تقارير

خبراء يدرسون المسارات المتوقعة للقضية الفلسطينية في ضوء "طوفان الأقصى"

معركة طوفان الأقصى كشفت حجم التدخل الأمريكي والغربي وتقديم الدعم للكيان الإسرائيلي، ولذلك يجب على محور المقاومة أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار من أجل رفع نسق التعاون والتنسيق في ما بينها.
عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات يوم الأربعاء 24/1/2024 ندوة بعنوان "المسارات المتوقعة لقضية فلسطين في سنة 2024 في ضوء معركة طوفان الأقصى"، بمشاركة عشرات الخبراء والمتخصصين في الشأن الفلسطيني.

وقد قُدّمت في هذه الندوة، التي أدارها أ. د. محسن محمد صالح، ثماني أوراق عمل، ناقشت المسارات المستقبلية المتوقَّعة خلال سنة 2024؛ وكانت أولاها لساري عرابي حول الوضع الداخلي الفلسطيني، أما الثانية فكانت لمعين الطاهر حول أداء المقاومة الفلسطينية، وقدّم الورقة الثالثة زياد ابحيص حول الأوضاع في القدس، بينما قدّم د. مهند مصطفى الورقة الرابعة حول السلوك السياسي والعسكري الإسرائيلي، واستشرف أ. د. وليد عبد الحي في الورقة الخامسة الموقف الدولي تجاه قضية فلسطين، وقدّم الورقة السادسة هاني المصري حول التسوية السلمية واليوم التالي للحرب على غزة، أما الورقة السابعة فتوقع فيها د. سعيد الحاج مسارات عدد من الدول العربية والإسلامية الفاعلة (تركيا، مصر، الأردن، السعودية، قطر)، بينما قدّم الورقة الثامنة أ. د. طلال عتريسي حول المسارات المتوقعة لمحور المقاومة (إيران، حزب الله، سوريا، العراق، اليمن).

وشارك مجموعة من الخبراء والمتخصصين في مناقشة أوراق العمل، قبل أن يقوم مقدمو الأوراق في نهاية الندوة بتقديم ردودهم وتوضيحاتهم.

وجاءت هذه الندوة في ضوء استمرار معركة طوفان الأقصى، التي تُعدّ حدثاً مفصلياً في التاريخ الفلسطيني الحديث، وفي ضوء العدوان الوحشي الإسرائيلي على قطاع غزة، وسلوكه الإجرامي داخل فلسطين وخارجها، وبالنظر إلى الأداء البطولي للمقاومة، والصمود التاريخي للحاضنة الشعبية.

مسارات حرجة تنتظر "إسرائيل" سنة 2024

توقَّع خبير الشؤون الإسرائيلية د. مهند مصطفى تَشكُّل "إسرائيل الثالثة" إثر معركة طوفان الأقصى في 7/10/2023 والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. ورأى أنّ السؤال الأساسي في "إسرائيل الثالثة" سيكون سؤال الدولة، وإعادة الثقة بنفسها وقدرتها على الاستقرار والاستمرار؛ وسيتركّز الهمّ في البحث عن "رجال دولة" ذوي نزعة عسكرية، قادرين على أداء المهمة. وقد أوضح د. مصطفى أنّ المقصود بـ"إسرائيل الأولى" تلك التي نشأت سنة 1948، و"إسرائيل الثانية" هي التي تلت حرب 1973.

فعلى المستوى السياسي الإسرائيلي الداخلي توقّع د. مصطفى أن تتفكك حكومة الطوارئ بخروج حزب المعسكر الرسمي منها، وأن تجرى انتخابات جديدة بعد حركة احتجاج متصاعدة ضدّ الحكومة الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو، وأن تفوز المعارضة في الانتخابات، وأن يتم تشكيل حكومة برئاسة بني غانتس.

وقال د. مصطفى أنّ فوز المعارضة سيدفع نتنياهو للاستقالة من الليكود وخروجه من المشهد السياسي، وسيتجمد مشروع التغييرات الدستورية التي بدأت في عهد حكومة نتنياهو الحالية، وقد نرى صعود قيادات يمينية جديدة تسعى للسلطة، مثل يوسي كوهين ورون ديرمر.

