تمر اليوم الذكرى الـ21 عاما على الغزو الأمريكي للعراق، إذ انطلقت أولى الغارات ضد العراق فجر الـ 20 من آذار/ مارس 2003 وغطت سماء
بغداد بالدخان واللهب.
أطلقت واشنطن تسمية "حرية العراق" على الغزو الذي بدأ بـ 295 ألف جندي من قوات الولايات المتحدة وحلفائها على رأسهم بريطانيا فيما سماها العراق "معركة الحواسم".
شاركت أكثر من 30 دولة في التحالف الغربي، وأرسلت كل من المملكة المتحدة وأستراليا وبولندا وغيرها قوات إلى العراق حيث وصل تعداد القوات البريطانية إلى أكثر من 45 ألف جندي.
وقدمت إسبانيا وإيطاليا دعما دبلوماسيا للتحالف الذي قادته الولايات المتحدة، إلى جانب العديد من دول أوروبا الشرقية في "مجموعة فيلنيوس"، التي قالت إنها تعتقد أن العراق لديه برنامج أسلحة دمار شامل وينتهك قرارات الأمم المتحدة.
بدأت الحرب بغارات جوية مكثفة انطلقت من القواعد الأمريكية في الدول المجاورة للعراق واستهدفت مختلف المدن العراقية لكنها ركزت على العاصمة بغداد، وهاجمت صواريخ كروز من البحر الأحمر أهدافا داخل البلاد.
واستمر الغزو من بدايته وحتى احتلال بغداد 19 يوما، واجهت فيها القوات الغازية مقاومة من الجيش العراقي الذي كان يقاتل دون غطاء جوي.
سيناريو الحرب
وانطلقت عملية الغزو في 21 آذار/ مارس من الكويت، ودخلت القوات الأمريكية شاقة طريقها نحو الشمال فيما قاتلت برفقة القوات البريطانية في مدينة أم قصر أقصى جنوب العراق.
في اليومين التاليين حاولت القوات الأمريكية اقتحام الشطر الشرقي من مدينة الناصرية، وتوجهت فرقة المشاة الأمريكية الثالثة نحو مدينة النجف.
وأبدت القوات العراقية مقاومة عنيفة في مدن مثل الناصرية والبصرة، عرقلت تقدما للقوات الأمريكية التي استطاعت لاحقا بلوغ مناطق لا تبعد عن بغداد إلا بنحو 90 كيلومترا.
أواخر آذار/ مارس 2003 شدد الطيران الأمريكي قصفه الجوي على فرق الحرس الجمهوري المحيطة بالعاصمة، كما هاجم المارينز مدينة الحلة جنوب بغداد.
في الخامس من نيسان/ أبريل أعلنت القوات البريطانية سيطرتها على معظم أحياء البصرة، واندلعت معارك في مطار بغداد الدولي.
في التاسع من ذات الشهر احتلت القوات الأمريكية العاصمة بغداد، وأعلنت نهاية العمليات القتالية الكبرى، في أيار/ مايو، كما أنها عينت الدبلوماسي الأمريكي بول بريمر حاكما مدنيا للعراق.
واجهت القوات الأمريكية مقاومة عنيفة في العراق خصوصا في بغداد والأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى، حيث قتل أكثر من 4 آلاف جندي أمريكي هناك وفق أرقام البنتاغون.
يقول الكاتب والباحث السياسي العراقي نظير الكندوري: "لم يكن
غزو العراق من قبل القوات الأمريكية وبرفقة القوات البريطانية، حدثا عابرا في المنطقة، لا من الناحية السياسية ولا من الناحية العسكرية، بل وحتى الاقتصادية، فالعراق بعد الغزو خرج من معادلة التوازن الاستراتيجي بين العرب والكيان الصهيوني، ورجحت كفة هذا الكيان عسكريا وسياسيا على حساب العرب".
وأضاف في حديث لـ "عربي21”: "بعدها بدأت عمليات التطبيع مع الكيان الصهيوني، واليوم نشهد موجة تطبيع جماعي لدول الخليج وغيرها من الدول مع الكيان".
وقال: "أما شرقا، فقد كان هناك تغيير هائل في توازن القوى، فالغزو الأمريكي للعراق، مكن إيران من الاستئثار بنفوذ طاغ في هذا البلد، وهيمنت عليه سياسيا وعسكريا، وأصبح العراق منطلقا لمد نفوذها في باقي الدول العربية، وسقطت البوابة الشرقية التي كانت تحمي العرب من التمدد الإيراني عليها".
