حمّل
وزير الثقافة الفلسطيني، عاطف أبو سيف، سلطات الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية طمس تاريخ الشعب الفلسطيني وهوية قطاع
غزة، عبر قصف وتدمير أهم المباني والمناطق والأسواق التراثية والتاريخية والثقافية، في الحرب التي يشنها منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
ووصف وزير الثقافة الفلسطيني، في حوار خاص لـ"عربي21"، الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي بأنها ليست غير أخلاقية وغير إنسانية فحسب، بل إنها غير حضارية وهمجية، تستهدف محو هوية وتراث وتاريخ شعب من أقدم شعوب العالم، في واحدة من أهم مراكز الثقافة والتجارة على مدى حقب تاريخية.
وأكد الوزير الفلسطيني أنه تم توثيق عمليات الهدم والتخريب المتعمدة بالصور لفضح همجية الاحتلال، في تعمّد منه لتدمير المواقع والرموز التاريخية في قطاع غزة، بالإضافة إلى سرقة العديد من القطع الفنية والتاريخية من المتاحف.
ودعا أبو سيف المنظمات الدولية المعنية إلى الاضطلاع بدورها لحماية هذه المواقع، ومنع استمرار الاحتلال الاستهداف المتعمد لأغلب المعالم التاريخية والأثرية في القطاع بشكل ممنهج، ضمن سياق حربه الشاملة ضد الشعب الفلسطيني وتاريخه وأرضه.
إلى ذلك، شملت عمليات التدمير والتخريب من دولة الاحتلال الإسرائيلي المواقع الإسلامية والمسيحية والإنسانية، وكانت البداية بقصف الوثائق التاريخية في مبنى الأرشيف المركزي بمقر بلدية غزة، والعديد من الأماكن الأثرية والثقافية التاريخية، ومن ثم تدمير متاحف ومساجد عريقة وتاريخية وعدد من الكنائس والأديرة والمقابر القديمة، إلى جانب تدمير أسواق وبيوت قديمة في البلدة القديمة وسط مدينة غزة، التي تضم أكثر من 150 موقعا أثريا وتاريخيا.
في نهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، كشف المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة عن قيام الاحتلال الإسرائيلي بتدمير أكثر من 200 موقع أثري وتراثي، من أصل 325 موقعا في القطاع، وذلك في إطار عدوانها المتواصل منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، يعود تاريخ بعضها إلى 800 عام قبل الميلاد.
وتاليا نص الحوار:
كيف ترى تعامل قوات الاحتلال مع الآثار الفلسطينية في قطاع غزة، وما الهدف من تدميرها؟
-استهداف الاحتلال الإسرائيلي للآثار الفلسطينية هو جزء من حملته لاستهداف الذاكرة الوطنية الفلسطينية، ومحاولة محوها ضمن الحرب الشاملة التي تشنها على شعبنا، وتكون نتيجتها إزالة أي رابط بين الفلسطيني وأرضه.
سرقة هذه الآثار وتدميرها من خلال القصف بالطائرات والبوارج الحربية والدبابات للمساجد الأثرية والكنائس القديمة والمقابر والقصور التراثية والمكاتب الوطنية والمتاحف التاريخية واستهداف البنية التحتية للثقافة من مسارح ومطابع ومكتبات ودور نشر، هذا الاستهداف يشكل جوهر الحرب الصهيونية على الرواية الفلسطينية ضمن عملية سرقة واستلاب فلسطين، بالتالي هي حرب شاملة تستهدف الزمان والمكان والهوية.
كيف ترى صمت المؤسسات الدولية المعنية بالتراث على تلك الجرائم؟ وهل قمتم بالتواصل مع اليونسكو بهذا الخصوص؟
-للأسف، المؤسسات الدولية صامتة تجاه ما يجري في غزة، خاصة أننا تواصلنا مع المسؤولين في منظمة اليونسكو أكثر من شهر وطالبنا بالوقوف على مسؤولياتها تجاه حماية المباني الأثرية والتراثية في فلسطين، خاصة أن هذه الأماكن والمباني هي جزء من ذاكرة العالم وحضارته ولما لها من مكانة هامة على مدار التاريخ، وكانت جسر رابط بين حقب تاريخية متعددة.
ندين صمت المؤسسات الدولية تجاه تدمير وسرقة آثار فلسطين وتدميرها، ولا نعرف شيئا عن الباقي منها تحت دبابات الاحتلال.
هل هناك إحصاء بعدد المباني والأماكن الأثرية التي دمرها الاحتلال في الحرب الأخيرة؟ وما هي أهم تلك الأماكن؟
-من المبكر الحديث عن الأرقام بشكل دقيق، لكن المؤكد أن المدينة التاريخية القديمة تم تدميرها بشكل شبه كامل، نحن نتحدث عن أكثر من 200 مبنى وأسواق سوّيت بالأرض، مثل سوق الزاوية وسوق القيصرية بجانب مساجد قديمة مثل المسجد العمري ومسجد السيد هاشم وكنائس أثرية، مثل كنيسة القديس برفيريوس التي يعتقد أنها رابع أقدم كنيسة في العالم.