وأضاف د. مهند مصطفى في توقّعاته على المستوى الاجتماعي ـ الاقتصادي الإسرائيلي، أن تتعمق حالة الانقسام في المجتمع الإسرائيلي حول الأفق السياسي لقطاع غزة وحلّ الدولتين، وستتزايد النزعة العسكرية في المجتمع الإسرائيلي وستكون مصحوبة بتوجهات عنصرية، وسيتفاقم التصدع الديني العلماني جراء التخفيف من امتيازات المتدينين.

وقال د. مصطفى إنّ الأزمة الاقتصادية الداخلية الإسرائيلية ستتفاقم نتيجة تداعيات الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي، وسينخفض مستوى المعيشة وسيتزايد الغلاء جراء الأزمة الاقتصادية وتقلص قطاع الهايتك وتعميق أزمته. وفي المقابل، سيتزايد الإنفاق الحكومي على المؤسسة العسكرية وعلى أجهزة الاستخبارات المختلفة، كما أنه سيتم تشكيل لجنة تحقيق رسمية في إخفاق 7/10/2023، وهي بدورها ستشكل وقوداً لتعميق الانقسام في المشهد الإسرائيلي.

أما على المستوى الجيوسياسي-استراتيجي، فقد توقّع د. مهند مصطفى استمرار حالة الحرب رسمياً على قطاع غزة، حتى وإن توقفت العمليات العسكرية، لأنّ "إسرائيل" لن تتمكن من تحقيق أهدافها. كما أنه توقّع تصاعد الصراع العلني والسري بين إيران و"إسرائيل" على جبهات مختلفة، خصوصاً في سوريا، وسيتم وضع اليمن ضمن أولوية المنظومة الأمنية الإسرائيلية في المرحلة القادمة، بعد الدور اللافت الذي قامت به في البحر الأحمر، والتعامل مع هذه الجبهة على غرار الصراع مع إيران، كما أنه سيستمر التوتر والتأزم على الجبهة الشمالية ولكن دون الوصول إلى حالة حرب شاملة، أو الإعلان عن حالة الحرب.

وعلى مستوى السياسة الخارجية الإسرائيلية، توقّع د. مصطفى السعي لفتح مسار التطبيع من جديد مع دول عربية برعاية أمريكية، في حالة تغيير الحكومة الإسرائيلية الحالية. كما توقّع تراجع مكانة "إسرائيل" على المستوى الدولي بسبب عدوانها على غزة، بما في ذلك تراجع العلاقات بين "إسرائيل" وبين روسيا والصين في المرحلة القادمة.

وأخيراً توقّع د. مصطفى أن يرتبط مسار العلاقات مع مصر والأردن وتركيا بمآلات الحرب على غزة، كما أنه استبعد نجاح المسعى الأمريكي لترسيم الحدود البرية بين "إسرائيل" ولبنان.

المشهد الفلسطيني الدولي 2024.. فرصة واعدة وتحدياته كبيرة

توقَّع خبير الشؤون الدولية أ. د. وليد عبد الحي أنّ احتمال التصويت لصالح فلسطين في قضية الإبادة الجماعية في المحكمة الدولية لن يقل عن 9 إلى 10 أصوات، دون استبعاد ممارسة الولايات المتحدة أقصى درجات الضغط. وقال إنّ الجانب الفلسطيني سيتعرض بعد وقف القتال لابتزاز حول الأموال المطلوبة لإعادة إعمار ما دمرته "إسرائيل" في قطاع غزة، وأنّ الابتزاز السياسي سيكون هو سمة هذه القضية، حيث إنّ 82% من المساعدات المالية لفلسطين تأتي من دول لا تساند الموقف السياسي للمقاومة الفلسطينية المسلحة، ولهذا ستحاول هذه الدول الربط بين المساعدات وبين شروط سياسية ضاغطة على مواقف المقاومة.

وأكّد عبد الحي أنّ عملية طوفان الأقصى تركت أثراً عميقاً على حقيقة الصورة الإسرائيلية في الرأي العام الدولي، ورأى أن هذا التحول الإيجابي سيتواصل، وأنّ العلاقات الإفريقية الإسرائيلية مرشَّحة لمزيد من التوتر، حيث إنّه لم يصوّت من دول إفريقيا غير العربية ضدّ القرار الأخير في الجمعية العامة في كانون الأول/ ديسمبر 2023 إلا دولة واحدة هي ليبيريا فقط.

