدادات عسكرية عن المقاومة في فلسطين".
ورأى في تصريحات لـ"عربي21"، أن "عدم رد أو تعليق الجيش المصري على الحادث أو الهجوم، هو أكبر دليل على تواطؤ هذا النظام مع الكيان الصهيوني على تنفيذ المخطط القائم على القضاء على المقاومة في قطاع غزة، والتفريط في أمن مصر القومي وخط دفاعها الأول وتسليمه للاحتلال".
وأكد فهمي أن "النظام فرط في سيادته وفي ثرواته وفي أرض الوطن وفي المياه وفي الغاز وفي كل شيء، ومن ثم هو لا يكترث للمقاومة ولا للسيادة، لا يكترث إلا بشيء واحد فقط هو منصبه، الذي ساعده في الوصول إليه الكيان الصهيوني، ولا مجال هنا للحديث عن أي اتفاقيات دولية بين الجانبين أو تجاوزها؛ لأن كل ما يجري هو باتفاق وتوافق وتنسيق بين البلدين".