نشرت صحيفة "
التايمز" مقالا لمحرر مجلة "نيوستيتمان" جيسون كاولي، قال فيه إن زعيم حزب العمال البريطاني المعارض
كير ستارمر لديه مشكلة
فلسطينية، لكن هل يستمع؟
وأضاف الكاتب إن مشكلة ستارمر الفلسطينية ستزداد سوءا مع اقتراب الانتخابات العامة "والأسوأ بالنسبة له أن الكثير من نواب حزب العمال يعتقدون أن زعيمهم "طوقه" ديفيد كاميرون، وزير الخارجية، في موضوع فلسطين، وقد أخبر في الأسبوع الماضي تجمعا للسفراء العرب في لندن بأن الحكومة البريطانية تفكر بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ورحب السفير الفلسطيني في لندن، حسام زملط، بتصريحات كاميرون التي ضاعفها في "صندي تايمز"، لكنها أغضبت الكثيرين من نواب العمال. ليس لأنهم لم يوافقوا على ما قيل ولكن لتمنيهم أن التصريحات صدرت من زعيمهم، وفقا للكاتب.
وفي عام 2014، كانت سياسة حزب العمال تحت زعامة إد ميليباند هي الاعتراف الفوري بالدولة الفلسطينية، وهو موقف رفضه ستارمر عندما أخبر قادة يهود في الشهر الماضي أن الاعتراف لن يكون فوريا (في حال فوز الحزب الانتخابات) بل كجزء من "عملية سلام واسعة".
ويرى الكاتب أن الكتلة البرلمانية العمالية متحدة خلف ستارمر، فالحزب يريد الفوز في الانتخابات العامة ويعتقدون أن ستارمر قادر على تقديم ما يريدون.
لكن عدم الرضى من قيادته في الموضوع الإسرائيلي-الفلسطيني يتعمق ويفاقم مظاهر القلق الأخرى. فدعم زعيم العمال الثابت للحرب الإسرائيلية في غزة وتردده المستمر في الدعوة لوقف إطلاق النار أدى لتقسيم النواب وأنعش اليسار المتشدد وأغضب الناخبين المسلمين الذين يدعمون تقليديا حزب العمال، بحسب الكاتب.
وأشار الكاتب إلى أن احتجاجات الشارع العربي وسياسة النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني وصلت إلى
بريطانيا. ويخطط مرشحون مؤيدون لفلسطين لخوض الانتخابات ضد نواب معروفين. وقالت لين محمد، الناشطة الفلسطينية-البريطانية بأنها ستترشح في منطقة ويس ستيرلينغ في شمال إلفورد، ويخطط جورج غالاوي للترشح في الانتخابات التكميلية في روتشديل، وتعهد بأن "يلقن ستارمر وحزب العمال درسا". وفي عام 2021، نافس غالاوي، كيم ليدبيتر، شقيقة النائبة جو كوكس التي قتلها متطرف يميني في منطقة باتلي أند سبين.
ولو خسر العمال ذلك المقعد لواجه ستارمر تحديا في القيادة من اليسار. ولا فرصة لفوز غالاوي في روتشديل، مدينة محالج النسيج السابقة المهملة، حيث واجهت غيليان دافي، غوردون براون في 2010 وتم رفض كلامها باعتبارها متطرفة، إلا أن وجوده سيزيد من الانقسامات ويشعل حماسة المؤيدين لفلسطين، بحسب الكاتب.
ومنذ هجمات "حماس" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، واجه ممثلو حزب العمال احتجاجات من مؤيدي فلسطين وبخاصة في المناطق ذات الكثافة المسلمة، وتلقى بعضهم تهديدات. وقال نائب من المقاعد الأمامية عن العمال في البرلمان: "نتعرض لضغوط شديدة" و"نحن في مقدمة من يتعرضون للانتهاكات، وعلينا المراقبة من الهامش حيث حاصر كاميرون، ستارمر، في فلسطين".
وقال الكاتب إن كاميرون هو محافظ وشاك قديم ومنذ عودته المفاجئة للحكومة، فإن موقفه من غزة قريب من المستعربين الواقعيين في وزارة الخارجية وأبعد من الموقف الداعم وبغير شروط لإسرائيل. وقبل فترة، وصف كاميرون غزة بـأنها "المعسكر السجن" وانتقد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 2006 أو ما تطلق عليها إسرائيل حرب لبنان الثانية.
