تعددت التقارير
الصحفية الدولية التي تكشف عن فرض ضباط مصريين إتاوات على الفلسطينيين الراغبين في
مغادرة قطاع غزة إلى الأراضي المصرية عبر معبر رفح البري، وذلك منذ حرب الإبادة
الدموية التي ترتكبها الآلة العسكرية الإسرائيلية بحق 2.3 مليون فلسطيني بالقطاع،
منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
آخر
تلك التقارير، صدر 8 كانون الثاني/ يناير الجاري، لصحيفة "الغارديان" التي كشفت
تفاصيل عمليات الابتزاز الواسعة، والتي قابلتها السلطات المصرية بتجاهل وإنكار،
حيث أشارت الصحيفة البريطانية لرفض رئيس "الهيئة العامة للاستعلامات"
الحكومية المصرية، ضياء رشوان، التعليق على تساؤلاتها.
وقالت الصحيفة:
"يدفع الفلسطينيون اليائسون لمغادرة غزة رشاوى لسماسرة تصل إلى 10 آلاف دولار
لمساعدتهم على الخروج من القطاع عبر مصر".
اظهار أخبار متعلقة
وأكدت على وجود
"شبكة من الوسطاء" بالقاهرة، تساعد أهالي غزة الذين نزح منهم نحو 85
بالمئة حسب الأمم المتحدة، على مغادرة القطاع وتمارس نشاطها قرب رفح منذ سنوات،
ملمحة إلى رفع الإتاوة من 500 دولار للفرد إلى 10 آلاف دولار.
"متاجرة
بدماء الغزيين"
"الغارديان"،
نقلت عن فلسطينيين قولهم إنه "يُطلب منهم دفع (رسوم) كبيرة من قبل شبكة من
السماسرة والسعاة لها صلات مزعومة بأجهزة المخابرات المصرية".
ونقلت عن
فلسطيني يعيش بأمريكا قوله إنه دفع 9 آلاف دولار قبل ثلاثة أسابيع لإدراج زوجته
وأطفاله بقائمة المرور بالمعبر، وفي يوم السفر طُلب منه 3 آلاف دولار أخرى، فيما
وصف الأمر بأنه "متاجرة بدماء الغزيين".
وقال فلسطيني
آخر يعيش بالمملكة المتحدة، إنه طُلب منه بأوائل كانون الأول/ ديسمبر الماضي، على
كل فرد من أسرته التسعة 4 آلاف دولار، لكن الصحيفة أكدت أن المبالغ زادت إلى ما
بين 6 و10 آلاف دولار.
وفي تعليقه
لـ"الغارديان"، قال الخبير بشؤون سيناء مهند صبري، إن الوسطاء
"يستهدفون الأشخاص الأكثر ضعفا"، مؤكدا أن "هذا ليس فسادا على
مستوى منخفض، بل هو فساد ممكّن من قبل الدولة"، معتبرا أن مبررات السلطات
لعدم فتح الحدود "غطاء للفساد الحاصل على الأرض".
وحصدت الآلة
العسكرية الإسرائيلية خلال 96 يوما من العدوان أرواح أكثر من 23 ألف فلسطيني من
غزة، بينهم نحو 9 آلاف طفل، و6500 امرأة، و1779 عائلة، وبجانب حوالي 7 آلاف مفقود
هناك نحو 59 ألف جريح يحتاجون للعلاج خارج القطاع الذي تهدمت جميع مشافيه وخرجت
أغلب مؤسساته الطبية من الخدمة.
وفي مقابل هذا
العدد الكبير من الجرحى الفلسطينيين، وحاجتهم الشديدة للعلاج بالمشافي المصرية
وتلك التي أرسلتها حكومات دول عربية وإسلامية وغربية إلى شمال سيناء، فإن مكتب
الإعلام الحكومي في غزة يقول إن 1 بالمئة فقط من الجرحى استطاعوا الخروج للعلاج.
"ياتدفع
ياتموت"
وعبر مواقع
التواصل الاجتماعي تعددت شكاوي فلسطينيين ومصريين من عمليات ابتزاز واسعة لهم
ولآلاف الجرحى للمرور من معبر رفح، أو النقل للعلاج بالأراضي المصرية، مقابل مبالغ
ورشا تتصاعد من عدة آلاف حتى 9 آلاف جنيه.
