اعتدت في مطلع كل عام أن أكتب ما أتمناه، وأرى أن ذلك
يدخل في إطار الممكن والمتاح إذا خلصت النوايا، واتحدت الإرادات على اعتماد مبادئ
العدالة واحترام حق الإنسان في حياة كريمة، وسوف أعرض هذه الأمنيات على ثلاثة
مستويات:
أولا.. المستوى الدولي:
لقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن
النظام الدولي لم يعد صالحا لتمثيل المجتمع الدولي، وذلك لتعدد الأقطاب وتضارب المصالح، أيضا لم تعد القواعد المعمول بها تحقق العدالة، بل طغى فيها الظلم والعنصرية والانحياز، ومن ثم يلزم إعادة الصياغة على النحو التالي:
1- إلغاء
ما يسمى "بحق الفيتو" الذي تتمتع به الدول الخمس الكبرى، حيث ظهر
استخدامه في دعم العدوان، وتعطيل إنفاذ قواعد العدل ونصرة المظلوم وإغاثة الشعوب.
2- تعديل
تكوين مجلس الأمن ليصبح خمسة وعشرين عضوا، الدائم منهم خمسة عشر، وغير الدائم منهم
عشرة، وأقترح إلى جوار الدول الخمس الدائمة ما يلي:
مصر، تركيا، السعودية، البرازيل،
اليابان، جنوب أفريقيا، قطر، باكستان، الهند، ألمانيا، وهي دول تتمتع إما بالثقل
السياسي أو الاقتصادي أو القوة البشرية أو الرؤية السياسية المحترمة، أو المواقف
الجيدة المعتدلة. أما الأعضاء العشرة غير الدائمين، فيتم اختيارهم بنفس القواعد
المعمول بها، ويصدر القرار بأغلبية خمسة عشر عضوا. وأتصور أنه يمكن إجراء ضغوط
متنوعة لإلغاء حق الفيتو، وتوسيع تشكيل مجلس الأمن على النحو المذكور: (مواقف
قانونية من المنظمات الحقوقية- شكاوى أمام محكمة العدل الدولية- مواقف شعبية تندد
بظلم الفيتو وتعديات استخدامه على حقوق الإنسان).
3- تقليص
دور مثلث الشر، المتمثل في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومجموعة الشركات
متعددة الجنسيات، وذلك بتأسيس صندوق للقروض الحسنة بلا فوائد لمساعدة الدول
المحتاجة بلا تنازلات سياسية.
4- قيام
حملة موسعة تطالب بإسقاط جزء من ديون الدول الفقيرة التي تعاني أزمات، مع الاكتفاء
بسداد أصل الدين دون الفوائد، خاصة في ظل حالة الغلاء الفاحش والأزمات الاقتصادية التي
تضرب معظم دول العالم، من جراء توحش النظام الرأسمالي والصراعات والحروب والأوبئة
الفتاكة.
5- نظرا
لأن السلاح النووي أصبح في متناول من يلوح باستخدامه من المسؤولين في الحكومات، وخاصة
المسؤولين الإسرائيليين، فإنه يلزم نزع السلاح النووي الإسرائيلي في إطار جعل
منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل كافة؛ تمهيدا لنزعها من العالم
الذي أصبح أقرب من أي وقت مضى من الحروب العالمية.
6- لقد
كثرت في الآونة الأخيرة التعديات على حرمة الأنبياء والمرسلين والكتب المقدسة تحت دعاوى
حماية بعض الدول لحرية الرأي والتعبير، فيلزم تجريم ذلك دوليا ومعاقبة الفاعل وعدم
حمايته؛ كون هذا التعدي يستجلب غضب الرب سبحانه وتعالى، وما يتبعه من عقوبات دنيوية؛ كتضييق في الرزق وكساد في التجارة، ونقص فيما تنبته الأرض، وشح في مياه الأمطار.
