فجر اغتيال ناشط بالتيار الصدري في
العراق الأوضاع في محافظة
بابل جنوبي العراق، حيث هاجم مسلحون مقرين لجماعة "عصائب أهل الحق" التي يتزعمها قيس الخزعلي، في محافظتي بابل والنجف.
وتصاعدت الأحداث خلال اليومين الماضيين، عقب العثور على جثة الناشط البارز في التيار الصدري أيسر الخفاجي بعد اختطافه بـ 24 ساعة.
وتعرض مكتب لهيئة الحشد الشعبي لهجوم صاروخي في محافظة بابل دون وقوع إصابات بشرية.
وفي النجف، استهدف مسلحون مكتبا تابعا للعصائب بقنبلة محلية الصنع بمنطقة حي السلام وسط المدينة، ما أدى إلى وقوع أضرار مادية جسيمة في المكان من دون خسائر بشرية أو إصابات.
اغتيال فجر الأزمة
اختطف الناشط في التيار الصدري أيسر الخفاجي من محافظة بابل يوم الأحد 18 شباط/ فبراير الجاري، وتم العثور على جثته في اليوم التالي، حيث بدت عليه علامات تعذيب واضحة.
سريعا، شهدت المحافظة بابل استنفارا وانتشارا لعناصر سرايا السلام، الجناح العسكري للتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر.
وتصاعدت التهديدات من قبل أنصار التيار الصدري وقبيلة القتيل بالانتقام لاغتيال الخفاجي، وسط تحذيرات من اتساع دائرة المواجهة.
واحتشد أفراد من عشيرة الخفاجي وأنصار التيار الصدري الثلاثاء، أمام مقار تابعة للعصائب، مستعرضين بالأسلحة، كما أطلقوا النار في الهواء، وهددوا باستهداف مقار
العصائب إذا لم يتم الكشف عن قتلة الخفاجي ومحاسبتهم قانونيا.
وذكرت عشرة الناشط في بيان، "أن الشجب والاستنكار والتنديد بات غير نافع، ما زلنا نطالب الحكومة العراقية ونحملها المسؤولية الكاملة بعد خطف وقتل الناشط أيسر نصير الخفاجي على يد زمرة لا تمت للإسلام بصلة، وتريد إثارة الفتنة بين أبناء الوطن".
من جهتها، قالت وزارة الداخلية العراقية الاثنين الماضي، إن الخفاجي قتل "بحادث دهس"، مشيرة إلى تورط عناصر "خارجة عن القانون" في العملية التي تهدف لتعكير صفو الاستقرار، وفق بيان الوزارة.
وأوضحت "أن سيارات دفع رباعي لا تحمل لوحات تسجيل أقدمت ظهر أمس الأحد، على دهس الخفاجي خلال وجوده في بلدة المسيب جنوبي بابل، ثم اختطفته واقتادته إلى جهة مجهولة، وتم فتح تحقيق في الحادث".
وأضافت أن "فريق العمل الأمني توصل إلى خيوط مهمة عن الجناة الذين لن يفلتوا من العقاب، وسيتم تسليمهم إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل".
ويقول الباحث والكاتب السياسي عبد القادر النايل، "إن اغتيال الناشط الصدري أيسر الخفاجي، وهو قيادي بسرايا السلام، كان بدوافع سياسية وليست جنائية، فهو منخرط بالتظاهرات، لاسيما المناوئة للعصائب، وقبل 48 ساعة من اغتياله خرج بتصريح ضد تولي محافظ بابل التابع للعصائب، وتكلم منتقدا قيس الخزعلي مسؤول العصائب".
وأضاف في حديث لـ "عربي21": "لذلك هناك ربط وثيق بين اختطافه بيوم تولي المحافظ عدنان فيحان، وهي رسالة للمناوئين المتظاهرين ضد العصائب في بابل لإسكات وإخافة الجميع، فضلا عن الطريقة التي البشعة التي جرى اختطافه فيها وتعذيبه ثم اغتياله".
وأوضح النايل، "أن مقربين من عشيرته تحدثوا لي شخصيا أن التعذيب جرى في جرف الصخر".
الجهة المتورطة
ووجهت أصابع الاتهام للعصائب أهل الحق تحديدا، التي خاضت مع التيار الصدري صراعا طويلا، وتبادلت معه
الاغتيالات في عدة محافظات.
وربط ناشطون اغتيال الخفاجي بالعصائب، عقب نشر مدونين معروفين بانتمائهم للجماعة، خبر اعتقال الخفاجي؛ بتهمة "ابتزاز" قبل العثور على جثته.
وعرف الخفاجي، وهو ناشط من أتباع التيار الصدري، يعمل ضمن إعلام "سرايا السلام" التابعة للتيار، بانتقاداته اللاذعة للعصائب وزعيمها قيس الخزعلي.
