في قرار مفاجئ وصادم لأكثر من 106 ملايين مصري، قرّرت حكومة رئيس النظام المصري، عبد الفتاح
السيسي، فجر الجمعة الثانية من شهر
رمضان، رفع
أسعار الوقود، مجددا، لتتزايد آلام ملايين الفقراء، الذين يشتكون من عدم قدرتهم على تحمل أي ارتفاعات جديدة في أسعار البنزين والسولار وبالتالي بجميع السلع الأخرى.
وعبر قرار رسمي، تم رفع أنواع البنزين الثلاثة، جنيها واحدا، ليُصبح سعر لتر بنزين "80" -الأكثر استخداما من قبل الفقراء- 11 جنيها بعد الزيادة، وقيمة لتر بنزين "92" بعد الزيادة 12.50 جنيها، وثمن لتر بنزين "95" الأعلى جودة 13.5 جنيها.
تضمن القرار الذي نشرته الجريدة الرسمية، زيادة سعر بيع لتر السولار بنحو 21 بالمئة مرتفعا من 8.25 جنيهات إلى 10 جنيهات، ما تبعه على الفور زيادة في تعريفة أسعار الركوب، وقد يتبعه رفع في أسعار فواتير الكهرباء، وتوقعات بأن تطال تلك الزيادات أسعار الخبز السياحي.
كذلك، شمل القرار، زيادة سعر بيع لتر الكيروسين إلى 10 جنيهات، مرتفعا من 7.25 جنيهات، بجانب رفع سعر بيع أسطوانة الغاز "البوتاجاز" المنزلي إلى 100 جنيه، من 75 جنيها، وأسطوانة الغاز التجاري من 150 جنيها إلى 200 جنيه.
ما اعتبره مراقبون مؤشرا خطيرا يمسّ حياة الفقراء الأكثر استخداما لأسطوانات الغاز، والمحال والمطاعم وعربات الأكل بالشوارع، ويؤثر بلا شك على أسعار الكثير من السلع الغذائية التي تقدمها.
"ردود فعل المصريين"
في أولى تبعات القرار، قرّرت محافظة القاهرة، رفع تعريفة ركوب السرفيس (خاص)، ومواصلات هيئة النقل العام وأتوبيسات شركات النقل الخاص جنيها واحدا دفعة واحدة، وذلك في منطقة القاهرة الكبرى الأكثر ازدحاما في مصر ويقطنها نحو 22 مليون نسمة.
وأكد عبد المنعم، (سائق ميكروباص)، وخالد، (سائق نقل ثقيل)، أن السائقين أمام أزمة كبيرة، خاصة مع ارتفاع سعر السولار، موضحين أن ذلك سيتبعه ارتفاع في أسعار الزيوت، فيما أوضح الأول أن سعر تغيير الزيت العام الماضي كان يتراوح بين 700 و800 جنيها ووصل نهاية العام حد 1000 جنيه، والشهر الماضي، وصل 1100 جنيه، متوقعا وصوله 1300 جنيه مع الأسعار الجديدة.
وقالا إن "السيسي، قلب حياتنا، ودمر الناس، ولا نعرف كيف سنواجه الغلاء"، مشيرين إلى أن "قرار رفع السولار بشكل خاص يطال جميع السلع التي يجري نقلها عبر سيارات النقل".
وأكد مواطنون أنه "على الفور تم رفع قيمة الأجرة في مناطق عديدة بنحو 3 جنيهات"، موضحين أن الأجرة المقررة سابقا بـ5 جنيهات من منطقة أبوزعبل لمسطرد بمحافظة القليوبية أصبحت 8 جنيهات، وتلك التي كانت بـ7 جنيهات بين قريتهم ومركز المدينة صارت 10 جنيهات، وتلك التي كانت تتكلف 15 جنيها للنقل من موقف بجنوب محافظة الشرقية إلى موقف العاشر بالقاهرة أصبحت 18 جنيها.
ولفتوا إلى "وقوع مشاجرات، بين الركاب والسائقين على خلفية رفع تعريفة الركوب بمقادير كبيرة ودون قرار رسمي من الأجهزة المحلية".
وقال المدرس بالأزهر، الشريف أحمد، إن "قرار رفع أسعار الوقود بهذا الشكل كارثي ويلتهم أية زيادة في الرواتب والتي أقرها السيسي من الشهر الجاري، بنحو 1000 جنيه"، مضيفا لـ"عربي21": "ليته ما رفع الرواتب وما رفع سعر الوقود".