ما دفع فلسطينية
غاضبة للتساؤل عبر مقطع مصور: "ما الفرق بينكم وبين الاحتلال؟"، موضحة
أن "إسرائيل تطالب أهل غزة بالخروج منها أو الموت (ياتخرج ياتموت)، بينما
أنتم تقولون للفلسطيني (ياتدفع ياتموت)"، متهمة إياهم باستغلال ضعف
الفلسطينيين وقلة حيلتهم، متسائلة: "أين عروبتكم؟، وأين إنسانيتكم؟، وأين
إسلامكم؟".
وفي 25 كانون
الأول/ الماضي، اشتكى مصري عالق بأسرته على معبر رفح من ذات الأزمة.
وفي المقابل،
تصدر هاشتاغ "#افتحوا\_معبر\_رفح" مواقع التواصل الاجتماعي في مصر،
للمطالبة بوقف حصار غزة، وإدخال المساعدات المتكدسة على الجانب المصري إلى الجانب
الفلسطيني، وإدخال المصابين من أهالي غزة للعلاج في الخارج.
ونقل
نشطاء مقاطع مصورة لمصريين في الجانب المصري من رفح، وهم يمدون النازحين
الفلسطينيين بالماء والكهرباء عبر السياج الحدودي مع قطاع غزة.
وهو المشهد الذي
عبر عنه الكاتب المصري عمار علي حسن بقوله: "بسطاء المصريين يعوضون العار
الذي يرتكبه البعض، وفاحت رائحته، حتى صار حديث صحف عالمية".
ومع تصاعد
الانتقادات، نفى رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان، في تصريحات نقلتها
وكالة "أنباء الشرق الأوسط"، ما أسماه "مزاعم التحصيل الرسمي لأية
رسوم إضافية على القادمين من غزة"، وكذلك ما أثير عن "تقاضي أي جهة غير
رسمية لأي مقابل مادي نظير العبور إلى الأراضي المصرية".
وإزاء تلك
الأوضاع التي وصفها البعض بـ"الفضيحة"، واعتبروها جريمة لا تقل عن جرائم
الإبادة الدموية الإسرائيلية وأكدوا أنها "متاجرة في الدماء
الفلسطينية"، يجدر التساؤل حول أسباب إنكار السلطات المصرية وتجاهلها لعمليات
الابتزاز تلك.
والتساؤل كذلك
حول مدى اعتبار ذلك الإنكار لتلك الجرائم كاشفا عن وجود من يحميها من داخل النظام
ومن يستفيد منها، وبشأن ما إذا كان الهدف منها زيادة الضغوط على فلسطينيي غزة خدمة
للاحتلال الراغب في تهجيرهم قسريا.
"أعمال
الصعاليك"
وفي تعليقه على
تلك التساؤلات، وعلى الإنكار المصري، قال مساعد وزير الخارجية المصري سابقا السفير
الدكتور عبدالله الأشعل: "عادة تلتزم السلطات الصمت في الأمور الخطيرة
الصحيحة".
وفي حديثه
لـ"عربي21"، أضاف: "معبر رفح لايزال موقع ابتزاز، ومصدرا للفساد،
وهو جزء من صور الفساد الكبرى الشائعة على جميع الألسن".
وتساءل:
"ماذا يُنتظر من السلطات؛ أتعترف؟، أم تنكر، وتكون كاذبة؟، ومعاذ الله أن
تكون كاذبة".
السياسي المصري
والمرشح الرئاسي الأسبق، يرى أن "فساد رجال المعبر ليس فرديا وإنما ظاهرة
عامة في مصر كلها".
وسخر بقوله:
"باب رزق"، مستدركا: "ونسي الفسدة أنهم ينتسبون لمصر
الرسمية"، مبينا أنه "من هنا تأتي الفضائح"، خاتما بالقول:
"وكم تعاني مصر العظيمة من أعمال الصعاليك المغتصبين لمصر".
"بإشراف
هؤلاء"
من جانبه، قال
الباحث المصري في الشؤون الأمنية أحمد مولانا، إن "محاولات التربح من حصار
غزة ليست جديدة، فهي بدأت منذ العام 2007، عبر أخذ عمولات على التهريب من الأنفاق،
ثم للسماح بمرور الأفراد من معبر رفح".