وأضاف الكاتب أن ستارمر كان مصمما مع بداية زعامته للحزب على تنظيفه من اتهامات معاداة السامية وتحويله إلى مكان آمن لليهود. وطرد جيرمي كوربن، الزعيم السابق للحزب وتم تطهيره من اليسار وحرموا من مواقع السلطة أو الاختيار كمرشحين عن الحزب، وتم التحكم بعملية الترشيح. لكن، هل كان ستارمر قادرا على عمل المزيد في الأشهر الأخيرة ويحافظ على دعم النواب؟
وذكر الكاتب أن ما يسمعه من أعضاء حكومة الظل أنه لا يستمع إليهم أو على الأقل يستمع إلى "شلة" في مكتبه. وقال أحد الاستراتيجيين في الحزب: "يتعامل مع النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني من خلال منظور الصراع الفصائلي مع اليسار المتشدد داخل الحزب، وهوس زعيم في الحرب الأبدية ضد الجناح المؤيد لكوربن". وحث أعضاء ما يطلق عليه اليسار الناعم مثل هيلاري بن وشبانة محمود وإيد ميليباند من بين آخرين، ستارمر على أن يظهر قوة في رده على العدوان على غزة والاعتراف بالتاريخ الطويل للنزاع وعقود الحرمان للشعب الفلسطيني.
وتحت قيادة محمود، أنشأت مجموعة من النواب مجموعة على "واتساب" لمناقشة أفضل الطرق للتأثير على القيادة في المسألة الإسرائيلية-الفلسطينية. ويتحدثون مع ديفيد لامي، مسؤول الظل للشؤون الخارجية وسو غري رئيسة طاقم ستارمر، ولم يحققوا حتى الآن سوى نجاح "محدود".
ووفقا للكاتب، فإن القيادة لا تعتقد أن غياب أو انشقاق المسلمين في الانتخابات سيؤثر على حظوظ العمال، مع أن الاستطلاعات كشفت عن أثر تخلف أكبر جالية مسلمة عن حظوظ العمال، فالدعم المقدم لمن يشعرون بالتهديد في مناطقهم مقدر إلا أن الرد السياسي لم يكن كافيا.
وقال الكاتب إن مشكلة فلسطين التي يعاني منها ستارمر هي صورة عن شيء أعمق. فقد كان يمتلك حدسا فطريا في المكان الذي يجب أن يكون فيه، مثل فلسطين وإسرائيل أو البيئة ولكنه لم يكن قادرا على تقديم خطة استراتيجية لتحقيق ما يريد ومنذ البداية.
وحتى في موضوع غزة والذي اتخذ فيه موقفا عنيدا، فإنه تعثر من خطوة لأخرى، وبدءا من مقابلته مع نيك فيراري في إذاعة "أل بي سي" في تشرين الأول/ أكتوبر والتي قال فيها إن إسرائيل لها "الحق" في حرمان القطاع من الطعام والماء والكهرباء، وهي تعليقات أغضبت الكثير من النواب.
وقال نائب: "فلسطين وغزة هما أكبر مشكلة لنواب الحزب في البرلمان ولكنهما تشتركان بنفس الملامح مع مشاكل أخرى".. وهي "عدم رغبة القيادة في الاستماع، وتشكل الموقف مع تطور الظروف بدلا من البدء بموقف قائم على رؤية واضحة وما تريد أن تحققه، ولهذا السبب فإنك تقع في المشاكل، وهذا والتحول عن الموقف يعطيك فكرة عن مواقف تتشكل في لحظة، وحتى يغير ستارمر موقفه وسريعا فإن الأمور لن تكون سهلة".
وبحسب الكاتب، فإنه في المحصلة يشعر ستارمر بالصدمة من الكوربنية (نسبة إلى جيرمي كوربن) لدرجة أنه لم يعد يستمع في الموضوعات المحبذة لليسار التقدمي، مثل الدولة الفلسطينية وحتى لمن يجب أن يكونوا حلفاء له. وفي الوقت الحالي فيبدو أن التوترات غارقة تحت الماء ولكن لا يعني أنها لن تنفجر مع قرب الانتخابات.