وأضاف أ. د. وليد عبد الحي أن السياسة الأمريكية خلال سنة 2024 ستشهد قدراً من الاضطراب الداخلي، سيفرزه تواصل التراجع السنوي لدخل الفرد الأمريكي منذ تولي بايدن الرئاسة، واستمرار تزايد الفروق الطبقية، وزيادة 121 مليار في الإنفاق العسكري بين 2020 و2024، وارتفاع مرتبة الولايات المتحدة الأمريكية إلى المرتبة 134 سنة 2024 بعد أن كانت في المرتبة 83 عام 2008-2009 في مؤشر السلام العالمي (العنف الداخلي والعنف الخارجي)، وهو يدل على زيادة في سوء الأوضاع، بالإضافة إلى المنافسات الانتخابية التي ستنحصر غالباً بين ترامب وبايدن، والتي ستؤول إلى فوز بايدن (إذا طبّقنا نموذج ليكتمان للتوقعات المستقبلية)، غير أنّ ذلك لا يمنع من احتمالات تزايد الانقسامات داخل جمهور ونخب الحزب الديموقراطي.

وقال عبد الحي، إنّ كلّ هذا سينعكس على أعباء دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي يتخوف منه الكثير من القادة الإسرائيليين. ورأى أنّ الضغط الأمريكي باتجاه التطبيع العربي الإسرائيلي هو لتخفيف الانغماس الأمريكي في دورات العنف في الشرق الأوسط، وهو ما سيدفع أمريكا لمزيد من الضغط على العرب باتجاه التطبيع لتحقيق بعض النقاط التي تخفف من آثار الجوانب السلبية التي ذكرها.

وأكّد أ. د. وليد عبد الحي أنّ تزايد تبني المجتمع الدولي لحل الدولتين سيُوقع "إسرائيل" في قدر من الارتباك، فإذا قبلت حلّ الدولتين قد تحدث اضطرابات عنف يؤججها المستوطنون في الضفة ومعهم اليمين الديني، وإذا رفضت ستجد مأزقاً في التعامل مع المجتمع الدولي من هذه الناحية، لذا فإن من المحتمل برأيه أن تقبل الإطار العام للحل، ثم تحاول إفراغه من محتواه، بالطريقة التي تعاطت فيها سابقاً مع اتفاق أوسلو، ثم تعيد سيرة التعاطي مع أوسلو.

توقعات باستمرار المقاومة وقوة فعاليتها وانتهاء الحرب قبل نهاية العام

توقَّع الخبير الاستراتيجي والعسكري الفلسطيني أ. معين الطاهر استمرار المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في أدائها القوي الفعّال في مواجهة العدوان الإسرائيلي ولأشهر عديدة. وقال إنّ المقاومة التي نفّذت عملية طوفان الأقصى نفّذت "معجزة عسكرية بالمعنى العلمي للكلمة"، وأنّها قادرة على الاحتفاظ بمنظومة قيادة وسيطرة متماسكة في الفترة القادمة، وأنها تستخدم بكفاءة عالية أسلحتها وذخائرها، وبوجود رجال مقاومة مؤمنين نوعيين مدربين على هذا النوع من المواجهات.

وقال إنّه ليس من المرجح أن تستمر الحرب طوال سنة 2024 لأسباب عديدة. وأنّه على فرض أن العدو تمكّن من احتلال القطاع، وهو أمر مستبعد، فإن المقاومة قادرة على الاستمرار وإحداث خسائر جسيمة به وإن اختلفت تكتيكاتها. ونوّه الطاهر إلى احتمالات تصاعد المقاومة في الضفة الغربية في الفترة القادمة؛ خصوصاً مع تصاعد اعتداءات الجيش الإسرائيلي ومستوطنيه على الفلسطينيين وأراضيهم.

وأوضح الطاهر أنّ ما سيُحدد مسارات المدى الزمني للحرب هو أداء المقاومة على الأرض، وتطورات الوضع السياسي، وحالة الشارع العربي والغربي، وموقف الإدارة الأمريكية والمجتمع الأوروبي.

وأضاف الطاهر أنّ من التحديات التي قد تُحيط بالمقاومة المعاناة المدنية والإنسانية في القطاع، ولفت النظر إلى ضرورة القيام بكل ما بوسعنا لتخفيفها.

