كانت
العلاقات الأمريكية ـ
الإسرائيلية متينة منذ اعتراف أمريكا كأول دولة بإسرائيل بعد نصف ساعة من قيامها عام 1948 ـ وتوفر المؤازرة والدعم وصفقات الأسلحة من مخصصاتها المالية لتصبح الدولة الأولى في العالم التي تتلقى مساعدات مالية وعسكرية من دافعي الضرائب.
ووصل الدعم الأمريكي أوجه بمساندة عدوان حروبها على العرب باستثناء مشاركة إسرائيل في العدوان الثلاثي ضد مصر مع بريطانيا وفرنسا عام 1956، رفضاً لتأميم جمال عبدالناصر قناة السويس.
رفض الرئيس الأمريكي أيزنهاور العدوان الثلاثي ـ وأصر على وقفه وسحب قوات الدول الثلاث ـ ليس انحيازاً لمصر، لكن خشية من تحالف مصر مع الاتحاد السوفييتي في الحرب الباردة وسقوطها للنفوذ الشيوعي. كانت إدارة أيزنهاور في اشتباك عسكري غير مباشر معها في حقبة الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها في حلف الناتو والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي وحلفائه في حلف وارسو.
وبرغم قصف إسرائيل المتعمد جواً وبزوارق حربية إسرائيلية على المدمرة الأمريكية ليبرتي في 8 تموز/ يونيو1967 ـ مخصصة للتنصت ـ خارج مياه العريش المصرية ادعت إسرائيل كذباً أنه وقع بالخطأ! ومقتل 34 بحارا أمريكياً وإصابة 171 آخرين إلا أنه لم يؤثر على العلاقات بين الحليفين. يفضح المؤلف الأمريكي جيمس بامفورد في كتابه «كتلة الأسرار: كيف تسترق الولايات المتحدة وبريطانيا السمع على العالم»… تعمد إسرائيل قصف المدمرة ليبرتي ـ لدفن أسرار مجازر يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق أسرى الحرب العسكريين المصريين بإعدامهم ميدانياً! وتواطؤ الرئيس جونسون والكونغرس مع الرواية الإسرائيلية، لعدم فضح جرائم إسرائيل وعدم الرد وتشكيل لجنة تحقيق ستقود لإدانة إسرائيل بتعمد قصف وإغراق سفينة التجسس والتنصت ليبرتي من أوثق حليف لأمريكا في الشرق الأوسط!!
كما أقام الرئيس نيكسون مع كيسنجر جسراً جوياً لدعم إسرائيل في حرب أكتوبر 1973 وتزويد إسرائيل بمعلومات وصور أقمار صناعية عن حشود القوات المصرية ما قاد إلى ثغرة الدفرسوار والالتفاف وحصار الجيش المصري الثالث الميداني بقيادة الجنرال آرييل شارون ـ ما غير مسار الحرب وحرم مصر من تحقيق انتصار كاسح على إسرائيل في الحرب!
وبعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام برعاية الرئيس كارتر وإقامة علاقات دبلوماسية وإنهاء الحرب عام 1979 خرجت مصر ـ أكبر دولة وأقوى جيش عربي. رفعت الولايات المتحدة مساعداتها المالية والعسكرية لإسرائيل وزاد من حجمها الرئيس أوباما إلى 3.8 مليار دولار سنوياً. بمجمل 318 مليار دولار منذ الحرب العالمية الثانية! ولتحل مصر في المرتبة الثالثة بعد فيتنام بمجمل مساعدات 2 مليار دولار سنويا وبمجمل 182.3 مليار دولار.. وبذلك تصبح إسرائيل الدولة الأولى التي تتلقى المساعدات المالية في العالم وتشتري بها أسلحة أمريكية. وتفاخر أمريكا بـ«علاقة خاصة» مع إسرائيل ترتكز على المصالح والقيم المشتركة بوصف إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط!
