نشرت صحيفة "
واشنطن بوست" الأمريكية، تقريرا، للصحفيين، سوزانا جورج، ودان لاموث، وسوزان هيدموس، ومصطفى سليم، قالوا فيه إن "
إيران، حريصة على تعطيل المصالح الأمريكية والإسرائيلية في الشرق الأوسط، ولكنها تشعر بالقلق من إثارة مواجهة مباشرة".
وتابع التقرير، بأن إيران: "تحثّ حزب الله والجماعات المسلحة الأخرى سرّا على ممارسة ضبط النفس ضد القوات الأمريكية، وفقا لمسؤولين في المنطقة"، في إشارة إلى أن "الحرب الوحشية التي شنتها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع
غزة، أدّت إلى تأجيج الصراع بين الولايات المتحدة والقوات التابعة لإيران على جبهات متعددة".
وأضاف: "ومع عدم وجود وقف لإطلاق النار في الأفق، يمكن أن تواجه إيران الاختبار الأكثر أهمية حتى الآن، لقدرتها على ممارسة نفوذها على هذه الميليشيات المتحالفة معها"، مردفا أنه "عندما شنت القوات الأمريكية ضربات هذا الشهر على الجماعات المدعومة من إيران في اليمن وسوريا والعراق، حذّرت طهران علنا من أن جيشها مستعد للرد على أي تهديد".
واسترسل التقرير نفسه، "ولكن في السر، يحثّ كبار القادة على توخي الحذر، وفقا لمسؤولين لبنانيين وعراقيين مطّلعين على المحادثات. وتحدثوا إلى صحيفة
واشنطن بوست بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة المحادثات الحساسة".
ويقول المسؤولون الأمريكيون، إن "الرسالة ربما يكون لها بعض التأثير". وحتى يوم السبت، لم تهاجم الميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا القوات الأمريكية منذ أكثر من 13 يوما، وهو هدوء غير عادي منذ بدء الحرب على غزة في تشرين الأول/ أكتوبر. وأوقف المسلحون إطلاق النار حتى بعد مقتل مسؤول كبير في كتائب حزب الله في غارة أمريكية، بطائرة مسيرة في بغداد.
وقال مسؤول أمريكي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، لمناقشة هذه المسألة الحساسة: "ربما أدركت إيران أن مصالحها لا تُخدم من خلال السماح لوكلائها بقدرة غير مقيدة على مهاجمة القوات الأمريكية وقوات التحالف".
إلى ذلك، اتخذت إدارة بايدن نهجا حذرا مماثلا مع إيران. وفي شن عشرات الضربات في 2 شباط/ فبراير، ردا على غارة بطائرة بدون طيار خلال الشهر الماضي، أسفرت عن مقتل ثلاثة من أفراد الخدمة الأمريكية في الأردن، استهدفت القوات الأمريكية وكلاء إيران في العراق وسوريا، لكنها لم تضرب داخل إيران.
وفي الوقت نفسه، يضغط الدبلوماسيون الأمريكيون على دولة الاحتلال الإسرائيلي وحماس للاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة. وخلال فترة توقّف القتال التي تم التفاوض عليها في تشرين الثاني/ نوفمبر، انخفضت هجمات الجماعات المدعومة من إيران في جميع أنحاء المنطقة.
وللتأكيد على التوجيه الجديد، أرسلت إيران قادة عسكريين ودبلوماسيين في جميع أنحاء المنطقة للقاء المسؤولين المحليين وأعضاء "الميليشيات". فيما قال مسؤول عراقي، له علاقات وثيقة مع القوات المدعومة من إيران هناك: "إن إيران تبذل قصارى جهدها لمنع توسع الحرب والتصعيد من الوصول إلى نقطة اللاعودة".
وبعد أيام من إعلان كتائب حزب الله مسؤوليتها عن الهجوم الذي أودى بحياة جنود الاحتياط الثلاثة في الجيش الأمريكي، وصل قائد عسكري إيراني إلى بغداد الشهر الماضي للقاء قادة الجماعة. وضغط القائد عليها لإصدار بيان تعلق فيه الهجمات على الأهداف الأمريكية.