وفي حديثه
لـ"عربي21"، يرى مولانا، أن "الجديد، هو استثمار المعاناة (معاناة
الفلسطينيين) في مضاعفة المبالغ المطلوبة إلى ثلاثة وأربعة أضعاف".
ويعتقد أن
"استمرارية ذلك تشير إلى أنه يحدث بإشراف قادة في الأجهزة السيادية، ممن
يتربحون من معاناة الشعب الفلسطيني".
وأضاف:
"ولعل هذا أحد أبرز دوافع التضييق على التنقل عبر معبر رفح، فمن جهة لإرضاء
إسرائيل، ومن جهة أخرى لمراكمة الثروات الشخصية من المال الحرام".
وأكد الباحث
المصري، أن هذا "يبرهن على أن الفساد في مصر مؤسسي، ولذا يتراجع تصنيفها
باستمرار ضمن مؤشرات النزاهة والشفافية الدولية".
وأوضح أنه
"وسواء كان هذا ضمن مخطط إيجاد بيئة دافعة للتهجير قسريا أم لا، فإن النتيجة
واحدة، وهي تحويل غزة إلى سجن يُقتل فيه السكان بتعاون إسرائيلي مصري".
"فساد
وابتزاز"
وشارك مولانا
الرأي، الباحث الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي صلاح الدين العواودة، حيث قال إن
"الأمر ليس جديدا؛ كما أنه شبه رسمي"، موضحا أنه "خلال السنوات
الماضية شكل مصدر دخل للضباط المصريين ومصدر ابتزاز".
وفي حديثه
لـ"عربي21"، لفت إلى أن "أعداد المسافرين كانت محدودة دائما،
وأصحاب الحاجة أكثر بكثير من المسموح لهم بالسفر؛ لذلك كان الدفع هو الطريقة
الأضمن للسفر، بل أحيانا كان المندوبون الرسميون يطلبون سفر أشخاص معينين فتتم
إجابتهم: يجب أن تدفعوا".
وأكد الباحث
بمركز "رؤية للتنمية السياسية"، باسطنبول، أن "هناك أشخاص كثيرون
في غزة كانوا ممنوعون من السفر شخصيا لأن إسرائيل وضعت أسماءهم عند المصريين، ومع
ذلك ومقابل المال سافروا".
وأضاف:
"واليوم تبرز القضية لأنها فاقت المتعارف عليه بقسوتها؛ فالحاجات أكثر وأكثر
إلحاحا مثل الحاجة للعلاج، والمبالغ المطلوبة كبيرة، مثلا أم ومعها أربعة أطفال
تحت عشر سنوات طلبوا منها 12 ألف دولار".
العواودة، وصف
الأمر بأنه "فساد وابتزاز"، معتقدا أنه "من الطبيعي ألا يعلق
النظام على الأمر خصوصا في الإعلام بل سيحاول فعل العكس تماما".
"يعزز
مصداقيتها"
وعبر مواقع
التواصل الاجتماعي، انتقد متابعون عمليات ابتزاز الفلسطينيين وفرض إتاوات المرور
من معبر رفح عليهم.
وقال الصحفي
المصري جمال سلطان، عبر صفحته بـ"فيسبوك"، إن "تواتر الأخبار
والكتابات الفلسطينية والمصرية عن إتاوات بدون إيصال أو مستند تفرضها قيادات مصرية
مجهولة على أي فلسطيني أو مصري.. فضيحة مخزية، وصلت للصحافة العالمية، الصمت
تجاهها يعزز صدقيتها تماما".
وقال الإعلامي
الأمريكي من أصول فلسطينية نظام المهداوي، عبر موقع "إكس": "ظلت
لجان السيسي تتبجح أن معبر رفح مفتوح من الجانب المصري لكن الطرف الثاني
يغلقه"، مضيفا: "كل هذا من أجل أن يجعل السيسي المعبر (سبوبة) له
ولضباطه بالجيش".
مرضى الكلى بغزة يواجهون الموت البطيء مع انهيار المنظومة الصحية
منهم 4 آلاف فرنسي.. الاحتلال يقاتل بآلاف المرتزقة في غزة