خلال رحلته
المرتقبة إلى الدوحة منتصف الشهر الحالي، يجتمع رئيس جمهورية
كازاخستان قاسم
جومارت توكاييف مع أمير دولة
قطر الشيخ تميم بن حمد، وذلك للمرة الرابعة خلال
العامين المنصرمين.
اجتماعات دورية
على مستوى القمة بين البلدين، تُعقد بين الحين والآخر، وتُظهر أنّ ما يجمع الدوحة
وأستانا لم يعد علاقة عادية بين دولتين، وإنّما بات ما يشبه شراكة استراتيجية في
المجالين السياسي والاقتصادي، بين دولة خليجية وأخرى من منطقة ما بعد الاتحاد
السوفييتي، وهذا يجعل التعاون بينهما ذا أهمية كبرى.
العلاقات بين قطر
وكازاخستان تتسم بالثبات والنماء والاستقرار، كما تمتدّ لثلاثة عقود، وتطوّرت خصوصا
مع انتقال عاصمة كازاخستان من مدينة ألماتي إلى أستانا في العام 1997، حيث خصّصت
الدوحة في حينه أولى استثماراتها للمساهمة في بناء العاصمة الجديدة، ومولت مشروع
بناء مسجد أستانا، الذي يُعد من أهمّ المعالم في العاصمة الجديدة.
وعلى مدى
الزيارات الأربع الماضية، وقّعت كازاخستان وقطر العديد من الاتفاقيات، بينها
اتفاقية بشأن الحماية المتبادلة للاستثمارات، كما يعمل الطرفان اليوم بجدية منقطعة
النظير، من أجل تنفيذ مجموعة إضافية من المشاريع المشتركة والواعدة في قطاعات
شتّى، وخصوصا في المجال
الاقتصادي، ويفترض أن تُبصر النور على شكل اتفاقيات إضافية
خلال زيارة الرئيس الكازاخستاني إلى الدوحة المرتقبة في غضون الأيام المقبلة.
المشاريع التي
بدأت الدولتان بتنفيذها، لا تقلّ قيمتها عن 1.3 مليار دولار:
في منطقة أكمولا
الكازاخستانية، وضعت أستانا خططا من أجل بناء مصنع لمعالجة الحبوب بمشاركة
مستثمرين قطريين، وبتكلفة يقدّرها الطرفان بنحو 200 مليون دولار. وقد أبدت
"شركة حصاد" الغذائية القطرية، باعتبارها الذراع
الاستثمارية لصندوق قطر
السيادي، وأكبر مؤسسة متخصصة في الأمن الغذائي في قطر، اهتماما بالغا بقدرات المجمع
الصناعي الزراعي في كازاخستان؛ إذ أكد ذلك رئيسها التنفيذي محمد السادة، يوم أعلن
أنّ الشركة التي يرأسها، تعتزم "تعزيز العلاقات التجارية بين الدول لضمان
الأمن الغذائي".
وتولي الدوحة منذ
مدّة، أهمية كبرى لأمنها الغذائي، وتعد أنّ كازاخستان تملك إمكانات زراعية
هائلة، ولهذا ترى أنّ تطوير التعاون مع أستانا في هذا المجال، يمكن أن يساعدها في
تنويع مصادر الإنتاج، وفي الوقت نفسه زيادة مصادر الدخل، خصوصا أنّ مستلزمات السلع
الزراعية المهمة اليوم، تعتريها حالة "عدم اليقين" وهي في وضع "غير
مستقر"، بسبب الاضطرابات الحاصلة في سوق الغذاء العالمي، نتيجة ارتفاع منسوب
النزاعات في البحار وبين القارات، التي أدت إلى تعطيل سلاسل التوريد بشكل واضح.
وتعد الدوحة
كذلك أنّ كازاخستان تتمتع بحدود استراتيجية كبيرة مع العديد من الدول مثل الصين
وروسيا، وهذا ما يجعل لها أهمية استراتيجية، ويساعدها على أداء دور مهم في ربط شرق
ووسط القارة الآسيوية بدول مجلس التعاون الخليجي.
في المقابل، تقوم
كازاخستان باتخاذ العديد من الإجراءات التي تخدم تعزيز التنوع الاقتصادي وحماية
الاستثمارات الأجنبية، حيث تعمل على أن تكون مركزا تجاريا وماليا وتعليميا وصحيا
وسياحيا، إلى جانب تميّزها في مجال الإنتاج الغذائي.
وإلى جانب
المشروع في أكمولا، عقدت "الشركة القطرية للطاقة الدولية القابضة"
اتفاقات مع شركة الصين الدولية لرأس المال الصينية، وشركة "بايتيريك"
الكازاخستانية من أجل تطوير المجمّع الصناعي- الزراعي في كازاخستان، حيث من
المفترض أن يقوم الطرفان بإنشاء صندوق استثمار مباشر في كازاخستان، بمشاركة
الشركات القطرية والصينية على السواء، من أجل تطوير مجمّع الألبان والأجبان تصنيعا
وتصديرا.
أمّا الحضور
القطري في هذا المشروع، فسيكون عبر شركة "باور إنترناشيونال" القابضة،
وستكون بمنزلة "شريك تكنولوجي".
وبذلك أيضا،
سيصبح الصندوق الخاص بهذه الشركة الذي أنشأته الدوحة وأستانا، واحدا من أكبر
صناديق شركات تصنيع منتجات الألبان والأجبان حول العالم، بل من بين الشركات العشر
الأوائل.
وعليه، تطمح
الدولتان من خلال هذا المشروع، إلى جذب استثمارات متنوعة وطويلة الأجل، وتراهنان
أنّ يعطي ذلك زخما جديدا لتطوير صناعة الألبان والأجبان، وكذلك لتطوير المجمّع
الصناعي الزراعي بأكمله في كازاخستان بشكل عام، خصوصا زراعة وتصنيع الحبوب
والبقوليات من أجل تعزيز الصادرات خارج البلاد.
كما تعتزم أستانا
من خلال هذا كلّه، إلى زيادة التجارة البينية مع الدوحة، من خلال رفع حجم صادرات
المنتجات المحلية، عبر 60 سلعة بقيمة 245 مليون دولار تقريبا، مع العلم أنّ أستانا
والدوحة قد وقعتا أكثر من اتفاقية في السنتين الماضيتين طالت قطاعات أخرى إضافية،
كما يهتم المستثمرون القطريون حاليا بقطاعات السياحة والرعاية الصحية، ولا يستبعد
المراقبون أن يشمل ذاك التعاون بين الطرفين مستقبلا المجالات العسكرية أيضا.