وأكّد الطاهر أنّ مستقبل المقاومة الفلسطينية يجب أن لا يُرهن فقط بقطاع غزة، وأنّ المرحلة القادمة ستمتاز بأنّ المقاومة ستكون مقاومة شاملة، بما في ذلك المقاومة العسكرية المتصاعدة بأشكال مختلفة، والمقاومة الشعبية، ومقاومة التطبيع، والمقاومة القانونية، والمقاومة على المستوى العربي والغربي لعزل "إسرائيل"، وغيرها.

وأضاف الطاهر أنّ من المسائل المشجِّعة لاستمرار هذه المقاومة استعادة التيار الوطني في الساحة الفلسطينية (بما في ذلك من لم ينغمس في التنسيق الأمني في منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح) دوره ليكون مشاركاً ورديفاً وحامياً للنموذج الذي حصل في عملية طوفان الأقصى.

تصاعد العدوان على الأقصى وازدياد برامج التهويد

توقَّع الخبير في شؤون القدس أ. زياد ابحيص أن يتجلى السلوك "الثأري" الإسرائيلي لما حدث في 7/10/2023 في السياسات والممارسات الصهيونية في الأقصى والقدس؛ وأنّه مع بداية رمضان القادم في 11/3/2024 ستحدث مواجهات شعبية عنوانها الصلاة وشدّ الرحال إلى المسجد الأقصى من أحياء القدس والضفة الغربية والأرض المحتلة سنة 1948، وهو ما يفتح الباب لمواصلة نسق المواجهة السابق بتسارعٍ أكبر. كما توقَّع أن تعود إلى الواجهة محاولة التهجير النهائي لحي الشيخ جراح ولأحياء سلوان السبعة المهددة، ويضاف إليها كذلك وادي الجوز شمال البلدة القديمة، حيث يدخل مشروع "وادي السيليكون الجديد" حيز التطبيق.

وعلى مستوى الاستيطان، قال أ. زياد ابحيص أنّ "إسرائيل" تحاول حسم هوية القدس بإيجاد عمق استيطاني في مركز المدينة، إضافة إلى حسم مصير حدودها الشرقية، وهذا ما يجعل التوسع الاستيطاني مرشحاً للتركز في ثلاثة اتجاهات: اختراق البلدة القديمة من بوابة الأملاك المسيحية، ومحاولة السيطرة على الكتل العقارية الكبرى المتبقية، وتشكل بيت حنينا وشعفاط مسرح هذه المحاولات، وأمام الأزمة التي تعصف بمدرسة اليتيم العربي وعجز إدارتها في عمّان عن الاستجابة للتحدي، فإنها مرشحة لأن تكون عنوان الأزمة التالية، ومحاولة حسم مصير برية القدس باتجاه معاليه أدوميم مرشحة للتجدد بمحاولة تهجير الخان الأحمر.

وتوقَّع ابحيص أنّ طوفان الأقصى مرشَّح للتأثير على التركيبة السكانية للكيان الصهيوني؛ بدفع الصهاينة العلمانيين من سكان السهل الساحلي إلى الهجرة مع تشبث المستوطنين بالبقاء، بشكلٍ يجعل تركيبة الكيان الصهيوني تقترب من تركيبة القدس الحالية بتمثيل أعلى للمتدينين ولتيار الصهيونية الدينية، ما يرشح لتعميم معضلة القدس باعتبارها أكثر هجوماً، لكنها أقل إنتاجاً وقدرة من الناحية الاقتصادية، وأكثر اعتمادية على غيرها.

فرص أفضل لتوافق وطني ولنتائج الحرب دور حاسم

توقَّع الخبير في الشأن الفلسطيني أ. ساري عرابي أربعة سيناريوهات للوضع الفلسطيني الداخلي؛ الأول استمرار الوضع القائم من حيث الافتراق بين حركتَي حماس وفتح على ما هو عليه، وهذا الاحتمال وإن أضعفته الحرب؛ فإنّه يبقى قائماً، والثاني حصول اتفاق وطني على إدارة مرحلة ما بعد الحرب، بغرض إنهاء الانقسام، ورفع الحصار وإعادة الإعمار، والتهيئة لانتخابات شاملة، وهذا غالباً متعلق بالشكل الذي ستنتهي إليه الحرب. وهذان السيناريوهان هما الأرجح بحسب عرابي.