ثانيا.. المستوى الإقليمي:
1- أتمنى
أن أشاهد عودة عاجلة وصحوة سريعة لمنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومجلس
التعاون الخليجي، لتشكيل قوة حقيقية تمثل قرارا موحدا في القضايا المصيرية،
وتكاملا اقتصاديا، وتعاونا على أعمال الخير، وكفى ما ظهر منها من مواقف الضعف
والعجز عن اتخاذ مواقف مناسبة لوقف العدوان على غزة. ولا شك في أن قوة هذه
المنظمات في وحدة مواقفها وعدم تنازعها فيما بينها، قال تعالى: "وَلَا
تَنَٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَٱصْبِرُوٓاْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ
مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ".
2- أن
نجد حلولا عادلة ومرضية للصراعات الداخلية التي تعصف بالعديد من دول المنطقة مثل: ليبيا،
واليمن، والسودان، وسوريا، والعراق، والصومال.
3- المبادرة
إلى اتخاذ موقف عملي ضد الكيان الصهيوني المحتل، بتجميد التطبيع وقطع العلاقات إذا
استمر العدوان على غزة، مع الاستعداد للإعمار وعودة المهجرين قسريا إلى منازلهم في
القطاع فور وقف إطلاق النار.
ثالثا.. الشأن المصري:
1- تشكيل
حكومة كفاءات وطنية بصلاحيات كاملة تستفيد من توصيات الحوار الوطني وتوصيات الحوار
الشعبي الذي أشرف عليه د. أيمن نور، وتضع رؤية شاملة لمعالجة الأزمات والتحديات التي
تواجه البلاد.
2- إتمام
المصالحة المجتمعية، وتفريغ السجون من النزلاء السياسيين كافة، والعفو العام عن
السجناء منهم.
3- السماح
بعودة المهاجرين إلى أرض الوطن وإسقاط التهم كافة عنهم.
4- إطلاق
الحريات العامة وعودة الأنشطة الحزبية والمنظمات الحقوقية، والجمعيات الخيرية ومراكز
الدراسات إلى ما كانت علية في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير.
5- أن
تحقق مصر الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية التي يحتاجها المواطن، وتقليل
الاستيراد ما أمكن ذلك.
6- أن
تنجح مصر في إسقاط جزء من الدين الخارجي، مع القدرة على سداد الديون المستحقة في
مواعيدها المقررة، وتوفير النقد الأجنبي لشراء المستلزمات الضرورية.
7-
أن تنجح الحكومة في الحد من التضخم، مع المحافظة على التناسب بين مرتبات الموظفين وأصحاب
المعاشات وبين أعباء وتكاليف المعيشة.
8-
أن تتخلص مصر من قيودها وتعود إلى دورها الريادي في العالم العربي، وتتمكن من التصدي
للمشكلات الداخلية وحلها، وجمع الكلمة وتوحيد الصف.
9- أن
تستبعد الحكومة الجديدة الوجوه الإعلامية القديمة التي كانت تبث روح الفرقة
والكراهية بين أبناء الوطن الواحد، وتستبدل بهم وجوها جديدة تدعو إلى الألفة وجمع
الشمل.
10- إجراء
انتخابات المحليات في أقرب وقت ممكن، لتعود المجالس الشعبية إلى إدارة ملفات
الخدمات بالمحافظات.
11- عودة
الانتخابات البرلمانية لتكون بالقائمة النسبية مع زيادة عدد الدوائر الانتخابية،
وذلك لتحقيق أكبر قدر من التمثيل الحقيقي للقوى الوطنية المتعددة.
وختاما: فإن الحكومة التي
تبذل جهودا كبيرة ثم لا تجد مردودا مساويا، فهي غير موفقة، وعليها أن تراجع علاقتها
مع الله، فتعلي كلمته وتعظم شريعته وتربط حركة المجتمع بخالقه سبحانه وتعالى.
هذا والله من وراء القصد، ثم محبتنا لوطننا الذي نتمنى
له الخير دائما.