وقال المحلل السياسي العراقي باسم الخزرجي، "إن الخفاجي خطف قبل مده إلى منطقة جرف الصخر وأطلق سراحه حينها، وظل هاتفه الخلوي حتى عين عدنان فيحان محافظا لبابل فصدر قرار بتصفيته".
وجاءت عملية الاختطاف ثم القتل بعد أيام من تعيين القيادي في جماعة "عصائب أهل الحق" عدنان فيحان محافظاً لبابل.
وشهدت المحافظة تظاهرات منددة باختيار فيحان لهذا المنصب، خلال جلسة عُقدت بعد منتصف الليل في السادس من الشهر الجاري، قاطعها سبعة من أعضاء المجلس المكون من 18 عضوا احتجاجا على فيحان.
عداء مستعر
وشهدت السنوات الأخيرة اغتيالات متبادلة بين العصائب والتيار الصدري، كان أشهرها مقتل القيادي في العصائب وسام العلياوي، أواخر 2019، ووجهت الاتهامات حينها للتيار الصدري.
ومطلع الشهر الجاري، شهدت محافظة ميسان، جنوبي العراق، توترا أمنيا، عقب اغتيال ناجي الكعبي، مسؤول علاقات العصائب في المحافظة.
وقال حينها زعيم المليشيا قيس الخزعلي، في بيان شديد اللهجة متسائلاً: "هل من المعقول أن تبقى ميسان رهينة بيد القتلة القذرين؟"، حسب وصفه.
وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي، اندلعت اشتباكات مسلحة في حي العامل ببغداد، بين أنصار التيار الصدري ومليشيا "عصائب أهل الحق"، بعد إزالة لافتات تحمل صور قائد "فيلق القدس" بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، اللذين قتلا في غارة جوية أمريكية قرب بغداد عام 2020.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، اغتال مسلحون "غيث الدليمي"، أحد اعضاء التيار الصدري البارزين، في حي الزيتون جنوبي محافظة الديوانية.
وفي 25 من تموز/ يونيو 2023، لقي عضو سرايا السلام الجناح العسكري للتيار الصدري جواد الحلفي حتفه، وأصيب نجله، إثر إطلاق نار عليهما من قبل مسلحين مجهولين، وسط ميسان.
وأكد النايل لـ "عربي21"، "أن من المعلوم أن استهداف مقرات الحشد والعصائب في بابل وبغداد ومنها قناة العهد التابعة للعصائب دليل واضح على أن الأزمات بين التيار الصدري والعصائب لن تتوقف عند هذا الحد إذا ما نظرنا لأحداث ميسان واشتباكات البصرة قبل شهر، فإنها تؤكد قرب اندلاع المواجهات العسكرية؛ لأن الطرفين يحملان السلاح ولديهما غطاء حكومي وسياسي في تحركاتهما، وهما بعيدان عن إجراءات قانون الإرهاب".
وأردف النايل: "هم يتعاملون إلى الآن من دون إصدار أوامر قبض تحت بند أربعة إرهاب بالرغم من حالات الاغتيالات واستخدام الأسلحة الثقيلة في النزاعات الدائرة، ومع ذلك فإن حادثة أيسر الخفاجي ستكون إحدى رافعات الصراع القادم".
واستدرك: "لكن الحادثة لن تكون هي من يفجر الصراع بسبب تدخلات مقتدى الصدر الضابط لحركة سرايا السلام التي أصبحت محط انزعاج من التيار الصدري؛ لأنهم يشعرون بالإهانة أمام الاستهدافات المستمرة عليهم، بالرغم من انسحابهم من العملية السياسية الحالية".
وبيّن: "لذلك لن تصمد دعوات الصدر مستقبلا، ولأن القضية تجاوزت الخلافات السياسية إلى إراقة الدماء، ونؤكد أن الاغتيالات الأخيرة في العراق جميعها سياسية، وللأسف ستتسع بشكل أكبر بعد توزيع الأموال للمحافظات من الميزانية المركزية للحكومة في العراق".
وانشقت مليشيا العصائب عن "جيش المهدي" الذي أسسه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، عقب عملية صولة الفرسان عام 2007.
وفي عام 2011، أعلن زعيم المليشيا قيس الخزعلي تشكيل حركة العصائب المتهمة بتنفيذ جرائم قتل طائفي في العراق وسوريا.
وانخرطت العصائب في العملية السياسية عام 2014 عبر "كتلة صادقون"، وشارك فصيلها المسلح ضمن قوات الحشد الشعبي في المعارك ضد تنظيم الدولة.
وتعد مليشيا العصائب إحدى أهم القوى السياسية في الإطار التنسيقي، الذي يضم القوى الشيعية المشاركة في تشكيل الحكومة الحالية التي يترأسها رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني.