نشر موقع "
أويل برايس" الأمريكي تقريرًا سلّط الضوء على تطورات حقول
النفط الجديدة في
الولايات المتحدة وتأثيرها على سوق النفط العالمية وخاصة على السعودية، التي تواجه تحديات جديدة في التعامل مع الأسواق العالمية مع تغير التوجهات في صناعة النفط.
وقال الموقع، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه من بين الأمثلة التي تدل على أن التاريخ يعيد نفسه هجوم حماس على الاحتلال الإسرائيلي في ذكرى حرب 1973، تمامًا كما فعل التحالف العربي قبل خمسين عامًا.
وحتى الآن، لم يتسع نطاق الحرب بين الاحتلال وحماس إلى حرب يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة على أسعار النفط، لكنها قد تتوسع.
وذكر الموقع أن حرب 1973 أدت مباشرة إلى فرض حظر من قبل أعضاء
أوبك، بالإضافة إلى
مصر وسوريا وتونس، على صادرات النفط إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وكندا وهولندا ردا على إمداداتها الجماعية من النفط والأسلحة والموارد الاستخباراتية والدعم اللوجستي للاحتلال خلال الحرب.
وبحلول نهاية الحصار في آذار/ مارس 1974، كان سعر النفط قد ارتفع بنسبة 267 بالمائة تقريبًا، من حوالي 3 دولارات أمريكية إلى أكثر من 11 دولارًا أمريكيًا للبرميل، وهذا بدوره أدى إلى إشعال نار التباطؤ الاقتصادي العالمي، خاصة في البلدان المستوردة للنفط في الغرب.
لكن من منظور طويل المدى، غيّر هذا سياسة الولايات المتحدة تجاه السعودية وأوبك منذ تلك النقطة.
ووفقًا للتصريحات الأخيرة الصادرة عن الولايات المتحدة، ربما تكون الحرب الحالية بين الاحتلال وحماس هي التي دفعت إلى المرحلة الأخيرة من تلك السياسة التي بدأت في سنة 1974.
وأوضح الموقع أن السعودية وأوبك ودولا عربية أخرى انتصرت في حربها بتحويل ميزان القوى في سوق النفط العالمية من كبار مستهلكي النفط (الغرب في ذلك الوقت) إلى كبار منتجي النفط (الشرق الأوسط في ذلك الوقت).
وقد لخّص وزير النفط والاحتياطيات المعدنية السعودي آنذاك، الشيخ أحمد زكي يماني، هذا التحوّل بدقة وكان له الفضل على نطاق واسع في صياغة استراتيجية الحظر.
ومن الأمور الحاسمة بالنسبة لما تلا ذلك فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية أن أحد الشخصيات العملاقة في واشنطن وافق على وجهة نظر يماني، وهو الراحل هنري كيسنجر، الذي كان استراتيجيًا جيوسياسيًا مؤثرًا للغاية وشغل منصب مستشار الأمن القومي الأمريكي وكذلك وزير الخارجية على فترات متفاوتة، وكان مستشارًا كبيرًا للعديد من رؤساء الولايات المتحدة بعد ذلك. وقد توصّل كيسنجر إلى ثلاثة استنتاجات رئيسية بناءً على أزمة النفط التي حدثت في سنة 1973/1974.
وأشار الموقع إلى أن الاستنتاج الأول هو أن الولايات المتحدة لا يمكنها الوثوق بالمملكة العربية السعودية مرة أخرى، لأنها خرقت جوهر اتفاقية حجر الأساس بين البلدين التي تم التوصل إليها في 14 شباط/فبراير 1945 بين الرئيس الأمريكي آنذاك فرانكلين روزفلت، والملك السعودي آنذاك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود. سارت هذه الصفقة بسلاسة منذ تلك اللحظة وحتى بداية أزمة النفط 1973/1974، وكانت تنص ببساطة على أن الولايات المتحدة ستحصل على جميع إمدادات النفط التي تحتاجها طالما أنه لدى السعودية النفط المتوفر.
في مقابل ذلك، تضمن الولايات المتحدة أمن السعودية وآل سعود الحاكمين، ومن الواضح أن السعودية خرقت هذا الاتفاق عندما قادت الحظر على إمدادات النفط ضد الولايات المتحدة.
وتمثّل الاستنتاج الثاني لكيسنجر في ضرورة تسريع جهود الولايات المتحدة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في موارد الطاقة. ولم تكن لديه أي فكرة واضحة عن الموعد الذي قد يتحقق فيه هذا الاكتفاء الذاتي.
في ذلك الوقت، لم تكن ثورة النفط والغاز الصخري حتى في مرحلة التطوير. أما الاستنتاج الثالث لكيسنجر فكان الإشارة إلى أن أفضل مسار للعمل بالنسبة للولايات المتحدة لمواصلة الحصول على كل ما تحتاجه من النفط والغاز للاحتفاظ بمركزها الاقتصادي والسياسي العالمي هو ضمان عدم توحد دول الشرق الأوسط ضد الغرب مرة أخرى في المستقبل.
ورأى كيسنجر أن الطريقة المثلى لضمان ذلك استخدام مبدأ "فرّق تسد" بين منتجي النفط والغاز الرئيسيين في المنطقة، الذي كان بدوره شكلاً مختلفًا من "الدبلوماسية الثلاثية" التي دافع عنها واستخدمها في تعاملات الولايات المتحدة مع روسيا والصين في ذلك الوقت.
باختصار، كان هذا ينطوي على استغلال أي تصدعات في البلدان المستهدفة في أي وقت، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو دينية، أو أي مزيج منها.
وأفاد الموقع بأن أهم مثالين كانا الاستفادة من الانقسام الديني بين الإسلام الشيعي والسني (المتجسد في إيران والسعودية)، وتقويض الأفكار الناشئة للقومية العربية.
في الحالة الأولى، شملت الأمثلة البارزة الغزو الأمريكي للعراق في سنة 2003، وانسحابها من جانب واحد من "الاتفاق النووي" مع إيران في سنة 2018.
وفي حالة الأخيرة، تشمل الأمثلة البارزة رعاية الولايات المتحدة لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي اغتيل بعدها الرئيس المصري أنور السادات، واتفاقات تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية.
ومنذ سنة 1974 إلى سنة 2014، كانت هذه الاستراتيجية الأمريكية ناجحة على نطاق واسع في ضمان عدم تكرار إجراءات جماعية ذات معنى ضد الولايات المتحدة من قبل السعودية وأوبك.
وبحلول أوائل سنة 2014، أصبح من الواضح للسعوديين أن الولايات المتحدة وجدت طريقة قد تضمن استقلالها في مجال الطاقة في المستقبل، كما أرادت منذ فترة طويلة.
أكد الموقع أن هذه الطريقة تمثلت في صعود صناعة الطاقة الصخرية في الولايات المتحدة، التي بدأت بالغاز في سنة 2006، ثم النفط في سنة 2010.
ومن بداية متواضعة، ارتفع إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة من أقل من 0.2 مليون برميل يوميا في سنة 2011 و2012، إلى ارتفاع مطرد منذ سنة 2013. وبحلول سنة 2014، اعتقد السعوديون أن النفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة يشكلان تهديدًا وجوديًا لمكانة المملكة في العالم واستمرار حكم العائلة المالكة، وقد كانوا على حق في كلا الأمرين.
أشار الموقع إلى أن المملكة تستمد قوتها الحقيقية من مواردها النفطية، وتقوم قوة العائلة المالكة بالكامل على الثروة التي تجلبها.
ولكن في ذلك الوقت، اعتقد السعوديون أنهم إذا دمروا أو أعاقوا قطاع النفط الصخري في الولايات المتحدة، فإن قوتها النفطية سوف تستمر لفترة أطول كثيرا.
واعتقدت السعودية أنها قادرة على القيام بذلك من خلال شن حرب أسعار نفط شاملة، حيث تعمل هي وحلفاؤها في أوبك على زيادة المعروض في السوق، مما يدفع الأسعار إلى الانخفاض إلى مستويات من شأنها أن تؤدي إلى إفلاس منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة.
كان السعوديون واثقين من أن هذه الحرب ستكون ناجحة، مثل أزمة النفط 1973/1974، ويكفي أن نقول إن الأمور لم تسر في صالح السعودية على الإطلاق.
وكانت الكارثة الاقتصادية والسياسية التي نتجت عن ذلك سببًا رئيسيًا لانجراف المملكة نحو مجال نفوذ الصين وروسيا منذ ذلك الحين.
على الجهة الأخرى، انتقلت صناعة النفط والغاز في الولايات المتحدة إلى قوة عالمية، فهي الآن المنتج الأول للنفط الخام والغاز الطبيعي في العالم.
في الأثناء، تتواصل عملية تهميش منتجي النفط والغاز الرئيسيين في الشرق الأوسط مع أنباء عن توقيع وزارة الداخلية الأمريكية على ثلاثة مزادات جديدة لتأجير النفط والغاز في خليج المكسيك.
وستعمل هذه المشاريع على زيادة العديد من مشاريع التنقيب والتطوير التقليدية والنفط الصخري التي أعلنت عنها شركات النفط والغاز الكبرى في الولايات المتحدة خلال العام الماضي، ويشمل ذلك أيضًا إعطاء الضوء الأخضر لمشروع التنقيب عن النفط والغاز التابع لشركة النفط الأمريكية كونوكو فيليبس الذي تبلغ قيمته 8 مليارات دولار في ألاسكا، وإذا عاد الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فمن المرجح أن يرتفع هذا العدد أكثر.