كشفت
صور الأقمار الاصطناعية عن دمار هائل في قطاع
غزة خلال سبعة أسابيع من العدوان الوحشي
الذي يشنه الاحتلال الإسرائيلي على القطاع، يفوق بذلك ما دمره النظام السوري خلال ثلاثة أعوام في مدينة
حلب أو التحالف الدولي حلال تسعة أشهر في
الموصل العراقية.
وبينت
الأرقام التي نقلتها صحيفة
واشنطن بوست في تحقيق لها أن الأضرار التي لحقت بالقطاع
فاقت كل الصراعات والحروب التي جرت في القرن الحادي والعشرين.
وبحسب
التحقيق، فإن
الدمار الذي لحق بالقطاع وبالسرعة التي حصل فيها، يتجاوز أي حرب وقعت
في المنطقة، وهو يتجاوز ما تم تدميره في معارك النظام السوري في حلب خلال الأعوام من 2013 إلى 2016، أو حتى الحملة التي قادتها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش في
العراق وسوريا في 2017.
واعتمدت
الصحيفة في تحقيقها على مقارنات بتحليل صور الأقمار الصناعية، وبيانات الغارات
الجوية وتقييمات الأمم المتحدة، مع إجراء مقابلات مع أكثر من 20 شخصا يعملون في
الإغاثة والرعاية الصحية وخبراء في الذخائر والحرب.
وكشف
التحقيق أن
جيش الاحتلال الإسرائيلي "شن غارات جوية متكررة واسعة النطاق قرب
مستشفيات يفترض أنها محمية بموجب قوانين الحرب"، حيث تظهر صور الدمار ومكان
الضربات الجوية أنها كانت قريبة من 17 مستشفى على الأقل من بين 28 مستشفى في شمال
غزة، وفي بعض الحالات استخدمت إسرائيل قنابل وزنها يزيد على الألفي رطل، أي حوالي طن.
مبان سويت بالأرض
وعلى
صعيد المباني خلال الفترة الممتدة ما بين 7 أكتوبر و26 نوفمبر الماضي تضرر
أكثر من قرابة الـ38 ألف مبنى في غزة، نحو 30 ألف منها في شمال القطاع وحده.
وفي
مقارنة الأضرار التي لحقت بغزة حتى أواخر نوفمبر الماضي مع الأضرار التي لحقت بحلب
التي شن النظام السوري هجمات ضارية عليها بين 2013 و2016، كان حجم الدمار
متقاربا رغم عدم مرور سوى سبعة أسابيع على الحرب في غزة.
وتظهر
الأرقام أن عدد المباني التي دمرت في غزة خلال سبعة أسابيع، كانت ضعف عدد المباني
التي دمرت حلب خلال ثلاث سنوات.
وبالمقارنة
مع مدينة الموصل في العراق التي تبلغ مساحتها ضعفا ونصف ضعف مساحة شمال غزة، والتي شهدت
هجوما أواخر عام 2016، دام نحو تسعة أشهر لاستهداف تنظيم داعش، فإنه دمر أيضا ضعف عدد
المباني في غزة خلال أسابيع مقارنة مع ما تم في الموصل خلال أشهر.
وفي
الرقة بسوريا، حيث تمت ملاحقة تنظيم داعش، في عام 2017، على مدى ثمانية أشهر، فقد كان عدد
المباني التي تدمرت في غزة أكثر بضعفين ونصف الضعف في أسابيع مما شهدته الرقة.
وفي غضون ما
يزيد على الشهرين، أطلقت القوات الجوية الإسرائيلية أكثر من 29 ألف قنبلة جو-أرض، نحو
45 في المئة منها لم تكن موجهة، بحسب تقييم صادر من مكتب مدير الاستخبارات
الأمريكي، ما يكشف عن معدل قصف أعلى بحوالي الضعفين والنصف عن ذروة الضربات التي شنها
التحالف الدولي الذي قادته واشنطن لهزيمة تنظيم "داعش"، بحسب بيانات "إير وارز".