وعانى المصريون على مدار حكم السيسي، من زيادات بجميع أسعار السلع مع رفع حكومة البلاد سعر الوقود، وهي المعاناة التي وصلت قمتها مع رفع سعر البنزين مرتين خلال العام الماضي، في آيار/ مايو، وتشرين الثاني/ نوفمبر، ورفع سعر السولار مرة واحدة في آيار/ مايو الماضي، بقرار لجنة تسعير الطاقة التي تجتمع 4 مرات بالعام، وتمارس عملها منذ تموز/ يوليو 2019.
"أجواء القرار"
في الوقت الذي تعلن فيه مصر عن رغبتها تخفيف أزمة التضخم الذي وصل معدلات قياسية مسجلا 35.7 في المئة في شباط/ فبراير الماضي، واتخذت الحكومة قرارات 6 آذار/ مارس الجاري بتعويم عملتها المحلية ورفع سعر الفائدة 600 نقطة أساس دفعة واحدة للحد منه، يرى خبراء أن زيادة أسعار الوقود تهدم كل تلك الخطط وتفاقم معدلات التضخم.
كما يرون أن قرارات رفع أسعار البنزين والسولار وأسطوانات البوتاجاز التي جاءت مفاجئة للمصريين تنسف تصريحات حكومية ومن رأس النظام عن انفراجة، عقب ما أثير عن دعم غربي، وقروض من صندوق النقد، والبنك الدولي، ومؤسسات مالية دولية، بنحو 20 مليار دولار لمصر.
والاثنين الماضي، أعلن البنك الدولي تقديم 6 مليارات دولار لمصر في 3 سنوات، فيما أقر الاتحاد الأوروبي الأحد الماضي حزمة مالية للقاهرة بقيمة 7.4 مليارات يورو، فيما أعلن صندوق النقد الدولي زيادة برنامج قرضه للبلاد إلى 8 مليارات دولار، وذلك بعد إعلان الإمارات 23 شباط/ فبراير الماضي ضخ 24 مليار دولار من صفقة "رأس الحكمة".
"خديعة السيسي"
المثير هنا أن السيسي، وخلال احتفاله الخميس، بعيد المرأة، وقبل ساعات من قرار رفع أسعار المحروقات؛ لام التجار في مصر على عدم خفض الأسعار بعد قرار تعويم الجنيه الأخير وتعافي العملة المحلية بعض الشيء، وطالب الحكومة بالتفكير في آليات لتحقيق التوازن في أسعار السلع بالأسواق وضخ المزيد منها.
بل إنه اعترف بأن الفترة الماضية كانت صعبة في مصر، قائلا: "أعترف أن الفترة الماضية كانت صعبة، بس (لكن) الفترة دي (هذه) إحنا تجاوزنها، وبقا (أصبح) في استقرار في كل شيء".
وهو الحديث الذي خرجت على إثره الصحف والمواقع المصرية لتبشر المصريين بانخفاض الأسعار بنسبة 20 بالمئة، استجابة لطلب السيسي، الذي صدم الملايين بعد مؤتمره بساعات بقرار رفع أسعار الوقود.
وكان السيسي، قد أكد الجمعة الماضية 15 آذار/ مارس الجاري، من أكاديمية الشرطة بالعاصمة المصرية القاهرة، أنه لا توجد أزمة سلع بالبلاد، وأنه يسير بمصر على الطريق الصحيح.
وقال: "بطمنكم إن الحمد لله الأمور ماشية، ومفيش عندنا مشكلة سلع ولا حاجة وحتى المستلزمات اللي كانت متأخرة في الموانئ الحمد لله بتخرج دلوقتي".
وفي محاولة للتقليل من وقع قرار رفع أسعار الوقود روّجت المواقع المحلية لخبر بعنوان "
أخبار سارة" مفاده أن 90 بالمئة من الجهات والمصالح الحكومية ستصرف منحة عيد الفطر المبارك، من 500 جنيه، إلى مرتب شهر.
ويظل اللافت هنا، هو أن السيسي، يُواصل إنفاقه الباذخ والمؤتمرات المكلفة لخزينة الدولة، وتخصيص الأموال للصناديق الخاصة والتي كان من بينها 10 مليارات جنيه لصندوقي "تأمين الأسرة" و"كبار السن"، وسبقها 10 مليارات جنيه لصندوق "قادرون باختلاف"، وفي ذات الوقت يصر على القرارات المفاجئة والمفجعة للمصريين.
