بعيدا عن الحروب والتوترات السياسية والعسكرية المتصاعدة على الساحتين العالمية والإقليمية، شهد
عام 2023 كوارث طبيعية مدمرة اجتاحت العديد من الدول عبر العالم، مخلفة مئات آلاف القتلى والمصابين فضلا عن الأعداد الكبيرة من النازحين والمدن المنكوبة، لا سيما في العالم العربي الذي تعرض لإحدى أكثر النكبات الطبيعية إيلاما خلال أشهر قليلة في مشهد غير مسبوق بتاريخ المنطقة التي ترزح بالفعل تحت وطأة أزمات عنيفة على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ومن الجفاف وحرائق الغابات إلى الفيضانات والأعاصير والزلازل المدمرة والانهيارات الأرضية، اختلفت أشكال الكوارث التي ضربت العالم خلال العام الجاري، بشكل أكد مجددا الأثر السلبي المتصاعد للتغير المناخي، في المتغيرات المرتبطة بالمياه وهطول الأمطار التي رفعت من مخاطر الفيضانات وشدتها بشكل ملحوظ، فضلا عن ارتفاع درجات الحرارة بمستويات غير مسبوقة.
"عربي21" رصدت في هذا الإطار أبرز الكوارث الطبيعية التي اجتاحت جميع أرجاء العالم خلال 2023، خصوصا في دول العالم العربي الذي مر منذ مطلع العام بأعنف تلك الحوادث المدمرة.
زلازل مدمرة
فجر السادس من شباط /فبراير، ضرب زلزال مدمر بلغت شدته 7.8 على مقياس ريختر مناطق جنوب تركيا وشمال سوريا، تلاه زلزال آخر بعد ساعات بقوة 7.7، ما تسبب بتفاقم الكارثة التي صنفت على أنها أكثر الكوارث الطبيعية التي ضربت المنطقة منذ سنوات، والأكبر في أوروبا خلال قرن، بحسب الأناضول.
وأسفر الزلزالان المدمران اللذان تركز أولها في ولاية قهرمان مرعش التركية جنوبي البلاد، عن مقتل ما يزيد عن 46 ألف شخص في تركيا بينهم المئات من السوريين اللاجئين، فضلا عن الدمار المادي الضخم الذي خلف ملايين النازحين بين عشية وضحاها، وفق هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية "آفاد".
وفي سوريا التي تعاني مناطقها الشمالية المكتظة بالنازحين من مختلف أرجاء البلاد، من أزمات متتالية على وقع تواصل الهجمات والغارات الجوية من قبل نظام بشار الأسد وحليفه الروسي، تسببت الكارثة بمقتل نحو 6 آلاف مواطن سوري، فضلا عن تشريد أعداد كبيرة في الخيام خلال شهور الشتاء القاسية، كما عززت من تدهور مستويات الفقر وانتشار الأمراض.
أما في
المغرب الذي يقع في منطقة عدم استقرار زلزالي، فقد ضرب زلزال بلغت شدته 6.8 درجات على مقياس ريختر وسط البلاد، فيما اعتبر أعنف الزلازل التي شهدتها المملكة خلال قرن من الزمان.
ووقع الزلزال المدمر على بعد حوالي 70 كيلومترا جنوب غربي مراكش، وامتدت آثاره إلى أقاليم ومناطق الحوز وورزازات وأزيلال وشيشاوة وتارودانت، وأسفر عن سقوط 2497 قتيلا و2476 مصابا بجروح مختلفة، بالإضافة إلى تشريد آلاف السكان جراء تدمر عشرات القرى والمدن بفعل شدة الكارثة.
وفي شهر تشرين الأول /أكتوبر الماضي، تعرضت ولاية "هرات" في أفغانستان إلى سلسلة عنيفة من الزلازل بلغت قوة أحدها 6.3 على مقياس ريختر، وفقا لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية.
ولقي على إثر الكارثة نحو 2500 أفغاني مصرعهم فيما وصلت حصيلة المصابين إلى ألفي شخص، وبات الآلاف بلا غذاء أو مأوى بعدما تدمر أكثر من 1300 منزل بشكل جزئي أو كلي، وفقا للسلطات المحلية.
وفي الصين، ضربت هزة أرضية منطقة قانسو-تشينغهاي الحدودية في 19 كانون الأول /ديسمبر، بشدة بلغت 6.1 درجات على مقياس ريختر، بحسب تقديرات مركز رصد الزلازل الأوروبي المتوسطي.
ولقي نحو 118 شخصا حتفهم جراء الزلزال الذي وقع بعمق 35 كيلومترا ويقع مركزه على بعد 102 من الكيلومترات إلى الغرب والجنوب الغربي من لانتشو بالصين.
أعاصير وفيضانات كارثية
وفي حدث لا يقل فتكا عن الزلازل، ضرب إعصار "دانيال" المتوسطي مدن شرق
ليبيا في العاشر من أيلول /سبتمبر، مصحوبا برياح قوية وأمطار غزيرة أدت إلى فيضانات هائلة ودمار كبير، كما تسبب في انهيار سدي مدينة درنة ما أدى إلى تفاقم الكارثة بشكل كبير.
وأسفر الإعصار، وهو أكبر كارثة طبيعية شهدتها البلاد منذ 40 عاما، عن مقتل 6 آلاف شخص على أقل تقدير، ونحو 40 ألف نازح، وفقا للأرقام الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
وعلى إثر الكارثة المدمرة، أعلنت السلطات شرق البلاد مناطق درنة، وشحات، والبيضاء في برقة، منكوبة بسبب السيول التي اجتاحتها، كما طالب المجلس الرئاسي الليبي الدول "الشقيقة والصديقة" بتقديم المساعدة والدعم للمناطق المنكوبة.