وتابع الكندوري: "وما هي إلا سنوات، حتى رأينا إيران تتحكم في مصير أربع دول بشكل مباشر، ودول أخرى بشكل غير مباشر، ووصلت إلى الحالة التي تتعامل فيها إيران اليوم كأحد أهم اللاعبين السياسيين والعسكريين في المنطقة بما تمتلكه من مقومات قوة اكتسبتها بعد سقوط العراق من معادلة الردع التي كان يشكلها تجاه إيران، وتمتلك حاليا إيران، مليشيات منتشرة بعدة دول تدافع عن مصالحها وتنفذ أوامرها".
ذرائع الغزو
عقب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، بدأت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش في وضع خطط لغزو العراق.
وادعى بوش أن العراق يخزن ويصنع أسلحة الدمار الشامل كما أنه صنف البلاد كجزء من "محور الشر" الدولي، إلى جانب إيران وكوريا الشمالية.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر عام 2002، أجاز الكونغرس الأمريكي استخدام القوة العسكرية ضد العراق.
وفي شباط/ فبراير من عام 2003، طلب وزير الخارجية الأمريكي آنذاك كولن باول من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إعطاء الضوء الأخضر للقيام بعمل عسكري ضد العراق، قائلاً إنه ينتهك قرارات سابقة لمجلس الأمن بسبب امتلاكه برنامج أسلحة دمار شامل، بحسب زعمه.
ولم يقتنع المجلس حيث أراد معظم الأعضاء أن يقوم مفتشو أسلحة من الأمم المتحدة وهيئة الطاقة الدولية بالمزيد من العمل هناك للعثور على أدلة عن أسلحة الدمار الشامل.
وقالت الولايات المتحدة إنها لن تنتظر تقرير المفتشين وشكلت "تحالف الراغبين" ضد العراق.
إقرار بالكذب
لم تلبث كثيرا حتى اعترفت الولايات المتحدة وبريطانيا بأن الأدلة لغزو العراق كانت ملفقة، خصوصا العلاقة بتنظيم القاعدة وأسلحة الدمار الشامل.
بعد الغزو بأربعة أشهر أقرت إدارة بوش بأن المزاعم القائلة بأن العراق حاول الحصول على اليورانيوم من دول أفريقية لم يكن هناك ما يثبتها، وما كان لها أن تدرج في خطاب الاتحاد بداية 2003.
وقال وزير الخارجية الأمريكي كولن باول للأمم المتحدة في عام 2003 إن العراق لديه "معامل متنقلة" لإنتاج أسلحة بيولوجية، لكنه أقر في عام 2004 بأن الدليل على ذلك "لا يبدو أنه بتلك الصلابة".
وبعد الغزو بعامين، أفاد كبير مفتشي الأسلحة في وكالة المخابرات المركزية بأنه لم يتم العثور على أي مخزون من الأسلحة النووية أو الكيميائية أو البيولوجية في العراق.
ومطلع العام الماضي، كشفت وثائق بريطانية أن لندن كانت واثقة من عدم صحة مزاعم امتلاك العراق أي قدرة على الحصول على أسلحة دمار شامل أو صواريخ بعيدة المدى، قبل غزوه بعامين على الأقل.
وتعد وثائق مجلس الوزراء البريطاني، التي أفرج عنها، الأولى من نوعها التي تثبت علم رئيس الوزراء البريطاني، آنذاك، توني بلير بخلو العراق من أي قدرات لامتلاك أسلحة محظورة وفقا لقرارات الأمم المتحدة.
وفي تموز/ يوليو 2016 أدانت لجنة تشيلكوت الدور الذي لعبته بريطانيا في الحرب، وتحدثت بالتفصيل، في تقرير مطول، عن المعلومات الاستخبارية الخاطئة والأسس القانونية المشكوك فيها التي استند إليها غزو العراق.
وعن ذلك يقول الكندوري: "شيء يدعو للأسف، والإحباط حينما ترى أن النظام الدولي يُمكن القوي من النجاة بفعلته وجرائمه بمنتهى السهولة، حتى وإن تم اثبات جرائمه، أو إثبات زيف الذرائع التي يتذرع بها لاحتلال الدول، كما في حالة غزو الولايات المتحدة للعراق".
وتابع: "فقد اعترفت أمريكا علنًا بأنها قد تعرضت للتضليل في موضوع ذرائعها لاحتلال العراق وأنها قد أخطأت في احتلال العراق. لكن النظام الدولي دائمًا ما يقف مع القوي، ودائما ما يُمكن القوة من الإفلات من العقاب".
وبين الكندوري، أنه "في الحالة العراقية، لم تكن الولايات المتحدة وحدها، من تتحمل نتيجة ما حل بالعراق، إنما شاركها في المسؤولية عدد من الدول التي ساعدت في تسهيل مهمة الغزو، يشمل هذا كثيرا من الدول العربية التي لم تدخر جهدًا في دعم وتسهيل مهمة المحتل الأمريكي، من خلال استخدام أراضيها، وتقديم الدعم اللوجستي له، وكذلك مواقفها السياسية التي كانت ضعيفة في استنكار الغزو الأمريكي، ولم تحمله مسؤولية الفوضى التي عمت البلاد بعد الغزو".