"قرار غير مُبرر"
وفي رؤيته، قال الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب، إن "قرار رفع أسعار الوقود قرار غير مبرر على الإطلاق ولا توجد له أية مقومات، وإذا نظر لأسعار البترول العالمية نجد خام برنت ظل يتراوح بين 80 و85 دولارا للبرميل لفترة طويلة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "صحيح أنه خلال اليومين الماضيين قفز برنت إلى ما يقرب من 78 دولارا، ولكنه عاد ليتراجع مجددا، وفي اعتقادي أنه سوف يغلق اليوم عند حاجز 85 أو أقل من 85 دولارا للبرميل، ومن هنا فإن مبررات ارتفاع أسعار البترول العالمية أمر غير مقبول".
وعلى الجانب الآخر، لفت وكيل وزارة التجارة والصناعة للبحوث الاقتصادية سابقا، إلى أن "الزيادة الأكبر في أسعار الوقود جاءت في أسطوانات الغاز، وهي أحد أهم أشكال الاستهلاك الأساسية للأسر الفقيرة، وأغلب من يستخدمها الفقراء والأكثر فقرا بالإضافة إلى ما يمكن أن نطلق عليه (المشاريع الصغيرة)".
وأوضح أن "جزءا كبيرا من عربات الفول ومشاريع الأكل الصغيرة للأفراد الموجودة في بعض الأماكن تستخدمها، مثل عربات الفول وما شابه، وحتى بعض المحال التي تستخدم البوتاجاز سوف تضطر إلى رفع أسعار ما تقدمه من سلع وخدمات".
وقال: "نتحدث عن محلات ومطاعم رفعت أسعارها بشكل كبير خلال الأسبوعين الأخيرين من كانون الثاني/ يناير الماضي، لارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه وغالبية السلع الغذائية، ومن هنا كان أكبر ارتفاع أدى إلى التضخم هو الارتفاع في المأكل والمشرب".
ولفت الخبير المصري، إلى أنه "قبل الزيادات الجديدة بأسعار الوقود، كان بعض المصريين عنده أمل في أن تتراجع الأسعار قليلا الفترة الحالية مع استقرار سعر صرف الجنيه مقابل الدولار".
لكنه توقع ارتفاعات أخرى، مبينا أنه "عندما نقول إن سعر أنبوبة البوتاجاز ارتفع أكثر من 30 بالمئة ارتفاعا من 75 إلى 100 جنيه للأنبوبة؛ نتحدث عن إمكانية رفع سعر ساندويتش الفول والطعمية –طعام غالبية الشعب- بقدر هذه النسبة"، معتقدا أن المصريين سيعانون أشد المعاناة من ارتفاع الأسعار وإمكانية تحملهم لأي ارتفاع جديد ستكون صعبة إلى حد كبير.
"القرار والاستثمار"
وقال عبد المطلب: "إذا نظرنا أيضا إلى قرار رفع أسعار الوقود وأثره على الاستثمار في ظل الحديث عن رغبة حكومية لجذب الاستثمارات إلى مصر أعتقد أن القرار يعرقل مجهودات جذب الاستثمار".
وأوضح أن "جزءا مما أدى إلى المشاكل الاقتصادية الحالية خلال الفترة الماضية كان عدم قدرة المستثمر على حساب تكاليفه وبالتالي تحديد أرباحه، واليوم نعود إلى نفس المشكلة".
وأكّد أن "ارتفاع أسعار الوقود سوف يجعل دراسات الجدوى التي تم إعدادها سابقا غير مجدية حاليا، وبالتالي يعاود المستثمر الأجنبي التفكير أكثر من مرة قبل القدوم إلى مصر، لأن رفع أسعار الوقود سوف يترتب عليه رفع الكثير من أسعار السلع والخدمات".
وفي اعتقاده، يرى المتحدث نفسه أن "المستثمر الأجنبي لن يكون لديه القدرة على توجيه أمواله إلى مكان قد تتغير فيه المعطيات باستمرار، وبدون أسباب مقنعة، وبشكل مفاجئ، كما حدث بالأمس".
وتابع: "لو تحدثنا عن تدفقات الأموال لمصر، والتدفقات الدولارية نتيجة صفقة رأس الحكمة أو غيرها، أعتقد أنها لا تقاس في الحسبان عند تقييم الدولة خدماتها أو منتجاتها".
"قرار مفاجئ.. نتيجة سلبية"
وأشار إلى أن "الحكومة اتخذت قرارا بتخفيض قيمة الجنيه قبل نحو أسبوعين، ومن هنا بدأت تعيد تقييم السلع التي تستوردها بناء على تعديل قيمة صرف الجنيه؛ وهناك خطأ كبير لأنه لا يراعي محاولات الاستقرار التي تسعى الدولة لإحداثها ولا تراعي المشاكل التي قد يعاني منها المواطن نتيجة ارتفاع الأسعار".