أما في تنزانيا الواقعة في شرق القارة الأفريقية، فقد تسببت الفيضانات والانزلاقات الأرضية الناتجة عن هطول كميات كبيرة من الأمطار بمدينة كاتيش شمالي البلاد مطلع كانون الأول /ديسمبر، في مصرع ما لا يقل عن 65 شخصا ونزوح حوالي الـ5600 شخص من منازلهم، وفقا للسلطات المحلية.
وفي البرازيل، لقي 46 شخصا حتفهم وأصيب 924 آخرون في إعصار مداري تسبب بعواصف برد شديدة وهطول غزير للأمطار خلال شهر أيلول /سبتمبر الماضي، بحسب موقع "ReliefWeb".
كما تعرضت ولاية ميناس جيرايس البرازيلية في شباط /فبراير، إلى سيول عنيفة أدت إلى انهيارات أرضية أسفرت عن مقتل 54 شخصا وتدمير الكثير من المنازل.
وإلى شرق آسيا، حيث تسببت الفيضانات والانهيارات الأرضية خلال شهر آب /أغسطس بمصرع أكثر من 12 شخصا في المناطق الجبلية الشمالية، كما تضررت عشرات المنازل بمقاطعة لاوكاي الوسطى، في حدث طبيعي أثر على أكثر من 30 ألف شخص، بحسب ما رصده موقع "ReliefWeb".
حرائق الغابات
مع ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق خلال أشهر الصيف، وجدت العديد من الدول حول العالم نفسها في مواجهة موجات واسعة من حرائق الغابات، التي أسفرت عن خسائر مادية واقتصادية وبشرية ضخمة.
وكانت وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، كشفت أن شهر تموز /يوليو الماضي كان الأكثر سخونة من أي شهر آخر وفقا لسجلها الذي يعود إلى عام 1880، مشيرة إلى أن هذا الارتفاع ليس طبيعيا، إنما يعود في المقام الأول إلى انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي يسببها الإنسان.
وفي آب /أغسطس، شهدت الولايات المتحدة أحد أكثر كوارث حرائق الغابات فتكا في جزر هاواي الأمريكية، ما أسفر عن مقتل أكثر من 110 حرقا، في مأساة اضطرت الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إعلان "حالة الكارثة".
وأبادت الحرائق مدينة لاهينا التاريخية الواقعة في جزيرة ماوي، التي كانت عاصمة مملكة هاواي في القرن التاسع عشر، في حين تم إجلاء أكثر من 1400 شخص إلى الملاجئ، وفقا لشبكة "سي إن إن" الأمريكية.
من جهتها، واجهت كندا هذا العام أكبر الحرائق في تاريخها، حيث اجتاحت النيران نحو 16 مليون هكتار من الأراضي وتسببت بنزوح نحو 200 ألف شخص، خصوصا في غرب البلاد وشمالها، حيث تسببت حرائق الغابات بأضرار واسعة طالت قطاعات مختلفة مع تزايد كلفة مكافحة الحرائق والضرر الاقتصادي الذي تخلفه.
وأجبرت الحرائق التي بلغت ذروة شدتها في آب /أغسطس، السلطات على إجلاء سكان مدينة يالونايف عاصمة الأقاليم الشمالية، في واحدة من أكبر عمليات الإخلاء على الإطلاق التي شهدتها المناطق الشمالية الغربية.
وفي اليونان، اندلعت موجة من حرائق الغابات صُنفت على أنها الأكبر في البلاد خلال الأعوام العشرين الأخيرة، تركزت أضرارها على القطاع السياحي في البلاد بعدما استعرت النيران في العديد من الجزر السياحية.
واستهدفت الحرائق جزيرة "رودس" الشهيرة، التي شهدت أكبر عملية إخلاء في تاريخ البلاد على الإطلاق، وفقا للسلطات التي واجهت اتهامات بإلقاء اللوم على التغير المناخي دون أخذ احتياطات كافية.
كما أتت الحرائق على أكثر من 292 ألفا و587 هكتارا من مساحة الغابات، وأسفرت عن مصرع 20 شخصا.
وشهدت جزر الكناري الإسبانية، موجة من الحرائق العنيفة وصفها رئيس حكومتها، فيرناندو كلابيخو، بأنها الأكثر تعقيدا على مدى السنوات الـ40 الماضية، حيث استمرت نحو أسبوعين وأتت على نحو 10 آلاف هكتار من الأراضي، متسببة في إجلاء أكثر من 12 ألفا من منازلهم، بحسب الأناضول.
وفي الجزائر، لقي 34 شخصا بينهم 10 عسكريين مصرعهم جراء حرائق الغابات التي اجتاحت شرقي البلاد في تموز /يوليو، في ظاهرة بدأت في التفاقم عاما بعد عام في البلد الأفريقي جراء الجفاف وموجات الحر الشديد الناجمة عن التغير المناخي.
وتجددت الحرائق في أيلول /سبتمبر الماضي، إلا أن قوات الحماية المدنية الجزائرية تمكنت من إخمادها قبل أن تتسبب في خسائر بشرية.
أما تونس، فقد شهدت سلسلة من الحرائق التي اجتاحت 8 محافظات شمال ووسط البلاد في يومين، وأتت على مساحات واسعة من الغابات، وذلك مع تجاوز درجات الحرارة حاجز الـ50 درجة في العديد من المناطق.
كما تسببت درجات الحرارة المرتفعة في تشيلي أيضا في اندلاع المئات من حرائق الغابات، التي تم تصنيف العشرات منها على أنها "خطيرة".
وأسفرت الحرائق المتطرفة التي أتت على نحو 270 ألف هكتار، عن مقتل نحو 24 شخصا وإصابة 100 آخرين خلال خمسة أيام.