تفاخر أمريكا بـ«علاقة خاصة» مع إسرائيل ترتكز على المصالح والقيم المشتركة بوصف إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط
لكن شهدت «العلاقة الخاصة» تاريخيا تباينات عابرة. كخلافات إدارة بوش الأب حول بناء وتوسيع المستوطنات غير الشرعية. والأخطر ما نشهده حالياً من تباين وتلاسن بين إدارة بايدن برغم تبنيها كلياً الموقف الإسرائيلي واختلاف حول الأسلوب وليس الحرب ـ بسبب المجازر وأعداد الضحايا المدنيين الكبير بسلاح أمريكي ومنع دخول المساعدات! واتهام الجلاد الإسرائيلي الضحية الفلسطينيين. وبرفض أمريكا اجتياح الجيش الإسرائيلي رفح دون خطة ـ والخلاف حول اليوم التالي وإدارة شؤون
غزة بعد نهاية الحرب، وحل الدولتين!
ويبرز الخلاف العلني بانتقادات للسناتور شومر أرفع مسؤول يهودي وزعيم الأغلبية الديمقراطيين في مجلس الشيوخ والداعم الأول لإسرائيل في الكونغرس بطلبه إجراءات انتخابات مبكرة وتغيير نتنياهو ووزيرين متطرفين بن غفير وزير الأمن الداخلي ووزير المالية سموترتش المتطرفين! وبامتناع أمريكا استخدام الفيتو للمرة الأولى لإجهاض قرار مجلس الأمن(2728) ـ الأسبوع الماضي بأغلبية 14 دولة ـ منذ شنت إسرائيل حرب الإبادة على غزة في أكتوبر الماضي. بعد استخدامها الفيتو 3 مرات وبمفردها برفض وقف الحرب ولو بشكل مؤقت ـ في ترديد ودعم أمريكي لسردية وموقف نتنياهو وقيادات حكومته «لا يمكن تحقيق الانتصار في الحرب على غزة، دون دخول رفح والقضاء على كتائب عزالدين القسام».
وفي تحدٍ واستفزاز واحتجاج علني على رفض الولايات المتحدة استخدام الفيتو ـ أستفز نتنياهو بايدن وإدارته بإلغاء سفر وفد أمني إلى واشنطن لمناقشة بدائل عسكرية عن اجتياح رفح! تذرع نتنياهو أن تمرير قرار وقف إطلاق النار الذي لا تحترمه وتتقيد به إسرائيل يشجع حماس على التشدد في المفاوضات حول صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين! بينما يعلم الجميع أن السبب تعنت ورفض نتنياهو تقديم أي تنازلات، لإطالة أمد الحرب، لأن وقفها يعني نهايته السياسية! ليتراجع في مسرحية مملة في اليوم التالي!
كما يمتنع بايدن عن تطبيق قوانين أمريكية على إسرائيل ـ بوقف تصدير الأسلحة لأي دولة يثبت خرقها لحقوق الإنسان وعرقلة إدخال المساعدات الإنسانية الأمريكية، وتعمد توظيف سلاح المجاعة. تتكدس آلاف الشاحنات لعشرات الدول قرب معبر رفح المصري ترفض إسرائيل دخولهم إلى غزة! وهذا موثق بجرائم حرب إبادة إسرائيل بشكل ممنهج، ما دفع القوات الأمريكية لإلقاء المساعدات من الجو والعمل على إنشاء رصيف بحري في غزة لاستقبال المساعدات من البحر عن طريق قبرص!
تناقض إدارة بايدن نفسها، وبدلاً من وقف تصدير السلاح، كشفت واشنطن بوست إرسال قنابل ومقاتلات لإسرائيل! ما يجعل إدارة بايدن شريكا متواطئا مع عدوان إسرائيل بقصف المدنيين والمستشفيات والمدارس والتجويع المتعمد ومعاناة سكان غزة وخاصة الأطفال توفي بعضهم من الجوع، من صدمات الحرب والنزوح والمجاعة. خاصة ثلثي 40 ألف شهيد ومفقود تحت الأنقاض و75.000 مصاب من الأطفال والنساء في سقوط أخلاقي!
الحقيقة يشهد العالم تناقضا صارخا ووهم خلافات تكتيكية عابرة تنسفها المعطيات، وليس خلافات جذرية، خاصة في سنة انتخابات مصيرية لبايدن!