وقال إنه "علينا الأخذ في الحسبان أن القرارات المفاجئة دائما لها نتائج سلبية على الاقتصاد وعلى درجة ونوعية حياة المواطن".
"البعض يقول إن جزءا من تحركات الأسعار الأخيرة هو لاستكمال تعهدات مصر لصندوق النقد الدولي، وأعتقد أنه قد يكون جزئيا صحيح، ولكن على الجانب الآخر الصندوق طلب منذ فترة أن يتم إلغاء كافة الامتيازات الممنوحة لشركات الدولة والأجهزة السيادية وإدراج أسهم هذه الشركات في البورصة ومع ذلك لم تتخذ الحكومة خطوات لتنفيذ هذا التعهد" يضيف المتحدث نفسه.
ويختم بالقول: "ومن هنا أعتقد أن رفع أسعار الوقود في هذا التوقيت ستكون آثاره سلبية بشكل كبير جدا على الاقتصاد والمواطن المصري".
وأثار قرار رفع أسعار الوقود، الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيما انتقده حتى الملياردير نجيب ساويرس، بقوله عبر منصة التواصل الاجتماعي "إكس": "المفروض أن بنزين 95 يزيد بنسبة أعلى لأن من يستعمله الطبقات الأغنى والسيارات الفارهة، أما 92 فإن الزيادة مفروض تكون أقل؛ بمعنى زيادة بنزين 95 بـ3 جنيهات مثلا وبنزين 92 بـ50 قرشا بدلا من جنيه".
وأشار الكاتب الاقتصادي، مصطفى عبد السلام، إلى أن "رفع سعر البنزين والسولار وأنبوبة غاز البوتاجاز بنسب تتراوح ما بين 21 و33 بالمئة، ثم رفع الدولار الجمركي إلى 60 بالمئة، ورفع الرسوم الحكومية من مرور ومستندات رسمية، سيتبعه قرارات أخرى".
وقال عبر "فيسبوك": "على الطريق رفع فواتير المياه والكهرباء والخدمات العامة، ورفع تكلفة المواصلات العامة، ورفع تكلفة المعيشة وزيادة أسعار السلع الأساسية"، مضيفا: "وقبلها خفض قيمة الجنيه بنسبة تزيد عن النصف كلها قرارات حكومية صرفة، وبعدها يأتيك أحدهم ليقنعك أن الحكومة حريصة على خفض الأسعار".
من جهته، توقع الكاتب الاقتصادي، محمد نصر الحويطي، بأن يلحق بقرار رفع أسعار البنزين والسولار والبوتاجاز رفع لأسعار الخبز، في البلاد؛ لكن الحكومة، تبعت قرارها بالإعلان عن تحملها الفارق الجديد في سعر الوقود لكي تحافظ على أسعار الخبز الحالية.
وعلّق الكاتب الصحفي، جمال سلطان، بقوله: "قول حاكم أي دولة لشعبه: (الحكومة تتحمل عنك تكاليف كذا وكذا)، و(الدولة تتحمل عنك فرق تكلفة رغيف الخبز)، تسمعها عادة من العسكر بحكم محدودية الثقافة، وغياب اللياقة، وغلبة طبع الاستبداد والاحتقار للمدنيين".
وأضاف: "لا يمكن أن تسمعها في دولة تحترم شعبها، لا يمكن أن تسمعها من حاكم ديمقراطي أو حتى مستبد لكن يفهم معنى الدولة"، مبينا أن "السيسي حمّل الشعب مديونيات 180 مليار دولار (9 ترليونات جنيه) لكي يرتع هو ومجموعته في الترف والرفاهية والقصور والطائرات والوجاهة ويتوسع في بناء السجون لاستيعاب معارضي بذخه وسوء إدارته وإفقاره للناس وقهرهم".
ولفت إلى أنه "يتفضل عليهم بعد ذلك بأنه لن يرفع سعر رغيف الخبز مكرمة منه، وأن حكومته ستتحمل فارق السعر"، متسائلا: "من أي جيب تتحمله؟، أليس من جيب الشعب؟، أليس من ضرائب الشعب؟، أليس من عمل الشعب؟، أليس من الديون التي ورطت فيها الشعب وسوف يتحمل دفعها المواطن وأولاده وأحفاده؟".