وأشار إلى أن "الركون إلى آليات النظام الدولي في الاقتصاص من المحتل وتحميله مسؤولية الجرائم التي اقترفها، لن تنفع بشيء، وعلى الشعوب الحية والتي تأبى أن تستسلم لمفرزات
الاحتلال، النضال من أجل سيادتها والتحرر من التبعية للمحتل. وفي الحالية العراقية، فإن على الشعب العراقي، أن لا يدخر الجهد في النضال من أجل التحرر سواء من المحتل الأمريكي أو المحتل الإيراني الذي يتقاسم معه جريمة الاحتلال".
نفق مظلم
دخل العراق بعد احتلاله نفقا مظلما أعاده عشرات السنين إلى الوراء، فقد عمت البلاد حالة الفوضى وانعدام الأمن وغياب القانون فضلا عن انتشار المليشيات وتدخل أطراف دولية مستفيدة من ضعف العراق.
وتباينت التقديرات للعدد الإجمالي لضحايا الغزو من العراقيين، فقد أكدت دراسة أعدها معهد الاستطلاعات البريطاني صيف عام 2007 أن عدد قتلى الغزو من العراقيين بلغ حتى ذلك التاريخ حوالي مليون شخص، من أصل 26 مليونا هم سكان العراق.
وكان تقرير للمجلة العلمية البريطانية "ذي لانسيت" صدر في أكتوبر/ تشرين الأول 2006 قدر عددهم بما لا يقل عن 655 ألف قتيل، فيما ذكرت منظمة الصحة العالمية أن حصيلة القتلى العراقيين تتراوح بين 104 آلاف و230 ألفا.
وبات عراق ما بعد الاحتلال مكانا متخما بالأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية وحتى الاجتماعية، فقد تراجعت مستويات الحياة بشكل حاد حتى باتت العاصمة بغداد أسوأ مكان للعيش في العالم خلال سنوات متعاقبة.
ولم تفلح الحكومات المتعاقبة بانتشال العراق من واقعه المرير، بل وجهت لها اتهامات بإذكاء الطائفية والتورط في الفساد المالي والإداري حيث تذيل العراق قائمة الدول بالشفافية والنزاهة.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2011، أعلنت الولايات المتحدة أن جيشها أكمل انسحابه من العراق ذلك اليوم، وأن الانسحاب جاء تطبيقا للاتفاقية الأمنية الموقعة مع حكومة بغداد عام 2008.
21 عاما على الغزو
ويقول الكاتب السياسي العراقي نظير الكندوري: "على عكس ما كان يروج له المحتل الأمريكي وبرفقة المحتل البريطاني إبان غزوهم للعراق، من أنهم جاءوا محررين للعراقيين من الدكتاتورية لا محتلين، وعازمين على تأسيس نظام ديمقراطي يتمتع فيه المواطن العراقي بالحرية ورفاهية العيش بما يفوق حال الشعوب المجاورة، فإن المواطن العراقي لم يلمس شيئا من تلك الوعود".
وأضاف في حديثه لـ "عربي21”: "ما نراه اليوم وما يراه العراقيون، هو بلد تعمه الفوضى في كل جوانبه، ويفتقد للأمن ويفقد السيادة، وتعتريه الأوضاع الاقتصادية الصعبة. وتحولت أحلام شباب العراق، من أحلامٍ لتحقيق الطموحات في ثنايا بلده، إلى أحلام بالرحيل عن هذا البلد، عسى أن يجد هناك شيئا من الأمان وتحقيق بعض الأحلام التي ضاعت منه في العراق".
وتابع بأن "ما قام به الاحتلال الأمريكي، هو تحطيم للبنية التحتية لشيء اسمه الدولة العراقية، ثم قام بمحاولة تأسيسها على أسس تحمل معها عوامل الهدم والانهيار، عبر إحياءٍ لروح الطائفية، والنزعة القومية".
وأردف الكندوري، بأن "الأهم من ذلك كله، أن المحتل الأمريكي ساهم في إطلاق يد العدو الأول للعراق والعراقيين، يد النظام الإيراني الذي كان يتوق لرؤية العراق مخربًا ضعيفًا لينفس فيه كل أحقاده التاريخية القديمة أو المعاصرة، وهو النظام الذي خاض حربا طاحنة لمدة ثماني سنوات لاحتلال العراق ولم يستطيع، حتى جاءت أمريكا لتعطيه فرصة السيطرة على العراق والتحكم بسيادته".