وأضاف أ. ساري عرابي سيناريوهين آخرين هما أقل رجحاناً؛ الأول أن تنتهي الحرب بانتصار واضح للمقاومة، وفي طليعتها حركة حماس، وهو ما سيوفّر موقعاً أفضل لحماس وفرصة أكبر لفرض شروطها على المستويات كلّها، بما في ذلك الوضع الداخلي الفلسطيني؛ والثاني أن يتمكن الاحتلال من السيطرة على قطاع غزة، وتحقيق ولو جزء من أهدافه في ضرب أو إضعاف العمل المقاوم، ما يفتح المستقبل الفلسطيني برمّته على واقع مختلف تماماً؛ وكلا السيناريوهين مستبعدان وفق المعطيات المتوفرة.

وقال عرابي إن ثمة فرصاً قوية أن تعزز قوى المقاومة وقوى العمل الوطني حضورها الشعبي والسياسي والمؤسسي، بما يمنع محاولات عزل المقاومة وتهميشها، وبما يقطع الطريق على النخبة المتنفذة في السلطة للاستجابة لمزيد من الضغوط والطلبات الإسرائيلية. وأضاف أن هذه الحرب بشكل عام تتيح فرصاً أفضل لمسارات العمل الوطني الجادة.

من جهة أخرى، أكّد الخبير في الشؤون السياسية الفلسطينية أ. هاني المصري، أنّ مسارات التسوية السلمية خلال سنة 2024 ترتبط بشكل جوهري بنتائج الحرب على قطاع غزة. وقد طرح ثلاثة سيناريوهات محتملة، حيث رجّح سيناريو "لا غالب ولا مغلوب"، وهو أن كل طرف يقول إنه هو المنتصر، وبناء عليه سيكون هناك حراك سياسي لتجاوز المرحلة، ولرسم شرق أوسط جديد، وستتم محاولة امتصاص وتفريغ مكتسبات المقاومة من محتواها من خلال توسيع صلاحيات السلطة وأماكن نفوذها، فتتحول إلى سلطة مصلحة وتصبح طيِّعة للطرف الإسرائيلي أكثر.

أما السيناريو الثاني فهو سيناريو سيطرة العدو على قطاع غزة، وهو أقل احتمالاً؛ ولكن إن حدث فسيستمر المسار السياسي الإسرائيلي والمتسارع في مشروع التهويد والتهجير والضم، وستنضوي قيادة السلطة تحت هذا المسار بشكل أكثر استجابة للإملاءات الإسرائيلية. ومن المرجح حينها أن يكون هناك انقسام في داخل السلطة وحركة فتح، حيث سترفض قطاعات من فتح هذه الإملاءات، بينما قد تبقى مجموعة متنفذة في السلطة تتحول إلى عملاء لدى "إسرائيل" وتنفذ كامل طلباتهم، وفي هذه الحالة تكون "إسرائيل" قد حققت نجاحات كبيرة.

أما السيناريو الأفضل كما يرى المصري ولكنه الأقل احتمالاً، فهو توحيد القوى الفلسطينية، خصوصاً قوى المقاومة، على أساس رؤى وبرامج هدفها إنهاء الاحتلال، وقال إن لم يتم ذلك في المدى القريب فإنّه سيأتي من يملأ هذا الفراغ.

وقال هاني المصري إنّ معركة طوفان الأقصى أعادت الاهتمام العالمي إلى القضية الفلسطينية بعد أن تراجعت مكانتها، ونتيجة المعركة سوف تنعكس على مسار التسوية في المرحلة القادمة. وذكر أنّ هدف طرح حلّ الدولتين في هذه الفترة بقوة يعود إلى الشعور العالمي بخطورة الأوضاع، وأنّ التجاهل للقضية الفلسطينية سيتسبب بمزيد من الانفجارات في المنطقة، وأنه لا يمكن تجاوز الشعب الفلسطيني ومعاناته. كما أنّ طرح حلّ الدولتين هو من الناحية الأمريكية يهدف لامتصاص الاحتقان، ومحاولة نفخ الروح في مسار التسوية، كما أنه يهدف إلى استدراج السعودية للتطبيع مع الكيان، والقول أن هناك إنجازاً قد تحقّق. غير أنّ الفلسطينيين لا ينبغي أن يسيروا باتجاه حلّ الدولتين قبل أن يوحِّدوا بنيتهم الوطنية، ويتفقوا على برنامجهم السياسي لإدارة هذه المرحلة.

المسارات العربية والإسلامية تجاه قضية فلسطين

توقَّع د. سعيد الحاج إنّ تركيا يمكن أن تلعب أدواراً في إعادة الإعمار وأعمال الإغاثة بعد الحرب، وهي ما زالت تقترح أن تكون إحدى الدول الضامنة في غزة بعد وقف العدوان، أما خلال الحرب فلا يتوقع حدوث تطور في موقفها السياسي المتضامن مع الشعب الفلسطيني، ولكن دون تصعيد أي أدوات ضغط على "إسرائيل" مع الاستمرار في علاقاتها السياسية والاقتصادية معها.

وحول توقّعاته عن مصر، قال إنّه ليس من المتوقع أن يتطور الموقف المصري من الحرب في سنة 2024، بينما سيكون لمصر دور بارز في مرحلة ما بعد الحرب، وخصوصاً في ملف إعادة الإعمار. وتوقّع الحاج أن تستمر مصر في السياسة التقليدية في المحافظة على العلاقة مع "إسرائيل"، مع عدم فتح معبر رفح إلا ضمن توافقات مسبقة مع الإسرائيليين والأمريكان، مع استمرار "احتكارها" ملف المصالحة الفلسطينية.

وتوقَّع د. سعيد الحاج أن تستمر قطر في لعب دور الوسيط في صفقات تبادل الأسرى، وإيقاف الحرب، وتقديم الدعم المادي والإغاثي المتقدم لقطاع غزة، ومتابعة الدور الإعلامي النشط الذي تلعبه الجزيرة والذي يتعاطف مع المقاومة ونبض الشارع العربي، والإبقاء على العلاقات القوية مع الولايات المتحدة، وتقديم نفسها كوسيط فعَّال موثوق، والاستمرار في استضافة قيادات حركة حماس، واستثمار ذلك في لعب دور نشط في السياسة الإقليمية.

وعن السعودية، توقَّع الحاج إبطاء مسار التسوية السلمية مع الكيان الإسرائيلي، وعدم الدخول في أي استحقاقات قبل اتضاح النتائج النهائية للعدوان على القطاع، ومتابعة السياسات التقليدية التي يتبناها محمد بن سلمان، وتغليب العناصر البراجماتية في التعامل مع الملف الفلسطيني.

وفي ما يتعلّق بالأردن، توقّع الحاج متابعة السياسة التقليدية مع "إسرائيل" والولايات المتحدة، مع رفع السقف السياسي أحياناً بما يتناسب مع الضغوط الشعبية، ومحاولة استيعابها وامتصاصها. وقال إنّه من غير المرجح انفتاح الأردن على حركة حماس وقوى المقاومة إلا إذا نجحت المقاومة في صدّ العدوان على القطاع، وخرجت كقوة أكثر فاعلية في الواقع الفلسطيني.

من جهة أخرى، توقَّع أ. د. طلال عتريسي تطوير عمل محور المقاومة ضمن إطار استراتيجية تحرير فلسطين، وأضاف أنّه في حال انتصرت حركة حماس في معركة طوفان الأقصى فإنّ محور المقاومة بأسره يُعدُّ منتصراً. وقال إنّ وحدة الجبهات كانت في السابق مجرد تهديد، ولكن بعد معركة طوفان الأقصى هذا التهديد تحوّل إلى تهديد جدّي وحقيقي، وهو تغيّر مهم في الصراع مع العدو لم يحصل منذ سنة 1973.

وأضاف عتريسي أنّ معركة طوفان الأقصى كشفت حجم التدخل الأمريكي والغربي وتقديم الدعم للكيان الإسرائيلي، ولذلك يجب على محور المقاومة أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار من أجل رفع نسق التعاون والتنسيق في ما بينها. وقال إنّ دور جبهة اليمن برز بشكل لافت للنظر من خلال العمل المهم التي تقدمه في دعم المقاومة الفلسطينية خلال معركة طوفان الأقصى، وعلى المقاومة أن تضع ذلك في اعتبارها في بناء رؤيتها الاستراتيجية.