كذلك، كنيسة جباليا البيزنطية ومركز الأرشيف الوطني، مقر البلدية القديم في غزة وهو جميل جدا هذا فقط في مدينة غزة؛ هناك آثار وأماكن ومباني طالها الدمار كليا وجزئيا في مدن عدة في خانيونس وغيرها من مدن القطاع.
الاغتيال والتدمير الإسرائيلي هل أخذ شكلا جديد من تدمير المباني وقتل الإنسان والاغتيال السياسي إلى تدمير الإرث الثقافي والتاريخي في قطاع غزة؟
-الهدف الأساسي من هذه الحرب هو قتل الإنسان الفلسطيني، ولا يكتمل قتله إلا من خلال قتل ذاكرته ولا يكتمل قتل ذاكرته دون تدمير المباني والمنشآت التي تربط الإنسان بالمكان والتراث والتاريخ.
القصة ليست تدمير مباني إنما تدمير ذاكرة واعتداء على الإرث التاريخي والثقافي، على كل القوانين الداعية لحماية التراث والتاريخ، ما تم تدميره من بيوت قديمة شهدت حياة حافلة صاخبة مليئة بالثقافة والمعرفة كانت شاهدة على مراحل تاريخية مهمة تؤرخ لحياة المدينة وكل هذا بات تحت الدمار والركام.
استهدف جيش الاحتلال دور الثقافة والعديد من الكتاب والمثقفين الفلسطينيين .. ما هي رسالة الاحتلال من تصفية تلك الفئات؟
-بخصوص استهداف المثقفين والكتاب والفنانين فهم جزء من القضية، وفي مقدمة المدافعين عن القضية الفلسطينية، الكتاب والشعراء كتبوا بالدم عن فلسطين، رصدنا ما لا يقل عن استشهاد 40 كاتبا وكاتبة وفَنانا وفنانة خلال هذه الحرب، هم وعائلاتهم، هذا احتلال بربري لا يأبه ولا يكترث لشيء، يغتال القصة والقصيدة والدبكة ومن الشهداء أعضاء من فرق الدبكة، والتي تم تسجيلها على قائمة التراث الثقافي، ومرة أخرى يدعونا للوقوف حول دور المجتمع الدولي الصامت حيال عدم الدفاع عن المؤسسات والتراث والتاريخ الفلسطيني، وخارج غزة، تم تدمير متحف رفح الذي يضم أزياء فلسطينية أحدثها يتجاوز عمرها عمر دولة الاحتلال.
لم تكن الجامعات والمدارس باب المعرفة والعلم في منأى عن استهداف الاحتلال.. إلى أي مدى يعد ذلك جريمة علمية تهدف إلى تجهيل الشعب الفلسطيني، وهو أكثر الشعوب في المنطقة في نسب التعليم؟
الجامعات كما المدارس تم استهدافها بشكل كلي أو جزئي، وجعلها غير قابلة للعمل تم استهداف 19 جامعة ومعظم المكتبات والمختبرات تم تدميرها 88 ألف طالب جامعي فقدوا فصلهم الدراسي، بجانب تدمير مئات المدارس بشكل كامل وجزئي وتحولت إلى مراكز إيواء، ولم تعد مؤهلة لاستقبال الطلاب وخسرنا عام كامل على مستوى الجامعات والمدارس، وكل هذا يريم صورة الأسوأ الذي يغتا المعرفة والعلم كما يغتال التاريخ والهوية.
كيف تحاول دولة الاحتلال طمس الهوية الفلسطينية والإرث الثقافي والتاريخي لواحدة من أهم المعابر والمناطق في العالم القديم؟
-غزة واحدة من أهم وأقدم مدن العالم وعمرها من عمر التاريخ، وكانت نقطة التقاء حضارات، ومرور حضارات، وانتهاء دول وقيام أخرى، وتضم الميناء الفينيقي من أقدم موانئ العالم.. بالتالي هذه الحرب على الهوية الفلسطينية تهدف إلى نفي الفلسطيني خارج السرد الحضاري عن هذه البلاد من خلال استهداف كل المعالم الأثرية والحضارية والتعليمية.. لماذا تستهدف مسرحا أو جامعة أو كنيسة أو سوقا أو حماما تاريخيا أو مكتبة عامة. الشيء الوحيد الذي يفسره هو محاولة طمس ومحو الهوية الفلسطينية من أجل محوه.
هل تقود سلطات الاحتلال مخططا كبيرا ومحاولة غير أخلاقية بهدف التهجير القسري لسكان غزة لدول الجوار أو الدول الغربية؟
سياسة دولة الاحتلال تهدف إلى استكمال مشروع النكبة لعَام 1948 وهي جريمة مستمرة، ولم تتوقف منذ أكثر من 75 عاما وكل مذابح ومجازر الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني تهدف إلى استهداف هذا المشروع، هذه الحرب ليست على غزة فقط إنما على كل فلسطين، وتحاول النيل من كل ما هو فلسطيني وعلى رأسها تهويد القدس، ومشروع النكبة يقوم على سرقة الأرض ونفي الإنسان من خلال تهجير الفلسطينيين، ولكن هذا لن يحدث، وهم من سيدفعون الثمن في النهاية والتاريخ سوف يقول كلمته.