المستشفيات
هدفا للاحتلال
إحدى
السمات المميزة للحملات الإسرائيلية الجوية الأكثر عشوائية، كانت قصف
المستشفيات التي لا يمكن مهاجمتها بموجب قوانين الحرب، ولم يخف الجيش الإسرائيلي
وجهة نظره بأن مستشفيات غزة كانت أهدافا عسكرية بذريعة تواجد مراكز تحكم تابعة
لحركة حماس أو تواجد أنفاق.
ويظهر
تحليل البيانات أن القصف الإسرائيلي ألحق الأضرار بالمباني على مسافة 180 مترا من
جميع مستشفيات شمال غزة البالغ عددها 28 مستشفى، حيث ظهرت دلائل مرئية على أن القوات
الإسرائيلية أطلقت النار على مستشفيات وقصفتها وحاصرتها وداهمتها، بحسب الصحيفة.
وكانت
دراسة إسرائيلية نشرتها
صحيفة هآرتس قد كشفت أن "حملة القصف الجوي
التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة هي الأكثر عشوائية من حيث سقوط ضحايا مدنيين في السنوات
الأخيرة".
أعلى
معدل للضحايا في القرن الـ21
المقرر
الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية الأسبق، مايكل
لينك، قال إن "حجم القتلى المدنيين الفلسطينيين في مثل هذه الفترة القصيرة من
الزمن، هو أعلى معدل للضحايا المدنيين في القرن الحادي والعشرين".
وأشارت
الدراسة إلى أن "نسبة الوفيات بين المدنيين في غزة أعلى مما كانت عليه في
جميع الصراعات التي حدثت في القرن العشرين"، بحسب تقرير ل
صحيفة الغارديان.
وأجرى
الدراسة أستاذ علم الاجتماع، ياغيل ليفي، الذي وجد أن نسبة الوفيات بين المدنيين
في الغارات السابقة التي كانت تشنها إسرائيل خلال الفترة بين 2012 و2022 لم تتجاوز
الـ 40 في المئة، وانخفضت إلى ما نسبته 33 في المئة من حملات القصف التي جرت سابقا
خلال العام الحالي.
ووصف
ليفي عمليات القتل التي طالت المدنيين في غزة بأنها "غير مسبوقة" وقد "ارتفعت نسبة الضحايا المدنيين فيها إلى 61 في المئة، وهي أعلى بكثير من متوسط عدد
القتلى في جميع الصراعات التي جرت حول العالم، والتي كان المدنيون يمثلون فيها نصف
القتلى".
لا
توجد منطقة آمنة في غزة
هكذا
وصفت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ميرينا سبولجياريك إيغر، الوضع في غزة
بعد زيارتها مطلع ديسمبر وأضافت أنك لا تمر بشارع واحد إلا وترى فيه تدميرا للبنية
التحتية بما في ذلك المستشفيات.
وادعى جيش
الاحتلال ردا على صحيفة واشنطن بوست، أن "جيش "الدفاع" يهدف من هذه
الهجمات إلى الرد على هجمات حماس وتفكيك قدراتها العسكرية والإدارية".
وأضاف
جيش الاحتلال في ادعاءاته أنه "يتبع القانون الدولي ويتخذ الاحتياطات الممكنة
للتخفيف من الأضرار التي تلحق بالمدنيين".
وفي ظل
الوضع الإنساني الكارثي في غزة، أكد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس
أدهانوم غيبرييسوس، أن "الطلب الأكثر إلحاحا هو وقف فوري لإطلاق النار".
وأشار
إلى أن القطاع الذي تبلغ مساحته 362 كيلومترا مربعا وحيث يعيش مئات الآلاف من
الفلسطينيين في مخيمات مؤقتة، تهدده إلى حد كبير "الجوع والمجاعة وانتشار
الأمراض".
بدوره،
قال مدير وكالة "أونروا" في غزة، توماس وايت، عبر منصة إكس: "لا يوجد مكان
آمن، ليس هناك مكان نذهب إليه"، مضيفا أن "الناس في غزة بشر وليسوا أحجارا
على رقعة شطرنج".