وقال المسؤول العراقي، إن "الزعماء لم يكونوا راضين عن التعليق، لكنهم استجابوا لطلب الدولة التي قامت بتدريب وتسليح قواتهم".
ومع ذلك، ربما أظهر التبادل أيضا حدود نفوذ طهران: فبعد الضربات الأمريكية، عكست الجماعة موقفها، وتعهدت "بضربات مؤلمة وهجمات واسعة النطاق".
لقد كان ذلك بمثابة عمل متوازن بالنسبة لإيران منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر؛ بينما تشكّل الجماعات المدعومة من إيران ما يسمى "محور المقاومة"، وهو تحالف يضم كلا من "حركة حماس" في غزة، و"حزب الله" في لبنان، و"جماعة الحوثيين" في اليمن، و"كتائب حزب الله" في العراق وسوريا. وتستخدمها طهران لنشر نفوذها في جميع أنحاء المنطقة، وتكون بمثابة خط دفاع أمامي، ضد الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
وعلى الرغم من أنها تموَّل وتدرَّب من قبل إيران، إلا أن هذه المجموعات تعمل بشكل مستقل وخارج جهاز الأمن الرسمي في طهران. وقد سمح لهم هذا الترتيب بتعزيز أهداف السياسة الإيرانية، مع عزل طهران عن المسؤولية المباشرة عن أفعالهم.
وأشاد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، بالمجموعات، خلال زيارة قام بها مؤخرا إلى لبنان، ووعد بمواصلة الدعم. وقال للصحافيين في بيروت، إن دولة الاحتلال الإسرائيلي تسعى إلى "إغراق الولايات المتحدة في مستنقع الحرب في الشرق الأوسط".
وأكد المقال الذي نشر في صحيفة "
واشنطن بوست" أنه: "في السر، اعتمد المبعوثون الإيرانيون نبرة أكثر اعتدالا. لقد أشادوا بتضحيات حزب الله، لكنهم حذروا من أن الحرب مع إسرائيل ستخاطر بمكاسب ثمينة في المنطقة".
وتابع: "التقى مسؤولون إيرانيون مع أعضاء من حزب الله هذا الشهر في لبنان. ولخص أحد أعضاء حزب الله رسالة طهران: "نحن لسنا حريصين على إعطاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أي سبب لشن حرب أوسع على لبنان أو في أي مكان آخر"".
وقال المسؤولون الإيرانيون، لقادة حزب الله، إن "محور المقاومة ينتصر. لقد حولت الحرب في غزة تركيز العالم مرة أخرى إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وعقدت خطط السعودية ودول الخليج الأخرى لتطبيع العلاقات مع إسرائيل". بينما حذّر المسؤولون من أن "هذه المكاسب قد تضيع إذا فتحت إسرائيل جبهة أخرى في لبنان. ولخص عضو حزب الله الرسالة: نتنياهو محصور في الزاوية الآن. لا تعطيه مخرجا. دعونا لا نعطيه فائدة شن حرب أوسع نطاقا، لأن ذلك سوف يجعله منتصرا".
وفي العراق، كانت الرسالة مختلفة بعض الشيء. وقال المسؤولون الإيرانيون إن "تجدد الصراع في العراق يهدد بإضعاف الزخم وراء محادثات الانسحاب العسكري الأمريكي من البلاد. لقد سعت إيران منذ فترة طويلة إلى إخراج القوات الأمريكية من المنطقة؛ وسوف تنظر طهران إلى الانسحاب من العراق باعتباره نصرا كبيرا".
من جهتهم، أعرب المسؤولون الأمريكيون عن انفتاحهم على سحب بعض القوات من العراق، لكنهم أضافوا سرا أن الحكومة العراقية تبدو قلقة بشأن الانسحاب الكامل ويبدو أنها تريد استمرار المساعدة في مواجهة فلول تنظيم الدولة.
ويبدو أن الحملة الإيرانية كانت فعالة. ورغم وقوع هجمات مميتة شبه يومية عبر حدود دولة الاحتلال الإسرائيلي مع لبنان، فإن زعيم حزب الله، حسن نصر الله، لم يصل إلى حد إعلان الحرب. وامتنعت "الميليشيات" المدعومة من إيران في العراق وسوريا عن شن "هجمات" منذ 4 شباط/ فبراير، على الرغم من الغارة الأمريكية في 7 شباط/ فبراير التي أودت بحياة المسؤول الكبير في كتائب حزب الله، أبو باقر الساعدي.
وقال الميجور جنرال باتريك رايدر، وهو المتحدث باسم البنتاغون، الخميس، إن "القوات الأمريكية تحتفظ بحق الدفاع عن النفس إذا تعرضت للتهديد أو الهجوم"؛ وعندما سئل عما إذا كانت هجمات الميليشيات قد انتهت، رفض التكهن. وقال: "سنرى.. لا أريد التنبؤ بالمستقبل. نحن نواصل التركيز على المهمة التي أرسلنا إلى هناك للقيام بها".
ولم تعط إحدى الجماعات المدعومة من إيران أي إشارة إلى أنها ستتوقف. فقد عطل الحوثيون في اليمن التجارة العالمية من خلال مضايقة السفن التجارية عبر البحر الأحمر، وهو رابط رئيسي بين آسيا وأوروبا والأمريكتين احتجاجا على الحملة الإسرائيلية في غزة.
لقد شنوا ما لا يقل عن 48 عملية منذ تشرين الثاني/ نوفمبر، وفقا لمسؤولي الدفاع الأمريكيين، بما في ذلك الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة الهجومية والقوارب غير المأهولة المحملة بالمتفجرات. ودفعت الهجمات شركات الشحن إلى تجنب المنطقة، مما أضاف الوقت والمال إلى تكاليف التشغيل.
وأطلق الحوثيون صاروخين على مضيق باب المندب، الاثنين الماضي، وصاروخا باليستيا مضادا للسفن في خليج عدن، الثلاثاء الماضي. وقال مسؤولون عسكريون أمريكيون: "إن صاروخا باليستيا مضادا للسفن أطلق يوم الخميس من منطقة الحوثيين أصاب سفينة الشحن M/V Lycavitos، مما تسبب في أضرار طفيفة".
وقال مسؤولون دفاعيون، في بيان، إنه ابتداء من يوم الجمعة، أطلقت المجموعة أربعة صواريخ على البحر الأحمر، استهدفت ثلاثة منها على الأقل ناقلة النفط M/T Pollux.
وحافظت القوات الأمريكية على ضربات ثابتة على أهداف الحوثيين. وقد وصفها مسؤولو الدفاع بأنها دفاع عن النفس، وغالبا ما يكون ذلك ضد الأسلحة التي تم إعدادها ليتم إطلاقها.
وقال مسؤولون دفاعيون، في بيان آخر، إن "القوات الأمريكية نفذت ليلة السبت خمس ضربات دفاع عن النفس ضد ثلاثة صواريخ كروز مضادة للسفن وغواصة مسيّرة وقارب مسيّر. وهذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها الحوثيون غواصة منذ بدء هجماتهم في تشرين الأول/ أكتوبر".
ويشار إلى أنه "كلما طال أمد الحرب في غزة، أصبح من الصعب على إيران والولايات المتحدة تجنب التصعيد"؛ وقال كينيث "فرانك" ماكنزي، وهو جنرال متقاعد من مشاة البحرية أشرف على العمليات الأمريكية في جميع أنحاء الشرق الأوسط كرئيس للقيادة المركزية الأمريكية من عام 2019 إلى عام 2022: "بالتأكيد، أرحب بحقيقة أن الهجمات قد توقفت على ما يبدو".
وأضاف: "لكننا نعلم من التجربة الصعبة أن وضع الردع في الشرق الأوسط أمر يجب إعادة النظر فيه وتحديثه باستمرار. المنظمات لديها ذاكرة قصيرة في الشرق الأوسط لأشياء مثل هذه".
واستفسر "عما إذا كان من الممكن أن تحبط الولايات المتحدة بعض الهجمات إذا ردت عليها بشكل أسرع وبقوة أكبر"، مردفا بأنه: "حتى لو وجّهت طهران وكلاءها إلى التوقف فإن هذا لا يعني أنهم يسيطرون على الجميع.. وسيكون هناك دائما من لا يسمع الكلام".